دخل الصراعُ الروسي-الأوكراني هذا الأحد، الـ16 نيسان/ابريل يومه الـ417 وسط غياب أي مؤشرات على وقف إطلاق النار، مع تصاعد حدة القتال في مدينة باخموت الواقعة شرق أوكرانيا، والتي تحولت إلى مسرح لقتال عنيف منذ عدة أشهر زادت حدته هذا الأسبوع مع تصعيد القوات الروسية لهجماتها التي أجبرت القوات الأوكرانية على التراجع، في وقت وقع فيه الرئيس الروسي فلاديمبر بوتين على قانون يسهّل استدعاء المطلوبين للتجنيد الإجباري. فما هي أبرز الأحداث التي طبعت هذا الأسبوع فيما يتعلق بهذه الحرب: من فعل ماذا؟ ومن قال ماذا؟ وأين نحن؟
نظرا لكونها المعركة الأطول والأكثر دموية منذ بدء الحرب في شهر شباط/فبراير عام 2022 صارت باخموت رمزًا للقتال بين الروس والأوكرانيين للسيطرة على منطقة دونباس، وهو هدف موسكو المعلن. روسيا، أعلنت في الساعات الأخيرة أن قواتها تضغط غربا للاستيلاء على هذه المدينة حيث ما تزال نتيجة المعركة المميتة فيها غير مؤكدة أكثر من أي وقت مضى. وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المجموعات الهجومية التابعة لقوات فاغنر شبه العسكرية تنفذ عمليات مكثفة للسيطرة على مواقع في الجزء الغربي من المدينة. فيما أوضح يفغيني بريغوجين قائد فاغنر التي يتواجد عناصرها على خطوط القتال الأمامية في باخموت، إنه من «السابق لأوانه» الحديث عن تطويق كامل للمنطقة، مضيفاً أن «أكثر من 80 في المئة من باخموت تحت سيطرتنا والأجزاء الأخرى تقاوم بشدة».
وأكدت روسيا يوم الخميس أنها تمنع دخول القوات الأوكرانية في باخموت وتمنع دخول أي تعزيزات، في تلميح إلى أن المدينة على وشك السقوط. ونفى الجيش الأوكراني أن تكون قواته محاصرة في باخموت، بؤرة القتال في شرق أوكرانيا، رافضا تأكيدات وزارة الدفاع الروسية. وأكدت كييف أنها تواصل إمداد الجنود الأوكرانيين في باخموت وإلحاق «خسائر جنونية» بالروس.
تسبب قصف روسي استهدف مبنى سكنياً في مقتل وإصابة ما لا يقل عن ثلاثين شخصاً في مدينة سلوفيانسك شرق أوكرانيا، والواقعة في الجزء الخاضع للسيطرة الأوكرانية من منطقة دونيتسك، لكنّها قريبة من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا، وتبعد المدينة 45 كيلومتراً شمال غرب باخموت، بؤرة القتال في شرق أوكرانيا. وحسب الجانب الاوكراني، دمّر القصف الطابق العلوي من المبنى السكني.
عملية قطع رأس
شهد هذا الأسبوع كذلك حالة من الغضب والذعر أثارها مقطع فيديو تم تداوله بكثافة يظهر شخصًا يتحدث اللغة الروسية ويرتدي زياً عسكرياً يقطع بسكين رأس رجل قيل بأنه أسير حرب أوكراني. وبينما اتهمت كييف أفراداً من القوات الروسية بتنفيذ عملية قطع الرأس، وصف المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف الشريط بأنه «مروّع» لكنه شكك في صحته، وأعلنت النيابة العامة الروسية عن بدء فحص الفيديو بهدف تحديد صحة هذا المحتوى والتوصل إلى الاستنتاجات القضائية المطلوبة، الأمر الذي يشكل خطوة أولية قد تؤدي إلى فتح تحقيق جنائي، وتعد أمراً أمرا غير معتاد، إذ أن روسيا تنفي عادة وبشكل فوري ومنهجي كل الاتهامات الموجهة إلى قواتها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. وقد رفض قائد «فاغنر» الاتهامات الموجهة إلى جماعته بتنفيذ عملية قطع الرأس هذه التي أثارت موجة تنديد من حلفاء كييف الغربيين.
ووسط استمرار التصعيد في باخموت، أكد مسؤولون أوكرانيون أن القوات الأوكرانية تعثر على المزيد من المكونات صينية الصنع في الأسلحة الروسية المستخدمة في الحرب مع تراجع المكونات الغربية التي تقيدها العقوبات. وتفيد معلومات جمعها خبراء أوكرانيون من ساحة القتال بوجود مكونات صينية في نظام الملاحة في طائرات مسيرة من طراز أورلان التي كانت تستخدم سابقا نظاما سويسريا. وذكر الخبراء أيضا بأنه تم العثور على أجزاء صينية في نظام التحكم في إطلاق النيران في الدبابات الروسية التي كانت تستخدم سابقا أجزاء فرنسية الصنع. وسبق للصين أن نفت أكثر من مرة إرسالها لمعدات عسكرية إلى روسيا. وفي هذا السياق، اعتبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الشهر الماضي أن «بكين لم تتخط بعد خط إمداد روسيا بالمساعدات القاتلة». لكن مسؤولين أمريكيين أكدوا متابعتهم للتطورات عن كثب وشعورهم بالقلق لاسيما حيال «المنتجات ذات الاستخدام المزدوج مثل الأنظمة الإلكترونية التي يمكن على سبيل المثال استخدامها في أجهزة الميكروويف أو في الصواريخ».
