يمثل ملف أسرى الحرب المستعرة في اليمن، منذ ثماني سنوات، أحد أهم الملفات الإنسانية وأكثرها الحاحًا للحل. ويستدعي إغلاق هذا الملف إجراءات صادقة (حسن نية) من كل الأطراف، وتبدأ هذه الإجراءات من إعلان كل طرف عدد وأسماء ما في سجونه من أسرى وموافقته غير المشروطة لمبادلة (الكل بالكل) وقبل ذلك السماح لكل طرف بزيارة أسراه بالتنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. إلا أن هذا يتم إعلاميًا ويفشل عمليًا، ويلقي كل طرف بمسؤولية فشل المفاوضات على الطرف الآخر.
بالاقتراب من واقع المعاناة؛ فمعظم عائلات الأسرى لا تعرف مكان احتجاز ذويها، وأحيانًا تعرف، لكن غير مسموح لها بزيارتهم، ويرتبط الإفراج عنهم بصفقة مبادلة. وعادة تتم صفقات المبادلة عبر تقديم كل طرف كشفًا بأسماء الأسرى لدى الطرف الآخر، وفي الغالب لا يلم كل طرف بجميع أسراه لدى الطرف الآخر علاوة على وجود هويات أسماء مختلف عليها بين الطرفين. وبالتالي فهناك أسرى كثيرون لا يدرجون ضمن قوائم التفاوض والمبادلة، وفي الوقت نفسه لا يسمح لوفود من طرفي النزاع بزيارات سجون الآخر للاطلاع عن قُرب على واقع السجناء وهوياتهم وتكوين صورة واقعية تشمل جميع الأسرى، علاوة على تعدد سلطات الحرب، وبالتالي تعدد السجون، وتعدد مصادر قرارات السجن والافراج.
ما يجعل من صفقة (الكل مقابل الكل) هي الصفقة الوحيدة التي يمكن من خلالها طي صفحة الأسرى في حال تعامل الطرفين بصدق إنساني مع الصفقة، على أن يتوفر مسبقًا قوائم بجميع الأسرى لدى كل طرف.
يترتب على واقع الأسرى معاناة كبيرة تبدأ بعائلات الأسرى، والتي تتضاعف معاناتهم لاسيما عندما لا يستطيعون زيارة ذويهم، أو لا يعرفون أي شيء عنهم إن كانوا أحياء أو أمواتا. وأحيانا لا يجدون إجابة عن اسئلتهم؛ أي أنهم لا يعرفون إن كانوا أسرى أو لا لكنهم مفقدون! وهي المعاناة التي تمتد إلى داخل السجون التي يتعرض فيها الأسرى لصنوف من التعذيب والمعاملة اللاإنسانية. وهنا نقف على وجه من وجوه الحرب القذرة جراء التعذيب من جهة والمساومة بالبشر للحصول على مكاسب سياسية من جهة أخرى.
في منتصف الشهر الماضي، تبادلت صنعاء والرياض وفودا أعلن أنها بشأن الاطلاع على أوضاع الأسرى لدى كل طرف، لكن لم يتم الإعلان عن وصول تلك الزيارات إلى نتائج بشأن الإفراج.
وبيّن رئيس لجنة شؤون الأسرى لدى الحوثيين، عبدالملك المرتضى، في تصريحات إعلامية، أن الزيارتين المتبادلتين بين صنعاء والرياض «كان لهما نتائج إيجابية، عبر معالجة جزء كبير من الإشكاليات المتعلقة بملف الأسرى».
تبذل اللجنة الدولية للصليب الأحمر جهودًا كبيرة منذ اشتعال الحرب في اليمن على صعيد التخفيف من معاناة الأسرى في سجون جميع الأطراف بمن فيهم السعوديين.
وأعلن الصليب الأحمر، الأربعاء، أنه زار خلال عام 2022 أكثر من 3400 سجين لدى جانبي النزاع الدائر هناك، وهي خطوة يمكن أن تمهد الطريق لتبادل المحتجزين بين الطرفين.
وقال بيان صحافي، أطلعت عليه «القدس العربي» إن «اللجنة الدولية أجرت في وقت سابق من الشهر الجاري زيارة استغرقت عشرة أيام لمركز احتجاز في خميس مشيط بالمملكة العربية السعودية، حيث يُحتجز أفراد على خلفية علاقتهم بالنزاع، تحت سلطة القوات المشتركة بالمملكة. كما أجرت زيارة مماثلة في صنعاء في شهر تشرين الأول/أكتوبر».
