وســواس «النظافــة القهري».. هوس يؤرق مصابيه

مصطفى الزعبي

وسواس النظافة أحد أكثر أشكال الوسواس القهري شيوعاً، إذ يمكن لأفكار معينة أن تجبر الشخص المصاب به على أداء سلوكيات التنظيف من أجل منع بعض العواقب التي يخشى حدوثها، ويتضمن ذلك التنظيف المتكرر وإعادة ترتيب الأشياء والأثاث.

والعلاقة بين الوسواس القهري والتنظيف تتوقف على الهوس (الأفكار المتكررة والمتطفلة) والإكراه (السلوكيات أو الأفعال المتكررة).

تتشابك الهواجس والأفعال القهرية في اضطراب الوسواس القهري، ويمكن أن تؤدي إلى رغبة عارمة بتنظيف الأشياء بشكل متكرر.

ويوصف الوسواس القهري كاضطراب يجعل الناس يشعرون بأفكار وصور ذهنية مؤلمة لا تختفي، ورداً على هذه الأفكار غير المرغوب فيها، يشعر الأشخاص المصابون بالوسواس القهري برغبة شديدة بتكرار أفعال معينة، وتكون الأفعال سلوكيات جسدية (مثل ترتيب الأشياء بترتيب معين) أو سلوكيات عقلية (مثل الصلاة بطريقة معينة).
ويعتقد بعض الأشخاص أن إكمال هذه الإجراءات سيؤدي إلى تحييد التهديد، أو إيقاف التفكير الوسواسي، أو تخفيف القلق الذي تخلقه الأفكار غير المرغوب فيها. والوسواس القهري أكثر من مجرد الرغبة في العمل أو العيش ببيئة نظيفة أو تفضيل النظافة، وإنه ينطوي على حاجة منهكة ومؤلمة ببعض الأحيان لتنظيف وإعادة تنظيف مناطق أو عناصر معينة.
جمع الباحثون الهواجس والأفعال القهرية في «أبعاد الأعراض»، حيث تشترك مجموعات الأعراض بمخاوف وأنماط سلوكية مماثلة:
* التلوث والتنظيف: يشعر بعض الأشخاص بخوف شديد من التعرض للتلوث بالجراثيم أو سوائل الجسم أو مواد أخرى، بما في ذلك الملوثات المجردة مثل: الشر أو الحظ السيئ، ويخشى الناس حتى أنهم يلوثون الآخرين. ويمكن أن يؤدي الخوف من التلوث إلى الرغبة بالتنظيف، ويعتقد الناس أنه من خلال تنظيف الأشياء أو المساحات بترتيب معين أو بتكرار معين، يمكنهم تجنب التلوث أو العدوى أو التعافي منها.
وينشغل بعض الأشخاص بترتيب الأشياء بشكل معين، على سبيل المثال، يفكر الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري، «إذا لم أرتب أدوات النظافة الخاصة بي على مسافة بعيدة تماماً، فسيؤذيني شخص ما اليوم، أو إذا قمت بتنظيف حوضي خمس مرات هذا الصباح، فلن يمرض أخي».
ووجد الباحثون أن الأشخاص الذين يعانون هوس التناظر وإكراه الطلب غالباً ما يواجهون صعوبة في التعبير عن الغضب بطرق صحية، ويكون لديهم تاريخ شخصي من الصدمات.
* الشك في الضرر والتحقق: لدى بعض الأشخاص أفكار ومخاوف تدخلية بشأن إيذاء الآخرين أو التعرض للأذى بأنفسهم، ويمكن أن يؤدي الخوف المفرط من تحمل المسؤولية عن الأذى إلى سلوكيات فحص قهرية، على سبيل المثال، التأكد بشكل متكرر من إطفاء الموقد أو المكواة.
وينتاب الأشخاص، المتأثرون بفحص الأفعال القهرية، شعوراً بعدم الاكتمال ما لم يؤدوا طقوساً أو سلوكيات معينة، تشمل الإكراهات الشائعة الأخرى تكرار التغني أو الصلوات أو كلمات السلامة لدرء الخطر أو تقليل القلق.
وعلى غرار التماثل والنظام القهري، ارتبط التحقق من القهر بالغضب والصدمة.
* الأفكار والطقوس العقلية غير المقبولة: يعاني بعض الأشخاص أفكاراً تدخلية متكررة حول أشياء تنتهك إحساسهم بالأخلاق والخير، غالباً ما تتضمن هذه الأفكار غير المرغوب فيها العنف، وعلى الرغم عدم وجود تاريخ للعنف بحياتهم، إلا أنهم يقضون وقتاً وطاقة كبيرة بمحاولة قمع هذه الأفكار أو محوها، ويمكن أن تؤدي محاولة قمع الأفكار إلى القلق، والذي يميل إلى إنتاج المزيد من الأفكار غير المرغوب فيها.
ولا يمكنك الوقاية من الوسواس القهري، على الرغم من أن الأطباء يقولون: إن التشخيص والتدخل المبكر يعني أنك تقضي وقتاً أقل في التعامل مع الصعوبات التي يمثلها هذا الاضطراب.
ويميل هذا الاضطراب إلى الظهور في سن مبكرة عند الذكور، أكثر من الإناث ومع ذلك، بحلول منتصف العمر، تعاني النساء أعراض الوسواس القهري أكثر من الرجال.
علم الوراثة
يواصل الباحثون استكشاف تأثير علم الوراثة على ما إذا كان شخص ما سيصاب بالوسواس القهري.
يعرف العلماء، أنه إذا كان والدك أو أخيك مصاباً بالوسواس القهري، فمن المرجح أن تصاب بهذه الحالة. وبعض الدراسات ووجدت أن أبعاد الأعراض التي تتضمن تنظيف وترتيب الوسواس القهري من المرجح أن تكون موجودة في العائلات بشكل خاص.
ووجد الباحثون اختلافات في بنية الدماغ لدى الأشخاص المصابين بالوسواس القهري، إلى جانب الاختلافات في كيفية عمل الدماغ، على سبيل المثال، وجدت دراسة عام 2017، أنه لدى الأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري، اتصال ونشاط أكبر في أجزاء الدماغ المرتبطة بتكوين العادة وفي الأجزاء التي تعالج العواطف وخاصة الخوف، وكشف مسح الدماغ أيضاً الاختلافات في مستقبلات هرمون الاستروجين وفي كمية المادة البيضاء والرمادية بأدمغة الأشخاص ذوي أبعاد أعراض التلوث والتنظيف.
وعرف الباحثون السلوكيون منذ فترة طويلة أن التوتر والصدمات يرتبطان بزيادة خطر الإصابة بالوسواس القهري.
أعراض وأفعال
لا تشمل أعراض الوسواس القهري الوساوس والأفعال القهرية فحسب، بل تشمل القلق الشديد أيضاً، والتوتر في الظروف التي تشعر فيها بأنك خارج نطاق السيطرة أو بعدم اليقين، وإذا كنت تعاني الوسواس القهري وكان التلوث أو التنظيف أمراً مهماً بالنسبة لك، فقد تلاحظ الشعور بالاشمئزاز أو الخوف من أشياء أو مواد معينة، بما في ذلك الأوساخ أو المرض أو إفرازات الجسم أو القمامة أو المواد الكيميائية، والاعتقاد بأنك أو الآخرين يمكن أن تتلوثوا بوسائل سحرية أو روحية مثل نطق أسماء أو أرقام معينة، بالإضافة إلى الشعور برغبة قوية في غسل يديك أو الاستحمام بشكل متكرر، واستخدم عملية أو طقوساً محددة جداً، أو تغيير الملابس مرات عدة في اليوم، وتجنب الأماكن أو الأشخاص الذين يكونون مصابين، وإجراء طقوس تطهير دقيقة، ورفض السماح للآخرين بالدخول إلى مساحاتك الآمنة، علاوة على ذلك تسبب تلف بشرتك أو جسمك من خلال التنظيف المفرط، وتحافظ على تناسق الأشياء أو ترتيبها بترتيب دقيق، فقد تلاحظ أنك تشعر بالقلق الشديد إذا لم يتم ترتيب بعض الأشياء بشكل صحيح، وتشعر بالرغبة في تكرار ما يحدث لجانب واحد من جسمك على الجانب الآخر من جسمك، بالإضافة إلى الخوف من أنه إذا كان هناك شيء غير متوازن أو غير متساو، فقد تحدث كارثة.