قانون لتسهيل
الخدمة العسكرية الإلزامية
في غضون ذلك، وقّع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم الجمعة قانوناً يسهّل استدعاء المطلوبين لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية، ويسمح بتعبئة جنود الاحتياط إلكترونياً، عبر بوابة المؤسسّات الحكومية الروسية أو عند تبليغ أمر الاستدعاء لطرف ثالث بعدما كان ينبغي تسليم أمر الاستدعاء للمطلوب باليد شخصياً، وينصّ القانون الروسي على السجن لفترة طويلة لمن يتهرّب من الالتحاق بالجيش. وكان العديد من الشبّان الروس المطلوبين لأداء الخدمة العسكرية الإلزامية يتهرّبون من تسلّم هذه الاستدعاءات سواء عبر تجاهلها أو تغيير مكان سكنهم أو حتّى مغادرة البلد. وبرّر الكرملين الإجراء الذي أقرّه النواب بأنّه تعديل تقني «ضروري للغاية» من أجل «تحسين وتحديث» نظام التعبئة الوطنية. وطمأن بأنّه «لا يتوقّع إطلاقاً» أن يؤدّي هذا التشريع الجديد إلى موجة فرار جديدة للشبان من البلد، مشدّداً على أنّ هذا التشريع «لا علاقة له بالتعبئة».
تبادل أسرى
وفي خبر يبدو الخطوة الإيجابية الوحيدة هذا الأسبوع، أعلن الجانبان الأوكراني والروسي عن قيامهما بعملية جديدة لتبادل أسرى حرب، شملت مئة جندي من كلّ جانب، في أول عملية من نوعها منذ أكثر من شهر. وذكرت وزارة الدفاع الروسية في بيان إنّه تمّت إعادة 106 من جنودها، كانوا معرّضين «لخطر الموت» أثناء احتجازهم. وحسب الوزارة، سيتمّ نقل الجنود إلى موسكو لتلقّي علاج طبي ومساعدة نفسية. من جانبه، أعلن رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك عبر تلغرام أنّ 100 أسير عادوا إلى أوكرانيا بفضل عملية التبادل. ويعود آخر تبادل للأسرى بين كييف وموسكو إلى 7 آذار/مارس الماضي. وتمّ يومها تبادل 130 أسيراً أوكرانيا بـ90 أسيراً روسياً. وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعلن في شهر كانون الأول/ديسمبر الماضي أنّ روسيا أفرجت عن أكثر من 1300 أسير أوكراني في عمليات تبادل أسرى بين الطرفين جرت منذ اندلاع الحرب في شباط/فبراير 2022. وتمت عمليات تبادل أسرى عديدة منذ ذلك الوقت.
بعيداً عن ساحة المعركة في أوكرانيا، ألقى موضوع توقيف السلطات الأمريكية يوم الخميس عنصرا في الحرس الوطني يبلغ 21 عاماً على خلفية تسريب مجموعة من الوثائق الاستخبارية السرية، بظلاله على الصراع الروسي الأوكراني. وقد وجّهت محكمة أمريكية يوم الجمعة لائحة اتّهام، بما فيها «تخزين ونقل معلومات متعلّقة بالدفاع الوطني من دون تصريح» و«سحب وتخزين وثائق أو مواد سرّية من دون تصريح» إلى هذا الأخير، بعد مثوله أمام قاض في محكمة ماساتشوستس الفدرالية في بوستن غداة توقيفه، عقب تحقيق استمر لأيام في هذه القضية التي تعد واحدة من أكبر قضايا تسريب الوثائق منذ أن سرّب إدوارد سنودن وثائق تابعة لوكالة الأمن القومي عام 2013. وكشفت الوثائق المسرّبة عن وجود مخاوف أمريكية بشأن نقاط ضعف لدى الجيش الأوكراني، ولمّحت إلى أنّ الولايات المتحدة تتجسّس على دول حليفة لها، من بينها إسرائيل وكوريا الجنوبية.
