ما بين الحين والآخر تمارس جماعة الحوثي انتهاكات على أبناء الأقلية البهائية في اليمن، ومنذ سيطرتهم على صنعاء بدأ الحوثيين بتهديدات ضد أبناء الطائفة تلتها حملة اختطافات واسعة ومن ثم مصادرة الممتلكات الشخصية ونهب المؤسسات وصولاً إلى التهجير القسري إلى خارج البلاد.
وآخر تلك الانتهاكات الأسبوع الماضي، 25 مايو/ آيار 2023، أقدمت جماعة الحوثي على مداهمة منزل أحد البهائيين في صنعاء، واعتقلت 17 شخصاً بينهم نساء وأطفال، اثناء حضورهم اجتماع سنوي تقيمه الأقلية البهائية في اليمن.
وخلال السنوات الماضية ارتكبت جماعة الحوثي سلسلة انتهاكات بحق البهائيين، وكان محور تلك الانتهاكات ناتجة عن تطرف وكراهية ضد تلك الأقلية من قبل الحوثيين، بالإضافة إلى ذلك يرى الحوثيين فيهم “غنيمة حرب” حيث يسعى قيادات الجماعة للسطو والسيطرة على جميع ممتلكاتهم.
الاختطافات التي مارستها الجماعة ضد البهائيين في صنعاء مؤخراً ليست الأولى، إنما امتداد لجرائم سابقة مورست ضدهم بدأت في عام 2016، والتي يراها حقوقيين أن الاضطهاد الذي يمارس ضدهم يشبه إلى حد كبير ما قامت به إيران ضد أبناء ذات الأقلية خلال فترات متفاوتة من حكم نظام الخميني.
من هم البهائيين؟
البهائية واحدة من أحدث الديانات حول العالم نشأت امتداد للثقافة الشيعية في منتصف القرن التاسع عشر، ومقرها الرئيسي الذي تأسس في فلسطين التاريخية (وما يزال قائماً إلى الان ضمن في دولة الاحتلال إسرائيلي)، لكن اتباع الديانة البهائية متواجدين في الكثير من الدول.
وفي عام 1844 في مدينة شيراز، أطلق سيد علي محمد الشيرازي، لقب “الباب” وأعلن دينًا جديدًا يسعى إلى تحضير أتباعه لقدوم رسول إلهي يُعرف باسم بهاء الله كان عمرة حينها 25 عاماً، وكان العديد من الأتباع الأوائل له الشخصيات الشيعية. ويعترف أتباع هذه الديانة بالإسلام والنبي محمد، إلا أنهم شكلوا تهديدًا للمعتقدات الأساسية للشيعة، حيث يدعون إلى إلغاء التشيع الإثني عشري، وادعى زعيمهم الذي يطلق عليه “الباب” أنه على اتصال مباشر مع المهدي المنتظر وهو الإمام الثاني عشر للشيعة.
ووصل البهائيون إلى اليمن عبر المناطق الساحلية والجزر اليمنية في منتصف القرن التاسع عشر. وبحسب الرواية البهائية، عاش أتباع الديانة البهائية في اليمن منذ عام 1844، عندما مر حضرة الباب (زعيمهم) عبر مدينة المخا الساحلية الواقعة على ساحل البحر الأحمر اليمني لنشر رسالة الديانة البهائية. وبعد الحرب العالمية الثانية، استقرت موجة من المهاجرين البهائيين في جنوب اليمن، وفق دراسة لمركز صنعاء للدراسات.
ورغم أن أبناء الطائفة البهائية ليسوا الوحيدين الذين يتعرضون للانتهاكات من قبل ميلشيات الحوثي حيث ينتهك الحوثيين حقوق جميع اليمنيين في مناطق سيطرتهم، غير أن الجماعة تبرر اضطهاد البهائيين بأن لهم ارتباط بإسرائيل حيث وقوع المزارات البهائية المقدسة، المعروفة باسم المركز البهائي العالمي، في عكا وحيفا، حيث يحج كثير من البهائيين عبر العالم بشكل سنوي.
انتهاك جديد
وقال نادر السقاف مسؤول مكتب شؤون العامة للبهائيين في اليمن أن “مجموعة كبيرة من مسلحي الحوثي المقنعين أقدمو على مداهمة عنيفة على تجمع سلمي للبهائيين في صنعاء، اليمن، في 25 مايو/ أيار، من العام الجاري واعتقلوا وأخفت قسراً ما لا يقل عن 17 شخصاً، من بينهم خمس نساء”.
وأضاف في حديث لـ”يمن شباب نت”، “أن الهجوم الحوثي تم أثناء تجمع للبهائيين لاختيار من يرعى شؤونهم الإنسانية والمجتمعية، وتم استجواب جميع الحاضرين وصادروا الكتب وأجهزة الكمبيوتر المحمولة وممتلكات أخرى كانت بحوزتهم”.
واعتبر السقاف أن “الهجوم انتهاكًا صارخا لحرية الدين أو المعتقد وحقوق الإنسان، بموجب المواثيق الدولية، الحق في التجمع وإدارة شؤونهم الدينية والمجتمعية حيث لا يوجد رجال دين في الدين البهائي”. قال “أن الاجتماع الذي كان من المقرر تشكيله هدفه الوحيد اختيار من يرعى الشؤون الإنسانية والمجتمعية للبهائيين في اليمن، وهذه العملية تحدث في كافة المجتمعات البهائية حول العالم”.
وفي العام 2020 أطلقت ميلشيات الحوثي سراح ستة من البهائيين، وتم نقلهم على متن طائرة من العاصمة صنعاء، التي يسيطر عليها الحوثيون، إلى خارج البلاد، فيما واصلت الجماعة السطو على جميع ممتلكاتهم، في الوقت الذي اعتبر اخراجهم من اليمن “تهجير قسري”.
انتهاكات ممنهجة
لم تكتف الجماعة بملاحقتهم واعتقالهم ومحاكمتهم ونهب ومصادرة اموالهم وممتلكاتهم، والذي ولم تسلم حتى مقابرهم، كما يؤكد “السقاف” بل ذهبت الى ابعد من ذلك في “نفيهم من وطنهم”، واجبارهم على ترك معتقدهم، وحرمانهم من ابسط الحقوق الانسانية.
ووفق تقرير للمركز الأمريكي للعدالة (ACJ)، حول الحريات الدينية والأقليات في اليمن، والذي يغطي الفترة من مارس 2014م وحتى سبتمبر 2022م، وآثارها على الفئات الدينية ودور العبادة، اورد “إن جماعة الحوثي مارست عدة انتهاكات مارستها جماعة الحوثي ضد الطائفة البهائية من الاعتقالات والتعذيب والمحاكمات ومصادرة للممتلكات والتهجير القسري”.
ورصد التقرير “71 حالة اعتقال من قبل الحوثيين بينهم أطفال ونساء، ومحاكم 25 آخرين من البهائيين محاكمة غير عادلة وصدر في بعضها أحكام بالإعدام ومصادرة الممتلكات، كما تم تهجير 6أفراد و25 أسرة إلى خارج اليمن، ونهب 9 منازل ومؤسسات مملوكة للبهائيين”.
وقال نادر السقاف “أن البهائيون عانوا في اليمن سنوات من الاعتقال والسجن والاستجواب والتعذيب والتحريض العلني على العنف ضدهم، كما استولى الحوثيون على ممتلكات البهائيين، وتم التهجير القسري ونفي العديد من البهائيين اليمنيين، لم يغلق الحوثيين بعد قضية 2018 ضد 24 بهائيًا”.
اضطهاد ونهب ممتلكات
ومنذ أن سيطرتها على صنعاء باشرت مليشيات الحوثي في نهب المؤسسات ومصادرة منازل والأرضي الكثير من المعارضين لها وفرجت عشرات من منازلهم، كان من ضمن هذي المنازل والمؤسسات التي نهبوها تتبع البهائيين الذين هجرتهم واعتقلتهم خلا السنوات الماضية.
وقال السقاف “هناك عشرات وربما مئات من البهائيين الذين يعانون بصورة شبه يومية من مستويات مختلفة من الاضطهاد، ومصادرة ونهب أموال وممتلكات العشرات دون وجه حق وبصورة مخالفة للقانون ودون أي تسجيل أو قيد قانوني، وقطع أرزاق العديد من العوائل والتسبب في تسريح البعض من وظائفهم، اغلاق مؤسسات مرخصة وسرقة ممتلكاتها”.
وأضاف في حديث لـ”يمن شباب نت”، “أن مليشيات الحوثي لجأت إلى المضايقات المالية وتجميد المعاملات المصرفية مع البهائيين ومن يتعاملون معهم من المؤسسات المالية ومراكز الصرافة وغيرها ومضايقة العشرات من الأفراد والعوائل و مداهمة المنازل وترويع العوائل والأطفال وإطلاق النار على المنازل لإحداث الرعب غيرها من أساليب الاضطهاد التي لها تبعات نفسية لا تقدر بثمن”.
مارست جماعة الحوثين عملية التنصت ومراقبة الاتصالات الذي يجريها البهائيين، لتعرف عدد المتواجدين واين سيكون اللقاء لتحضر مسلحين بما يكفي لمداهمة المكان. وقال السقاف “من الواضح أن الحوثيين يراقبون اتصالات البهائيين في الاجتماع، حيث اقتحم المسلحون الحوثيون الملثمون الفعالية الأخيرة في بدايتها”.
وأشار ” من الواضح انهم كانوا يعرفون تأريخ الاجتماع للبهائيين والوقت وعدد الأشخاص الذين كانوا هناك، حيث اقتحموا المكان بعدد كافي من الحراس المسلحين – رجال ونساء – ليتمكنوا من السيطرة على جميع الحاضرين”.
نهج أيراني
ووفق تقرير لمركز صنعاء للدراسات “فإن البهائيون يعتقدون أن سلطات الحوثيين تبنت حملة اضطهاد ممنهج ضد الديانة البهائية مدفوعة بالسياسة الإيرانية -إما بسبب التأثير السياسي الإيراني أو مباشرة عبر أوامر صريحة من طهران”.
وتقود ميلشيات الحوثي الانتهاكات ضد اليمنيين ومن بينهم البهائيين بناء على خلفية متطرفة وتعمد الجماعة على خبراء إيرانيين في حربها وكسلطة أمر واقع، لذا يعتقد أن إيران ربما هي من تقود الاضطهاد الحوثي ضد البهائيين في اليمن، حيث تتشابه الاتهامات التي أطلقها الخميني ويستخدمها خامنئي والحوثيين في تصوير أتباع الأقلية البهائية على أنهم صهاينة وعملاء للإمبريالية واليهود.
في مايو/أيار 2017، أشار المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية الدين أو المعتقد، أحمد شهيد، إلى أن “النمط المستمر لاضطهاد الطائفة البهائية في صنعاء يعكس الاضطهاد الذي يعاني منه البهائيون الذين يعيشون في إيران” وقال “العديد من العائلات البهائية القاطنة في صنعاء هربت من منازلها وهي تعيش في خوف مستمر”.
متابعات