قال ياسين سعيد نعمان إن مشكلات بلاده اختفت خلف كومة الأزمات العالمية و”صاحب الصوت العالي” أخذ مساحة أكبر في مشاورات الرياض
هشام الشبيلي / صحافي ومصور يمني
ينتظر اليمنيون بفارغ الصبر نتائج ملموسة على الأرض للتحول الكبير الذي حدث خلال الأيام الماضية، والذي من المفترض أن يعيد ترميم النسيج الوطني بعد تشكيل مجلس قيادة رئاسي، برئاسة رشاد العليمي، وعضوية سبعة آخرين يمثلون مختلف القوى الفاعلة.
التحول الذي أحدثه اليمنيون، برعاية مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من المفترض أن يلقي بظلاله على كل المجالات العسكرية والاقتصادية والإنسانية، وفي المقدمة المجال السياسي.
ولتسليط الضوء أكثر حول هذا التحول التاريخي تلتقي “اندبندنت عربية” ياسين سعيد نعمان، سفير الجمهورية اليمنية لدى المملكة المتحدة، لنستطلع رأيه وتقديره لذلك التحول وتوقعاته للمرحلة المقبلة.
ارتباك في بداية الأمر
يرى ياسين، وهو أمين عام الحزب الاشتراكي اليمني السابق، أن المشاورات التي دارت بين أطراف يمنية سياسية واجتماعية برعاية مجلس التعاون الخليجي في الرياض “اتسمت في كثير من الحالات بالجدية في استعراض معظم التحديات التي واجهت الشرعية في الفترة الماضية؛ وواجهت أيضاً القوى التي تصدت للمشروع الحوثي الإيراني”. وبرأيه أن المشاورات “شخَّصت ولخصت جميع المشكلات وفي الوقت نفسه اقترحت بعض الحلول التي من شأنها أن تصحح المسارات المختلفة”.
وفي تقديره أن المشاورات “اليمنية – اليمنية” اتسمت بقدر من الجدية والمسؤولية “نستطيع أن نقول إن المشاركين كانوا جادين في استعراض المشكلات ومحاولة إنتاج حلول أو اقتراح حلول لها”.
وحول نسبة تمثيل القوى السياسية في المشاورات، يرى السياسي الاشتراكي، أنه “شهد ارتباكاً كبيراً في البداية، إذ أخذ أصحاب الأصوات العالية مساحة أكبر في المشاورات في مختلف المحاور”. لكنه قال إنه جرى تصحيح ذلك إلى حد ما فيما بعد، وأشركت كل القوى السياسية في المحور السياسي.
فرص النجاح
وعن فرص نجاح المجلس الرئاسي بتشكيلته الحالية لإحلال السلام في اليمن، قال السفير ياسين، إن “الغطرسة الحوثية الرافضة لعملية السلام تجعلنا نعمل كل شيء من أجل توحيد الجهد، وبأي صيغة كانت”. لافتاً إلى أن الجهد الذي بذل من أجل توحيد القوى المناهضة للمشروع الحوثي الإيراني رافقته بعض السلبيات؛ لكن “الغاية تبرر الوسيلة؛ طالما أن الغاية نبيلة علينا أن نغض الطرف نسبياً عن الوسيلة، ولذلك جاء تشكيل هذه القيادة في ظروف صعبة ومعقدة”.
ويعتقد السفير ياسين، أن “الموضوع لا يتوقف على تشكيل مجلس القيادة الرئاسي فقط، وإنما يمتد لمعرفة الخطة المستقبلية لعمله من أين سيعمل؟! هل سيعمل من الداخل وهذه القضية التي يفترض أن الرد عليها ربما يعالج الجزء الأساسي من المشكلة”.
وبعد ذلك، يقول إنه “لا بد أن ننظر إلى أن التركيبة الخاصة بهذه القيادة تفرض نوعاً خاصاً من التنسيق مرتبطاً بالقوى التي تمتلك أطراف هذا المجلس. هل ستعمل بشكل مشترك؟ وهذا العمل المشترك أي صيغة سيأخذ؟ بخاصة في الجانب العسكري”.
إمكانية السلام
وحول الحديث الذي يدور عن أن المجلس مهمته تحقيق السلام، يرى الدبلوماسي المخضرم أن السلام عملية ليست “متاحة في الوقت الحاضر في ظل الغطرسة الحوثية ما لم يتعزز البحث عن السلام بقوة حقيقية على الأرض”.
ويعتقد أن “الوحدة التي تحققت في إطار القيادة الجديدة من شأنها أن تخلق قدراً من هذه القوة التي تحقق التوازن الذي يجعل من السلام عملية ممكنة”. آملًا بأن “تستفيد القيادة الجديدة من أخطاء وسلبيات المرحلة الماضية”.
وفي تقديره أن “لدى المجلس من الإمكانات والطاقات والتجارب ما يمكّنه فعلاً من وضع خطة تضع المسار السياسي للسلام على قاعدة قوة حقيقية تجعل السلام عملية ممكنة”.
قضية دولية
وحول المقاربة الدولية لفرص السلام في اليمن، يرى السفير اليمني “أن قضية اليمن الآن أصبحت قضية دولية. موضحاً أن العالم أصبح يهتم بالوضع في اليمن اهتماماً كبيراً بخاصة بعد تدهور الوضع الإنساني إلى هذا المستوى”.
ومن هذا المنطلق يقول ياسين إن العالم تحرك ولا يزال يتحرك حتى اليوم، مضيفاً “لا شك أن المجتمع الدولي ممثلاً بالأمم المتحدة والمبعوث الأممي والمبعوثين الدوليين الذين يعملون بتوجيه دولهم كان لهم دور في ما يتعلق بجعل مسألة السلام قضية لا بد أن تتحقق بالشروط التي تجنب اليمن مزيدًا من الدمار”.
وأكد ياسين نعمان أن “الجهود الدولية نحو السلام إذا لم تدعمها إرادة وطنية حقيقية جادة من أجل السلام فالجهد الدولي لن يكون بالمستوى الذي يمكننا من تحقيق السلام؛ لأن العالم اليوم مليء بالمشاكل التي تجعل قضية اليمن وراء أكوام من المشكلات العالمية؛ ولذلك كان الجهد الإقليمي والجهد الوطني في تقديري أكثر تأثيراً في تحديد مسار جديد للسلام أرجو أن يتحقق بالشكل الذي يجنب اليمن مزيداً من الدمار”.
دور بريطاني إيجابي
وحول الدور البريطاني تجاه الملف اليمني، قال السفير اليمني إن “بريطانيا من اليوم الأول اتخذت موقفاً إيجابياً من الشرعية. أدانت الانقلاب، وعملت طوال السنوات الماضية من أجل تحقيق السلام باليمن، وظلت متمسكة بعلاقة قوية مع الحكومة الشرعية؛ ولكن طبعاً من المنطق الذي يخدم مصالحها”.
وأضاف “نعرف أن القضية اليمنية تداخلت مع الوضع الإقليمي بشكل عام، وكلما تشابكت القضية مع مشاكل الإقليم يتحدد الموقف سواء كان موقف بريطانيا أو غيرها من الدول في ضوء علاقتها بدول المنطقة”.
وتابع “بريطانيا لها مصالح كبيرة في المنطقة، ولها علاقات جيدة مع دول التحالف، لكن في الوقت نفسه تعمل على إيجاد ميزان في علاقتها السياسية يقوم على مصالحها”.
وعن رأيه في المقاربة اليوم للحل في اليمن بعد كل هذه السنوات من الحرب، يعتقد نعمان “مهما تحدثنا عن مقاربات الحل في إطارها النظري من دون الانطلاق من الواقع الذي أفرزته الحرب، وما لم يتغير هذا الواقع الذي من شأنه أن يوجد معادلة حقيقية على الأرض يبقى الحديث عن مقاربات الحل نظرياً واجتهادياً محكوماً بعوامل لديها مجاهيل كثيرة في المعادلة”.
وأضاف “أعتقد أننا وضعنا الآن أقدامنا على الطريق الذي كان من المفترض أن نقدم عليه وهو توحيد القوى التي واجهت الحوثي من مواقع مختلفة خلال الفترة الماضية بصورة ممزقة ومتشظية استطاع الحوثي أن يستغل هذا التمزق ويظهر أنه العنصر القوي في المعادلة”.
ويتابع “إذا دُعمت البداية التي خرج بها المؤتمر التشاوري في الرياض بخطة سياسية وأمنية وعسكرية وخطة تفاوضية وموقف حقيقي موحد؛ فإننا سنوجد معادلة جديدة تمكننا بالفعل من المقاربة أقرب إلى الواقع”.
آخر مواجهة للمشروع الحوثي
وحول الآراء التي تشير إلى أن التفاهمات التي جرت برعاية أممية ليست سوى مقدمة لدورة عنف أكبر، يقول ياسين، إن “العنصر الرئيس في هذا الموضوع هو الاستفادة الكاملة من هذه الخطوة التي تشكل في تقديري آخر محاولة لمواجهة المشروع الحوثي الإيراني”.
ويؤكد أنه “إذا لم نتمكن من استخدام هذه المحاولة وتوظيفها التوظيف الكامل وإنتاج معادلة سياسية وأمنية وعسكرية قوية فأنا أتفق معك تماماً أننا سنذهب للمجهول”.
مشدداً على أهمية ما حدث في الرياض، ففي اعتقاده أنها “خطوة كان لا بد منها؛ بمعنى أنه كان لا بد من توحيد القوى والصيغة التي توصل إليها قد تكون واحدة من الصيغ التي كان الناس يفكرون فيها”.
وفي هذه الحالة، يشدد نعمان على ضرورة أن “تكون هناك خطة موازية لهذه الوحدة التي تحققت بين الأطراف المختلفة وفي الوقت نفسه تعيد الثقة للناس بأن المسألة ليست مجرد وحدة شكلية ولكنها وحدة من شأنها توحد المجتمع وأن هناك مشروعاً مقاوماً للمشروع الحوثي”.
وهنا أورد ياسين أموراً في تقديره الشخصي لا بد أن يراعيها “الشكل الجديد” للقيادة، أولها تجاوز سلبيات الماضي للعمل على أرضية قوية في الداخل وتجديد العلاقة بالناس.
وثانيها “حل مشاكل الحياة المعيشية للناس في المناطق المحررة والقرب منهم وإعادة تعبئة المجتمع وملء الفراغ الذي كان خلال الفترة الماضية”. ويليها “الانطلاق من الأرض اليمنية لمواجهة هذا المشروع (الحوثي) الذي دمر اليمن؛ لا بد أن يواجه بمعادلة سياسية عسكرية اجتماعية تسمح للحديث عن السلام بشكل معقول”.
صمود مأرب وعملية السلام
وحول رأيه في تصاعد الهجمات الحوثية المتصاعدة على مأرب، يقول الدبلوماسي والسياسي اليمني، إن “الحوثي بعد اتفاق استكهولم 2018 وتأمينه في الحديدة اتجه للشرق، وكان هدفه الرئيس مأرب لأسباب كثيرة منها موضوع الطاقة ولاستكمال حلقات السيطرة على كل مقومات الدولة”. مضيفاً أن الحوثي عمل كل ما يستطيع من جهد، وتدمير، وتجنيد، وحشد للوصول إلى منابع الطاقة واحتلال مأرب لكن الحقيقة لم يتمكن بسب صمود مأرب، وصمود المقاتلين في مأرب.
واعتبر السفير ياسين “صمود مأرب من أهم المحطات في مقاومة المشروع الإيراني في اليمن، وأن عملية الصمود بالنسبة إلى الحوثي عملية تحدٍّ وأن الحوثيين رموا بكل ثقلهم من أجل كسر هذا التحدي لكنهم لم يستطيعوا”.
وفي اعتقاد السفير “أن هذا الصمود هو الذي أعطى فرصة كبيرة للحديث عن سلام مشرف اليوم، ونستطيع القول إن كسر الحوثي في هذا الجزء من اليمن فعلاً جعل عملية السلام ممكنه مع ما تحقق الآن من إصلاحات سياسية على طريق توحيد كل القوى التي كانت متشظية”.
وقال إن هذه القوى “جاء دورها اليوم لتثبت لليمنيين وللعالم أن تصديها للمشروع الحوثي يقوم على رؤية وطنية حقيقية، وبأنها صاحبة مشروع وطني، وأن التمزق السائد فيما مضى كان محكوماً بعوامل مرحلة من الماضي”.
وأضاف “جاء الوقت الذي يجب على الجميع فيه أن يقفوا في وجه هذا المشروع بشكل موحد”.