عقوبات جديدة
في خضم ذلك، أدرج الاتحاد الأوروبي يوم الخميس مجموعة «فاغنر» ضمن قائمة المنظمات الخاضعة لعقوبات التكتل بسبب «مشاركتها الفاعلة في الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا». وهو إدراج «يستكمل» ذلك الذي سبق أن طال الجماعة الروسية شبه العسكرية ضمن قائمة أخرى للمنظمات الخاضعة لعقوبات التكتل بتهمة انتهاكها حقوق الإنسان و«زعزعتها استقرار» بلدان في أفريقيا. واعتبر المجلس الأوروبي أن الإدارج الجديد أتى على خلفية «أفعال تقوّض أو تعرّض للخطر وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها واستقلالها، وأن إدراج فاغنر مرّتين يؤكّد البعد الدولي لأنشطة المجموعة وخطورتها كما وتأثيرها المزعزع للاستقرار في البلدان التي تنشط فيها». كما أضاف الاتحاد الأوروبي إلى قائمة عقوباته وسيلة الإعلام الروسية «ريا فان» التابعة لمجموعة «باتريوت ميديا غروب» التي يرأس مجلس أمنائها يفغيني بريغوجين، رئيس مجموعة «فاغنر». للتذكير، سبق للاتحاد الأوروبي أن فرض عشر حزم من العقوبات على روسيا العام الماضي على خلفية غزوها لأوكرانيا. وتقضي العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على الأفراد والكيانات تجميد أصولهم في التكتل وحظر سفرهم إلى دوله ومنع الأفراد والشركات في الاتّحاد من إجراء أيّ تعاملات معهم.
في سياق متصل، أعلنت النرويج، التي تتشارك الدولة العضو بحلف شمال الأطلسي في حدود مع روسيا بالقطب الشمالي وعززت إجراءاتها الأمنية منذ بداية الحرب وخاصة حول منشآت النفط والغاز، أعلنت هذا الجمعة، أنها طردت 15 دبلوماسيا روسيا هذا الأسبوع وأنهم حاولوا تجنيد مصادر واعتراض اتصالات وشراء تكنولوجيا متطورة، معتبرة أن ذلك «يقلل خطر تهديد المخابرات الروسية في النرويج عن طريق الخفض الدائم لعدد مسؤولي المخابرات العاملين تحت ستار دبلوماسي». ويعد قرار النرويج هذا أكبر عملية طرد لدبلوماسيين روس، كما أنه الأحدث ضمن سلسلة تحركات مماثلة من جانب دول غربية منذ بداية الحرب الروسية على أوكرانيا. ووفقا للخارجية النرويجية فإن الإجراء سيبعد نحو ثلث الدبلوماسيين الروس في النرويج والبالغ عددهم نحو 40. وردت روسيا بالقول إن علاقاتها مع النرويج تلقت «ضربة شديدة» وبأن النرويج «تؤكد بشكل متزايد كونها دولة معادية لروسيا» كما جاء في بيان لماريا زاخاروفا المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، والذي شددت فيه على أن «هذه الأفعال لن تمر دون رد من موسكو».
وسط كل ذلك، وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش رسالة إلى قادة روسيا وأوكرانيا وتركيا عبر فيها عن قلقه بشأن تنفيذ اتفاق يسمح بالتصدير الآمن للحبوب خلال الحرب من عدة موانئ أوكرانية على البحر الأسود، حسب ما أعلن المتحدث باسمه. وتوسطت الأمم المتحدة وتركيا لإبرام الاتفاق للمساعدة في معالجة أزمة غذاء عالمية قال مسؤولون في الأمم المتحدة إنها تفاقمت بسبب أكثر الحروب دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. وبموجب الاتفاق، استأنفت أوكرانيا صادراتها من الحبوب عبر موانئها على البحر الأسود بعد توقفها بسبب الغزو الروسي. ويعمل مسؤولون من روسيا وأوكرانيا وتركيا والأمم المتحدة على تفتيش جميع السفن في المياه القريبة من تركيا المتجهة إلى أوكرانيا، والقادمة منها. وقالت الأمم المتحدة إن عشرات السفن في انتظار التفتيش قبل إبحارها إلى أوكرانيا.
هذا وأعلنت لجنة الدولة الأوكرانية للإحصاءات هذا الأسبوع أن إجمالي الناتج المحلي لأوكرانيا انخفض بنسبة 29.1 في المئة في 2022 مقارنة بالعام الذي سبقه بسبب الغزو الروسي الذي دمر البلاد التي شهدت انهيار قطاعات كاملة من اقتصادها بسبب الحرب، بما في ذلك قطاع البناء الذي تراجع بنسبة 67.6 في المئة. مع ذلك، وعلى الرغم من استمرار الأعمال العدائية واحتلال مساحات تصل إلى عشرين في المئة من الأراضي الأوكرانية، يتوقع صندوق النقد الدولي، وهو أحد الداعمين الرئيسيين لكييف، انتعاشا اقتصاديا جزئيا وتدريجيا هذا العام. وبناء على هذه السيناريوهات، يتوقع صندوق النقد الدولي مراوحة الاقتصاد الأوكراني بين انكماش بنسبة 3 في المئة ونمو بنسبة 1 في المئة في 2023. كما تتوقع المؤسسة تسارعا في النمو في 2024 ليبلغ 3.2 في المئة ثم 6 في المئة في 2025. وصادق الصندوق للتو على 15.6 مليار دولار كمساعدة لأوكرانيا في خطة دعم دولية كبيرة بقيمة 115 مليار دولار.
متابعات