وقال المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأدنى والأوسط باللجنة الدولية، فابريزيو كاربوني: «نُشيد بالالتزام المستمر الذي يُبديه جميع الأطراف إزاء الاعتبارات الإنسانية، ونشكر لهم تيسير العمل الذي تضطلع به اللجنة الدولية من أجل تقييم الأوضاع الصحية للمحتجزين، والتأكد من إحاطة عائلاتهم بآخر مستجدات أوضاعهم، ودعم إطلاق سراحهم بصورة آمنة».
وأضاف: «الثقة التي يُبديها الأطراف في المهمة الإنسانية التي تضطلع بها اللجنة الدولية هي الركيزة التي نستند إليها، ونحن نكرر تأكيدنا الالتزام بمواصلة تقديم المساعدة لسلطات الاحتجاز من أجل ضمان توفير ظروف احتجاز إنسانية للمحتجزين. يبدأ دورنا بعد انتهاء المفاوضات السياسية بشأن إطلاق سراح المحتجزين على خلفية النزاع، حيث نشرع في إجراءات نقلهم وإعادتهم إلى أوطانهم، حتى يلتئم شملهم بعائلاتهم بعد سنوات من التشتت».
وتابع كاربوني: «الخطوات التي تتخذها اللجنة الدولية إزاء أوضاع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن واحتياجاتهم تهدف إلى المساهمة في تعزيز إجراءات بناء الثقة بين الأطراف، وسنظل نأمل في أن تدعم هذه الإجراءات التوصل إلى حل سياسي للنزاع باتت الحاجة إليه ماسة جدًا».
أصبح الصراع في اليمن منذ 2015 أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث أزهقت الحرب وتداعياتها مئات الآلاف من اليمنيين، وملأت سجون أطراف الحرب بالأسرى، الذين يستخدمونهم أوراقًا للضغط والمساومة، سواء لمبادلة أسرى بأسرى أو للضغط السياسي، وبخاصة على صعيد الشخصيات السياسية المعتقلة.
لم يصرح أي من الجانبين عن عدد السجناء الذين يحتجزهم بسبب النزاع، لكن يُقدر أن عشرات الآلاف احتجزوا على مدار الحرب، والعديد منهم مسجونون في ظروف قاسية.
وجرت آخر عملية تبادل جماعي في عام 2020 وأشرف عليها الصليب الأحمر، وشهدت عودة أكثر من 1000 محتجز إلى ديارهم.
وفقًا لاتفاقية 2018 في ستوكهولم، وافقت الأطراف المتحاربة على مبادلة أكثر من 15000 سجين، على الرغم من أنه من غير الواضح عدد الذين تم إطلاق سراحهم حتى الآن.
في تشرين الأول/اكتوبر، فشل التحالف والحوثيين في تجديد الهدنة التي رعتها الأمم المتحدة، وكانت أطول فترة هدوء للقتال خلال سنوات الحرب هناك.
كان وقف إطلاق النار ساري المفعول في البداية في نيسان/ابريل، وأثار الآمال في السلام، خاصة مع تجديد الهدنة مرتين، حتى تعثر تجديدها في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر. منذ ذلك الحين، سعت الأمم المتحدة والهيئات الأخرى إلى جعل الحوثيين والتحالف الذي تقوده السعودية يجلسون مرة أخرى لمناقشة تسوية سياسية إلا أن ذلك لم يتم حتى كتابة هذا التقرير.
برعاية أممية تم اتفاق بين الجانبين على صفقة تبادل أسرى في آذار/مارس الماضي، وبناء عليه تواصلت اجتماعات اللجنة الاشرافية لتنفيذ اتفاق الأسرى والمعتقلين في العاصمة الأردنية عمان، وعُقدت آخر جولة من اجتماعات هذه اللجنة في آب/أغسطس، ولم تصل إلى نتائج إيجابية في تنفيذ صفقة الأسرى، ومن أبزر العوائق التي واجهت اللجنة في تنفيذ الاتفاق هو هُوية الاسماء المختلف عليها.
متابعات