الندم شعور إنساني طبيعي، يدخل قلوبنا قبل أن نفكر فيه بعقولنا بشكل منطقي وتحليلي، يحدث عندما نعود بذاكرتنا إلى قرار اتخذناه أو فرصة فاتتنا ونبدأ بمساءلة الذات عن السبب والنتيجة وعن الاحتمالات لما قد يكون أفضل، لكنه ليس حكماً نهائياً على قيمتنا أو على قابلية مستقبلنا للتطور، بل هو إشارة مفيدة إذا عرفنا كيف نستقبلها.
أعتقد أن إدارة الندم فن، يبدأ بفهم نوع الندم الذي نعانيه: أحياناً نندم على فعل، ككلام جارح، أو استثمار خاطئ، وفي أحيان أخرى نندم على ما لم نفعله، مثل عدم مخاطبة شخص عزيز، أو تأجيل حلم لمدة طويلة، أحياناً نلاحظ أن الندم على الامتناع عن فعل شيء يطول ألمه أكثر من الندم على الفعل.
وقد يكون ذلك لأن غياب التجربة يبقى كسؤال مفتوح في أذهاننا أحياناً. لذلك يجب أن ندرك أولاً وأن نتساءل عن سبب شعورنا لنعطيه مسماه الصحيح، هل هو ندم على فعل أم على عدم فعل؟ وما العاطفة الأساسية التي تسببت به؟ هل هو خجل، غضب، خيبة أمل، شعور بضياع الوقت؟ لأن فهم مشاعرنا يضعها في حجمها الطبيعي، ويسمح للعقل بالتعامل العملي معها عوضاً عن الانغماس بها.
بعد ذلك، يأتي دور التعامل مع هذا الشعور، فبدل أن تكرر أمام نفسك سيناريوهات «لو فعلت كذا لكان الأمر مختلفاً»، اسأل: ماذا علمتني هذه التجربة؟ تحويل السؤال من «لماذا حصل هذا لي؟» إلى «ماذا أستطيع أن أتعلم الآن؟» يحول الندم من إدانة إلى حالة للتطوير.
أحياناً، يجب أن نعترف بأن الجميع يرتكبون الأخطاء، وأن الجميع لا يعيشون حياة مثالية خالية من العثرات، لكن السلوك الصحي يكمن في التعلم من هذه التجارب عوضاً عن الندم عليها. أحياناً، لا يكون الأوان قد فات للتصحيح، فعلى سبيل المثال، إذا كان الندم ناتجاً عن إيذاء آخر، فالاعتذار الصادق ومحاولة التعويض لا يمحوان الماضي، لكنهما يخففان وطأة الندم داخل النفس ويعيدان بناء العلاقات، أما إذا كان الندم متعلقاً بقرار مهني أو مالي، فلا يكفي الندم بالكلام، بل يحتاج إلى تخطيط عملي وتغييرات وتعديلات، تتجنب تكرار الحالة السابقة أو الأسلوب السابق.
حين نتعامل مع الندم كحكم شامل على الذات، هذا يسبب امتناعاً عن المخاطرة، لكن لو نظرنا له كدرس، ومكان للتعلم والتطوير، فسنتمكن من النجاح. يجب أن نتعلم فن إدارة الندم، وأن نتذكر أنه سلوك طبيعي، وقد يشير أحياناً إلى أنك إنسان يتعلم.
متابعات