كريستين بجاني، البالغةُ 24 عاماً من لبنان، هي أوَّلُ عازفةِ درامز في العالم العربي تقومُ بعروضٍ على المسارحِ بمفردها مع آلتها الإيقاعيَّة، وليس ضمن فرقةٍ حيث تعيدُ تقديمَ الأغنياتِ والموسيقى العربيَّة والغربيَّة على «طريقتها».
عاشت العازفةُ والفنَّانة الشابَّة كريستين بجاني تحدِّياتً كثيرةً، من ذلك محاولاتُ أهلها دفعها إلى اختيارِ آلةٍ أخرى غير الدرامز للعزفِ عليها، وتأخيرُ تلقيها دروساً في الإيقاع، ثم عدمُ اقتناعِ الكثيرين بأن هذه الآلةَ الإيقاعيَّة الضخمة، يمكن أن تقف خلفَها امرأةٌ.
إضافةً إلى تحدِّياتٍ ذاتيَّةٍ لعدم تحويلِ الشغفِ بالدرامز إلى مهنةٍ وحيدةٍ. اليوم، تبدو بجاني متحمِّسةً مع تجاوزِ عقباتٍ عدة، والجمعِ بين التخصُّص الجامعي، والعملِ في مجالِ طبِّ الأسنان التجميلي، وتقديمِ عروضٍ على الدرامز بصورةٍ مبتكرةٍ، تدمجُ بين الموسيقى والأغنياتِ العربيَّة، والغربيَّة، أو يتداخلُ فيها الإيقاعُ في معزوفاتٍ لا تعرفُ الآلة في نسخها الأصليَّة، مع التطلُّع إلى احتضانِ الفتيات المحبَّات لآلتها ضمن مبادرةٍ خاصَّةٍ. كريستين كانت قد عزفت بمفردها على آلةِ الدرامز في افتتاحِ حفلاتِ المغنين: نجوى كرم، وتامر حسني، ومروان خوري، وشيرين عبدالوهاب في بيروت.
تسألُ «سيدتي» الفنَّانة الشابَّة في الحوارِ الآتي عن البداياتِ الفنيَّة، والعلاقةِ بالدرامز، والتحدِّيات، في يومٍ منقضٍ بالزعرور (جبل لبنان)، وسطَ طبيعةٍ خريفيَّةٍ متقلِّبةٍ.
الدرامز في سن الطفولة
حدِّثينا عن علاقتكِ الأولى بالدرامز، متى بدأتِ العزف، وماذا تعني لكِ هذه الآلة؟
في الصغرِ، عند مشاهدة التلفزيون، ومع بثِّ أي مضمونٍ موسيقي، كانت تلفتني آلةُ الدرامز، ومَن يعزفُ عليها. كنت ألاحظُ أن تأثيره كبيرٌ في الموسيقى، والأغنيات. وفي سنِّ العاشرة، طلبتُ من أهلي اقتناءَ آلةِ درامز، والسماحَ لي بأخذ دروسٍ في العزف عليها، فلم يوافقوا! بل واستغربوا الأمر، ورأوا أن الآلةَ كبيرةٌ، وكثيرةُ الأجزاء مقارنةً بحجمي الصغير! لكنني أصررتُ على طلبي حتى وافقوا بعد ذلك. وفي عمرِ الـ 14، حصلتُ على أوَّلِ درامز، وبدأت في تعلُّم العزفِ عليه تحت إشرافِ أستاذٍ في بادئ الأمر، ثم عن طريقِ التعلُّم الذاتي. هذه الآلةُ الإيقاعيَّة، تنشر الحماسةَ، والإحساسَ في كلِّ أغنية، وتقوم بدورٍ حاسمٍ في كيفيَّة تذوُّق المستمع للأغنيات. يتحكَّم بالدرامز كفَّا العازف(ة)، وكعباه بصورةٍ يقوم فيها كلُّ عضوٍ بالعزفِ بسرعةٍ مغايرةٍ عن الأخرى، في بعض المرَّات، الأمرُ الذي لا يخلو من تحدٍّ، ويسمح بالتفريغِ النفسي من جهةٍ ثانيةٍ.
عروض «لايف»
كيف تُحدِّدين هويَّتكِ الموسيقيَّة بوصفكِ عازفةَ درامز؟
أعزفُ منفردةً، وأخلطُ بين إيقاعاتٍ مختلفةٍ بصورةٍ منسجمةٍ، إذ قد أُدخل إيقاعاً عربياً على أغنيةٍ غربيَّةٍ، والعكسُ صحيحٌ، أو حتى أدمجُ إيقاعاتٍ عدة ببعضها، وهذا بعد أن اطلعت على كثيرٍ من الألوانِ الموسيقيَّة. لا أظلُّ «جامدةً» أثناء العزف. وقد حظيتُ عندما كنت أنشرُ فيديوهاتٍ على منصةِ «تيك توك»، أؤدي خلالها مقطوعاتٍ وفق هذا الأسلوب بمشاهداتٍ كثيرةٍ. وفي مرحلةٍ تاليةٍ، قدَّمت عروضاً حيَّةً «لايف» مع جعل الجمهورِ جزءاً من الفكرة، فأتفاعلُ وإياهم، وأغادرُ مقعدي، وأحدِّث الحضور، ثم أرجعُ إلى الجلوس. أنا أوَّلُ عازفةٍ تقوم بذلك بصورةٍ غير معهودةٍ بعد أن كان الأمرُ يقتصرُ فقط على عزفِ الدرامز ضمن فرقةٍ. أرى نفسي اليوم فنَّانةً، ومبتكرةً أكثر من مجرَّد عازفةٍ على الدرامز. في هذا الإطار، أدخلت أصواتَ الدرامز إلى أغنياتٍ لا تعرفُ هذه الآلة في نسختها الأصليَّة، وتعدُّ هادئةً. إضافةً إلى ذلك، تعلَّمت من خلال العروضِ الحيَّة أن الجمهور يتفاعلُ مع أقلِّ إيماءةٍ، وابتسامةٍ، وهو ليس صعبَ الإرضاء، ويهتمُّ بالتفاصيل، ولا يحتاج إلى أن يرى العازفَ يستعرضُ أقوى مهاراته حتى يبادله.
مَن هم الموسيقيُّون والموسيقيَّاتِ العالميُّون الذين أثَّروا فيكِ؟
The Chainsmokers فرقةٌ أمريكيَّةٌ، يقوم فيها عازفُ الدرامز مات ماجوير بالعزفِ «على طريقته» على أغنياتٍ معروفةٍ. لطالما لفتني بأسلوبه، وطريقةِ تفاعلِ جسمه عند العزف، وألهمني كثيراً.
المرأة تستطيع
هل واجهتِ أي تحدِّياتٍ بوصفكِ امرأةً عازفةَ درامز، وكيف تغلَّبتِ عليها؟
صحيحٌ أن هناك تطوُّراً كبيراً على صعيدِ المجتمع، لكنْ ذكوريَّته لا تزالُ ماثلةً، لذا كان دربي مملوءاً بالتحدِّيات! بدأ الأمرُ بممانعةِ أهلي، ومحاولتهم جعلي أتخلَّى عن العزفِ على الدرامز، لكنَّهم في النهاية تقبَّلوا الأمرَ نتيجةَ إصراري. بعدها لاحظتُ عدمَ اقتناعِ كثيرٍ من الرجالِ بأن المرأةُ تستطيع أن تعزفَ على الدرامز، وأن تنجحَ في ذلك. لقد غيَّرتُ هذه الصورة، وتجاوزتُ تعليقاتٍ سلبيَّةً كثيرةً، وأثبت لنفسي أوَّلاً، ثم للآخرين بأنني أستطيعُ أن أطوِّر هوايتي في العزف، وأن أركِّز على ما أهواه، جنباً إلى جنبٍ مع تخصُّصي في طبِّ الأسنان. تستطيع المرأةُ أن تقوم بأمورٍ عدة معاً، وأن تنجح في كلٍّ منها.
هل لمستِ تقدُّماً في المساواةِ بين الجنسين بالمجالِ الموسيقي في العموم؟
ألاحظُ أن هناك مزيداً من الإناثِ اللاتي يعزفن على آلاتٍ إيقاعيَّةٍ، منها الطبلة، وهذا مفرحٌ.
الحرية في الموسيقى
كيف يمكن للموسيقى أن تكون قوَّةً للتغييرِ الاجتماعي، والتفاهمِ الثقافي؟
الموسيقى لغةٌ عالميَّةٌ، ووسيلةٌ للتعبيرِ عن المشاعرِ الإنسانيَّة. كم مرَّةً يسمع المرءُ أغنياتٍ بلغاتٍ لا يعرفُ عنها شيئاً، لكنَّه يتأثَّر، ويشعرُ بالكلماتِ، وبإحساسِ المغني، ونبرةِ صوته. إضافةً إلى المغني، للعازفِ تأثيرٌ، خاصَّةً لناحيةِ مدى انسجامه مع آلته. في العروضِ التي أقدِّمها، وعند الدمجِ بين ألحانِ أغنيات عربية وفرنسيَّةٍ وإنجليزيَّةٍ من خلال الدرامز، أشعرُ بهامشِ الحريَّة الكبير الذي تمنحه الموسيقى لي من خلال إعطاءِ نكهةٍ جديدةٍ لأغنياتٍ معروفةٍ دون أي قيودٍ، مع دفع الناسِ إلى التفاعلِ معها.
ما أهدافُكِ للمستقبل؟
أهدفُ في كلِّ يومٍ جديدٍ إلى أن أحسِّن عزفي مقارنةً باليوم السابق، وألَّا أفقد الشغفَ بالدرامز، هوايتي، التي نمَّيتها، أو أن أجعل عملي في المجالِ يتحوَّل إلى وظيفةٍ وحيدةٍ مع كلِّ ما يترتَّب عليه الأمرُ من سلبياتٍ. عليه، قرَّرت أن أختار مهنةً متمثِّلةً في طبِّ الأسنانِ التجميلي، وعلمِ تقويمِ الأسنان. إضافةً إلى ما تقدَّم، أركِّز في الوقتِ الراهن على تشجيعِ الإناث في الدولِ العربيَّة على العزفِ على الدرامز، والتأثيرِ فيهن، وحلِّ أي مشكلاتٍ تواجههن مثل عدمِ القدرةِ على شراءِ الآلة، أو أي قيودٍ متعلِّقةٍ بالعزف، أو أي مشكلاتٍ معنويَّةٍ، بالتعاون مع جمعيَّةٍ من الخارج. بخلاف الكثيرين في عالم الفن، لا تتَّصلُ أحلامي بالعزفِ على مسارحَ عالميَّةٍ، أو مع فنَّانين معروفين، بل بإفادةِ الآخرين من تجربتي، لا سيما النساءُ الشغوفاتُ بالآلة.