3 علاجات

وسواس النظافة أحد أكثر أشكال الوسواس القهري شيوعاً، إذ يمكن لأفكار معينة أن تجبر الشخص المصاب به على أداء سلوكيات التنظيف من أجل منع بعض العواقب التي يخشى حدوثها، ويتضمن ذلك التنظيف المتكرر وإعادة ترتيب الأشياء والأثاث.

والعلاقة بين الوسواس القهري والتنظيف تتوقف على الهوس (الأفكار المتكررة والمتطفلة) والإكراه (السلوكيات أو الأفعال المتكررة).

حدد علماء النفس عدداً من العلاجات التي يمكن أن تقلل من الأعراض وتحسن الأداء اليومي.

1 – العلاج السلوكي المعرفي: وهو علاج فعال للعديد من الأشخاص الذين يتعاملون مع الوسواس القهري.

وفي جلسة العلاج تلتقي بمعالج يمكنه مساعدتك على تقليل قلقك من خلال تحديد أنماط التفكير التي تشوه رؤيتك للواقع وتسبب التوتر، ويمكن لمعالجك بعد ذلك أن يساعدك على تعلم إعادة هيكلة هذه الأفكار بطرق مثمرة.

2 – التعرض ومنع الاستجابة: نوع من العلاج المعروف بفعاليته في علاج الوسواس القهري، حيث تعمل أنت ومعالجك معاً لتحديد المحفزات الخارجية والداخلية التي تسبب لك التوتر وتجعلك ترغب في التصرف بشكل قهري.

ويمكنك وصف أفكارك الوسواسية وسلوكياتك القهرية لطبيبك المعالج، وتشرح ما تخشى حدوثه إذا لم تتبع سلوكاً أو طقوساً ما.

ويصف لك الطبيب مضاداً للاكتئاب لتقليل أعراض الوسواس القهري وهي: أنافرانيل، فلوفوكسامين، باكسيل، بروزاك، زولوفت، ولا ينبغي على الشخص التوقف عن تناول الدواء فجأة، لأنه في بعض الحالات يمكن أن يسبب انتكاسة الأعراض الخاصة بك، تغيرات خطيرة في مزاجك، زيادة خطر الأفكار الانتحارية.

3 – التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة: يعد التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة طريقة أخرى يجب أخذها في الاعتبار إذا كانت العلاجات الأخرى لا تساعد، حيث تعمل على تفاعل المجالات المغناطيسية مع الخلايا العصبية في الدماغ بمحاولة لتقليل أعراض الوسواس القهري.

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى