بعد ثلاثة أيام من حديث وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي، لموقع المونيتور، والذي أشار فيه إلى ترتيبات لاستئناف المفاوضات المباشرة بين الحوثيين والسعودية…
تأتي موافقة التحالف وتحديدًا السعودية على تسيير رحلات الحجيج لأول مرة من مطار صنعاء إلى مطار جدة منذ بداية الحرب لتؤكد أن بوصلة الحرب في هذا البلد تمضي باتجاه التسوية، على الأقل على مستوى توقف الحرب الخارجية، ممثلة في العمليات العسكرية للتحالف؛ وإن كان ثمة مَن يذهب للقول إن بوصلة هذه التسوية تتجه صوب إغلاق ملف هذه الحرب، لا سيما وقد سبق هذا الحدث الهام موافقة التحالف على زيادة رحلات الطيران التجاري من مطار صنعاء باتجاه العاصمة الأردنية إلى ضعف ما كانت عليه، وأعقبها موافقة طرفي النزاع (المفاجئة) على خوض جولة جديدة من مفاوضات الأسرى والمحتجزين في العاصمة عمان (بدأت الجمعة وتختتم الاثنين) عقب توتر شديد تعثر معه تنفيذ ما كان قد تم الاتفاق عليه في الجولة السابقة، والمتعلق بتبادل زيارة السجون بين صنعاء ومأرب؛ وبالتالي تعثر عقد جولة جديدة.
وبقدر ما يؤكد هذا أن ثمة مَن يتحكم بأوراق الأزمة اليمنية من خارجها يؤكد في ذات الوقت أن هذا (الخارج) لم يعد راغبًا في استمرار حربه هناك، وإن لم يعد يعنيه استمرارها يمنيًا.
وأقلعت أمس السبت أولى رحلات نقل الحجاج من مطار صنعاء، والتي نقلت 275 حاجا إلى مطار الملك عبد العزيز في جدة. ووفق جدول رحلات طيران اليمنية تبقت رحلتان للحجاج من مطار صنعاء غدا الاثنين، وستنقل الرحلات الثلاث أكثر من 600 حاج من المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة “أنصار الله” الحوثيين.
السعودية اعتبرت هذه الخطوة في سياق “دعم الشعب اليمني”، وقال السفير السعودي لدى اليمن، محمد ال جابر، اليوم الأحد، في تغريدة، على موقع تويتر، إن تسيير هذه الرحلات من مطار صنعاء يأتي «امتداداً لدعم الشعب اليمني الشقيق والرفع من معاناته وتحقيق آماله وتطلعاته في السلام والتنمية والازدهار».
المبعوث الأممي الخاص لليمن رحّب، اليوم الأحد، بتشغيل رحلات الحجاج من صنعاء إلى السعودية، وقال في تغريدة: «أتمنى أن تشجع هذه الخطوة الإيجابية وأجواء السلام في موسم الحج الأطراف على اتخاذ المزيد من الخطوات لتخفيف ورفع القيود المفروضة على حرية الحركة للمدنيين داخل وخارج اليمن، والتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار واستئناف العملية السياسية تحت رعاية الأمم المتحدة».
ولاقت هذه الخطوة ترحيبا دوليًا؛ إذ قال الاتحاد الأوروبي في تغريدة مماثلة، اليوم، إن «رحلة الحج من صنعاء إلى المملكة العربية السعودية يوم أمس مهمة جدا، الأولى من نوعها منذ سنوات، وستسمح لليمنيين بأداء شعائرهم الدينية. هذه اللفتات من قبل السعودية هي محل ترحيب كبير وينبغي أن تسهم في إنهاء النزاع».
ماذا تعني الموافقة السعودية؟
السؤال الذي يفرض نفسه بعيدًا عن التصريحات البروتوكولية: ماذا تعني موافقة السعودية على تسيير رحلات مباشرة للحجاج من مطار صنعاء إلى جدة لأول مرة منذ بدء الحرب بعد أسبوع من موافقتها على زيادة الرحلات التجارية من مطار صنعاء؟ وفي أي سياق يمكن قراءة الحدثين لا سيما مع تزامنهما مع عقد جولة من مفاوضات ملف الأسرى في عمّان؟
مما لا شك فيه أن ثمة نوايا سعودية لإزالة تداعيات الحرب، وإن كان هذا الأمر لا يبدو يسيرا وفق رؤيتها الحالية، لكن ما يمكن قوله إن المملكة، ربما، تريد، على الأقل، المضي في هذا الملف تدريجيًا، وتبدأ بإيقاف هذه التداعيات على صعيد تخفيف التوتر، وبخاصة على صعيد علاقتها بجماعة “أنصار الله” (الحوثيين)، في سياق تهيئة الأجواء لاستئناف المحادثات المباشرة، ضمن مساع تُبذل حاليًا من قبل مسقط في هذه الاتجاه؛ وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية العماني، البوسعيدي، في الحديث المشار إليه آنفا.
كما لا يمكن تجاوز أن هاتين الخطوتين تأتيان بعد شهرين تعثر خلالهما عقد جولة ثانية من المفاوضات المباشرة، التي كان قد تم الإعلان عنها عقب مغادرة الوفد السعودي صنعاء بعد محادثات دامت ستة أيام (8-13 ابريل/نيسان) أعلن الطرفان أن نتائجها كانت إيجابية، وإن لم تحسم ملفاتها نهائيًا.
يعزز هذا موافقة السعودية قبل أسبوع من موافقتها على تسيير رحلات الحجاج، على زيادة الرحلات التجارية من مطار صنعاء صوب العاصمة الأردنية إلى الضعف، وهو ما يؤكد ما ذهبنا إليه من أن ثمة ترتيبات لاستئناف المفاوضات المباشرة من خلال عقد جولة ثانية؛ ما يؤكد ذلك أيضًا الالتئام المفاجئ لمفاوضات ملف الأسرى والمحتجزين بين طرفي النزاع، بل إن ثمة احتمال شبه مؤكد بأن هذه المفاوضات ستخرج بنتائج إيجابية، كما حصل في الجولة السابقة في بيرن، والتي جاءت نتيجة تطور في ملف المحادثات غير المباشرة بين السعودية والحوثيين في مسقط، والتي أعقبها تطور على صعيد المفاوضات المباشرة بين السعودية والحوثيين، التي شهدتها صنعاء خلال أبريل.
يؤكد هذا تصريح متلفز لرئيس الوفد الحكومي المفاوض في ملف الأسرى، يحيى كزمان، إذ قال مساء السبت: «نلمس أنه ستكون هناك نتائج إيجابية»، وهو تصريح مختلف عما كان عليه تصريحه قبل بدء هذه الجولة من هذه المفاوضات التي ترعاها الأمم المتحدة.
مما سبق نفهم أن ثمة تحولًا باتجاه تجاوز الجمود الراهن، والعودة للمنطقة المشتركة التي كانت تجمع الجانبين (السعودية والحوثيين) في المحادثات السابقة؛ ضمن ترتيبات لاستئناف جولة جديد من المحادثات بين الجانين؛ وهو ما سيتأكد في نتائج مفاوضات ملف الأسرى، والتي تُختتم غدا الاثنين.
ثمة رأيان فيما يتعلق بمآلات المفاوضات بين السعودية والحوثيين؛ ففي الوقت الذي يرى البعض أن هذه المفاوضات قد يترتب عليها إشكالات تذهب بالحرب باتجاه أكثر دموية بين اليمنيين… يذهب آخرون إلى القول إن من شان هذه المفاوضات أن تكون حلًا مناسبًا في حال تم الاتفاق على خارطة طريق للتسوية الشاملة بموافقة الأطراف اليمنية وبمشاركة كل القوى المحلية الفاعلة على صعيد تطوير مسودة المقترح الخليجي لخطة التسوية؛ وهي الخطة التي تمر بثلاث مراحل، تشمل المرحلة الأولى إقرار هدنة ووقف شامل لكل العمليات العسكرية لمدة ستة شهور يتم خلالها تنفيذ ما يتعلق باشتراطات الحوثيين لصرف الرواتب وفتح الموانئ والطرقات ومطار صنعاء وإطلاق الأسرى مقابل استئناف تصدير النفط الحكومي… فيما تتمثل المرحلة الثانية في مفاوضات سياسية بين الأطراف اليمنية لمدة ثلاثة شهور يعقبها مرحلة انتقالية لمدة سنتين.
متابعات