حين يمسي الرجالُ أولادًا لزوجاتهم

خليل فاضل

قالت زوجة فى معرض حديثها أمام زوجها، إنه أحد أبنائى.. عندى ثلاثة وهو الرابع، فَشَخ الزوج ضَبَّهُ مومئًا برأسه فى بلاهةٍ قاسية، ثم همهم وأشار إلى زوجته قائلًا: «أصلها شبه أُمى، لكنها مش شاطرة زيها فى الطبيخ»، تصرخ الزوجة مستنكرة قائلة: «زى القطط بتاكل وتنكر، لسه إمبارح لاهف مكرونة بالشامل ومحَلَّى برز بلبن»، ربت الزوج على كرشه والتزم الصمت.

وزوجةٌ أخرى صرّحت أثناء تداعياتها الحُرَّة: «جوزى بينادينى يا ماما، بينام قبل منى عشان شغله، ومينامش إلّا لمّا أطبطب عليه، وأغنيله.. أطبطب وادلّع»، كان هذا من ضمن أهم الأمور التى أرهقت الزوجة، لأنها لم تجد منه الحنان، بجانب أنه مشغول دائمًا وينحاز لزمرة أهله فى معظم الخلافات، مما أوغر صدرها وجعل «الطبطبة من غير نِفس».

هنا تختَل العلاقة الزوجية وتضطرب، لأن الزوج أمسى طفلًا لزوجته، يتناول الناس الموضوع بخِفّة كما لو كان ظاهرةً شائعة، ومع ذلك، يستمر العديد من الأزواج فى الوقوع فى هذا الفخ، لأن ديناميكية الأم والطفل مُعَقدّة؛ فمعظم الأمهات يقدمن الرعاية اليومية لأبنائهن، والتحقق من الواجبات المنزلية، بينما يرتبط الآباء باللعب والترفيه، تقول أم: «يحوِّل العديد من الآباء المسؤوليات إلى لعب، بالنسبة لى.. يصبح إيصال ابنى إلى المدرسة فى الصباح سباقًا ضد عقارب الساعة، ومن ثمَّ يتعلم الأطفال، أن الرجال مرتبطون باللعب، والنساء بالمسؤولية».

من ناحيةٍ أخرى، فإن بعض الرجال يتعلمون قمع مشاعرهم ككتم البكاء، على ادِّعاء أن ذلك أمر غير رجولى؛ بمعنى أن على الشباب إبقاء مشاعرهم تحت السيطرة، والتعامل معها بطريقة عميقة غامضة مكبوتة، وقد يكون هذا الاستيعاب ناجحًا أحيانًا، خاصةً فى التعامل مع الغضب، ولكن عدم البوح فى العلاقات مع الشريك أمرٌ ضار للغاية.

ينضج الرجل ويدخل إلى مساحة علاقة ما، وهو كعاشق قبل الزواج، يجذب امرأته بمرحه وسحره الطفولى، ولكن مع تطوّر العلاقة، تبدأ محاولاته للحدِّ من بعض هذا السلوك المرح، وبمجرد أن يتزوج، غالبًا ما يحدث تحولًا شبه كامل؛ فيصبح ناضجًا، وأكثر تحمّلًا للمسؤولية.

يعتبر كثير من الرجال زوجاتهم كأمهاتهم، ويختارونهن لا شعوريًا، بالصورة الكامنة فى أعماقهم للأم التى ربّتهم بتشابه سمات شخصيتها، خاصةً الحنان والقدرة على التدبُّر، وحمل المسؤولية حينما يسقطون، وغالبًا ما يتحوّل الأمر بعد فترة، إلى أن يعتمد الرجل كليةً على زوجته كراعية، ويصبح ابنًا افتراضيًا لها.. كثير الطلبات، ويحاول الهروب من المسؤولية.

وفى أحيانٍ أخرى قد تكون عدم القدرة على إظهار العاطفة، علامة على أن أم الزوج تُعانى من حالة تسمى «Alexithymia»، والمعروفة أيضًا باسم «العمى العاطفي»، وهذا يقتل التواصل الانفعالى بين الأم وابنها؛ فعندما يتزوج فإنما يبحث عن امرأةٍ فياضة المشاعر، ربما تُعيد تربيته دون ذلك التسطيح الذى دمّر طفولته.

وعلى النقيض رجلٌ ينهى عمله فى السابعة مساءً، يذهب إلى البيت ليأكل ثم يهرب إلى المقهى، يجلس مع أصحابه يلعب الطاولة، ثم يعود إلى المنزل منسجمًا مع ذاته فى الواحدة صباحًا، تكون امرأته قد نامت من هدِّ الحيل مع الأولاد فى المذاكرة وفى البيت، من تنظيفٍ وإعداد لليوم التالى، فى تلك اللحظة يود أن ينام معها ليكمل سهرته؛ فيحاول إيقاظها من نومها المتقلِّب، وغالبيتهن يرفضن ذلك الأسلوب الأنانى الفجّ، وإذا صارحته فى الصباح أنها سترتاح، وأنه سيوصل الأولاد للمدرسة، ثم يأخذهم منها للتدريب، يضيق ذرعًا ويختلق الأعذار، لكى يهرب من هذا اليوم الصعب، وعندما تواجهه مشكلة فى العمل أو الحياة، يضع رأسه على صدر امرأته ويبكى؛ فتهدهده حتى ينام.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى