تعد الممثلة السورية القديرة سحر فوزي، ابنة جيلٍ صنع مجد الدراما السورية، وإحدى أبرز الممثلات اللواتي قدّمن شخصيات لا تُنسى، فتنقلت بسلاسة بين الأدوار الاجتماعية والتاريخية والشامية وحتى الكوميدية، فحفرت مكانة مرموقة في وجدان الجمهور.
في حوار الأسبوع مع موقع “فوشيا”، تحدثت الفنانة سحر فوزي عن رحلتها الطويلة في عالم الفن، مع الإضاءة على المرأة ودورها في المجتمع العربي، وتفاصيل غنية أخرى.
سحر فوزي لـ”فوشيا”: صِرت أكثر تفهماً وتسامحاً وحذراً وأقل قسوة
شاركتِ في أكثر من مئة مسلسل عبر ثلاثة عقود، ما أكثر ما تعلمتِ من رحلتك الفنية الطويلة؟
كل شخصية قدّمتها شكّلت عندي درساً بحد ذاته، حتى الأدوار الصغيرة، لأنها كشفت لي عن جانب جديد من الحياة. وقد تعلّمتُ أن لا شيء يؤخذ بسهولة، كما تعلمت الانضباط والبحث والإنصات، وأن أكون إنسانة أكثر من أن أكون ممثلة، لأن الدور لا يعيش إلا إذا كان مفعماً بالصدق. كما تعلّمت أن النجاح لا يُقاس بعدد الأعمال، بل بمدى الصدق في كل عمل. وخلاصة ما تعلمته، أن الفن الحقيقي هو أن تترك أثراً جميلاً في ذاكرة من يشاهدك، حتى بعد أن تُغادر الشاشة.
كيف غيّرك الفن على الصعيدين الشخصي والإنساني؟
غيرني بأنني صرتُ أكثر تفهماً وتسامحاً وحذراً وأقل قسوة، لكنه في الوقت نفسه جعلني أكثر حساسية وهدوء. ومع ذلك، أنا ممتنة له، لأنه ساعدني على فهم نفسي والآخرين بشكل أوسع.
كيف ترين تطور الدراما السورية خلال السنوات الأخيرة؟
الدراما السورية تمرض أحياناً لكنها لا تموت، ورغم الصعوبات التي مرت بها، فإنها ما زالت تمتلك رونقها الخاص. ربما تغيّر الشكل والأسلوب قليلاً، لكن الجوهر ما زال حياً، والقدرة على التجدد ما زالت موجودة. وأعتقد أن الدراما السورية بدأت مؤخراً برسم هوية جديدة تعيدها إلى أيام الزمن الجميل.
هل تأثرت جودة المسلسلات بالأزمات الاقتصادية والسياسية التي مرت بها المنطقة؟
بكل تأكيد، فعندما تضيق الإمكانيات الإنتاجية، فإن ذلك ينعكس على كل تفاصيل العمل. ومع ذلك، شهدنا تجارب لافتة استطاعت أن تتخطى الصعوبات، لأن الإبداع يولد أحياناً من رحم التحدي. لكن لا يمكن إنكار أننا بحاجة إلى بيئة إنتاجية أكثر استقراراً، وإلى دعم حقيقي يليق بتاريخ الدراما السورية العريق. لدينا طاقات كبيرة، لكنها تحتاج إلى فرصاً مواتية كي تعبّر عن نفسها كما يجب. وبهمة الجميع ستتجاوز الدراما كل مشاكلها لتعود إلى سكة النجاحات.
سحر فوزي لـ”فوشيا”: “باب الحارة” هو البيت الكبير الذي تربينا فيه
شاركتِ في معظم أجزاء “باب الحارة”، هل تفكرين في الظهور في الجزء الجديد؟
“باب الحارة” هو البيت الكبير الذي تربينا فيه جميعاً، وإذا توفرت الظروف المناسبة التي تحترم الجمهور والشخصيات وأشعر أن العمل حافظ على روح المسلسل وأصالته، قد أفكر بالمشاركة. بكل الأحوال (كل شي بوقته حلو)، ومن المبكر الحديث عن مشروع لم يكتمل بعد.
كيف تصفين تطور شخصية “أم بشير” عبر أجزاء المسلسل؟ وهل كنت راضية عن هذا التطور؟
“أم بشير” تمثل المرأة الدمشقية بقوتها وبساطتها، ومع تقدم الأجزاء تطورت الشخصية ونضجت، وأنا راضية عن هذا التطور، لأنه أتاح لي تقديم أبعاد إنسانية جديدة، وكنتُ أحرص دائماً على أن أظهر كل جوانبها الإنسانية، التي قد تبدو في الظاهر عادية. “أم بشير” تبدو شخصية تمثل كثيراً من النساء اللواتي يعشن في الظل، ولكن بِصمتهن يصنعن الفارق في حياة من حولهن. وهي بالنسبة لي كانت ولا تزال إحدى أجمل التجارب التي عشتها على الشاشة.
هل كان لـ”أم بشير” مساحة كافية لإظهار قوة المرأة الدمشقية في ذلك الزمن برأيك؟
“أم بشير” كانت تجسيداً لصوت المرأة البسيطة والقوية في آنٍ واحد. ورغم بساطتها، كانت تمثل العمود الفقري للأسرة الدمشقية. قد لا يكون المسلسل منحها كل المساحات الممكنة، لكنه أبقى صوتها مسموعاً، وهذا كان كافياً ليشعر الجمهور بقوة المرأة الدمشقية.
بعد مرور أكثر من عقدين على عرض الحلقة الأولى، ما الذي جعل “باب الحارة” حاضراً في ذاكرة الناس؟
“باب الحارة” ليس مجرد مسلسل، بل هو ذكرى تجمع بين الناس وتعيدهم إلى زمن كانت فيه الحياة أبسط، قصصه قريبة من القلب، تعكس هموم وأحلام الناس بأسلوب قريب ومبسط، وهذا ما جعله يتربع في ذاكرة الجمهور رغم مرور الزمن. ولا يمكننا إغفال روح الفريق الذي عمل خلف الكواليس، من كتّاب ومخرجين وممثلين، الذين قدّموا العمل بكل حب وإخلاص. “باب الحارة” سيظل جزءاً مهماً لا يتجزأ من تاريخ الدراما السورية، وأنا فخورة بكل لحظة قضيتها فيه.
انسحبتِ مؤخراً من مسرحية “عودة باب الحارة”، فما كانت شروطك للاستمرار؟
شَرطي كان واضحاً: نص محترم يعكس قيمة الشخصية، لكنني لم أشعر أن هذا الشرط تحقق، ففضلت الانسحاب حفاظاً على كرامتي الفنية ومصداقيتي أمام الجمهور.
برأيك، هل سينجح هذا المشروع محلياً وعربياً؟
نجاح أي عمل فني مرتبط برؤية واضحة وإنتاج جيد. “باب الحارة” يمتلك قاعدة جماهيرية ضخمة، وهذا يمنحه قوة، وأتمنى لأسرة المسرحية تحقيق النجاح الذي يصبون إليه.
وقعتِ مؤخراً عقد مشاركتك في مسلسل جديد في الإمارات، فما التفاصيل؟
آخر عمل صورته كان مع المنتج مجد جعجع بعنوان “تحت الصفر” وسيعرض قريباً، وسأصور معه مسلسلا آخر في أبو ظبي بعنوان “زيف”، من تأليف مؤيد النابلسي وإخراج باسم السلكا، ويصنف تحت بند الأعمال الاجتماعية المعاصرة.
سحر فوزي لـ”فوشيا”: خضت تجربة زواج لم تستمر كما تمنيت
كيف أسهم الفن في تمكين المرأة وإيصال صوتها إلى المجتمع؟
الفن هو مرآة المجتمع، ومن خلاله يستطيع الإنسان أن يعبّر عن قضاياه وهمومه. بالنسبة للمرأة، كان الفن وسيلة مهمة لتسليط الضوء على قضاياها، وقد منحها مساحة لتقول كلمتها بصوت مسموع. كما قدّم نماذج نسائية متعددة، وهذا التنوع أسهم في تمكين المرأة وإعادة صياغة صورتها في المجتمع.
هل تعتقدين أن الأدوار النسائية في الدراما العربية تعبّر فعلاً عن واقع المرأة اليوم؟
هناك أدوار نسائية قريبة من الواقع، تعكس تحديات المرأة وطموحاتها، لكنها لا تزال قليلة مقارنة بالأدوار النمطية التي تركز على الصورة التقليدية للمرأة أو تصنع منها شخصية سطحية. لذلك ما زلنا بحاجة إلى قصص تعبّر عن تعدد تجارب المرأة العربية، وتتناول قضاياها برؤية شاملة، بعيداً عن “الكليشيهات” الجاهزة.
هل واجهتِ تحديات كامرأة في المجال الفني بسبب الصورة النمطية للمرأة في الوسط الفني؟
بكل تأكيد، مثل الكثير من النساء، واجهتُ تحديات تتعلق بالصورة النمطية. أحياناً يُنظر إلى الفنانة من زاوية ضيقة فقط، من دون أي تقدير لفنها أو لقدراتها الحقيقية. هذا التحدي يُحتم علينا أن نثبت أنفسنا بإصرار أكبر، وأن نختار أدواراً تعبّر عن حقيقتنا.
كيف يمكن للفنانات أن يستخدمن شهرتهن لدعم قضايا تمكين المرأة؟
الفنانات يمتلكن تأثيراً قوياً في الرأي العام، ويجب أن يستغللن هذه المساحة بحكمة ومسؤولية. يمكنهن دعم قضايا تمكين المرأة عبر المشاركة في حملات توعية، وطرح مواضيع مهمة في أعمالهن، والتحدث بصراحة عن تجاربهن وتحدياتهن. كما أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل إيجابي، يضاعف تأثيرهن.
ما الرسالة التي توجهينها للشابات اللواتي يسعين لتحقيق ذواتهن رغم التحديات؟
ألّا يستسلمن مهما تعددت الصعاب، فالطريق قد تكون شاقة، لكن الإصرار والشغف هما مفتاحا النجاح. عليهن أن يتعلمن دائماً، وأن يطورن من أنفسهن، ويتمسكن بقيمهن ومبادئهن، وأن يكن صادقات مع ذواتهن، وألا يدعن أحداً يحبط عزيمتهن أو يقلل من شأن أحلامن.
خضتِ تجربة زواج لم تتكلل بالنجاح، فلماذا لم تعيدي التجربة؟ وهل كان للفن دور بعدم استمرارها؟
الزواج تجربة شخصية جداً، وكل مرحلة من حياتي كانت لها ظروفها الخاصة. خضت تجربة زواج لم تستمر كما تمنيت، ولم تتكلل بالنجاح الذي كنت أرجوه. وأسباب عدم استمرارها ليست مرتبطة بشكل مباشر بالفن. لكني أؤمن أن الفشل في تجربة ما لا يعني النهاية.
ما نصيحتك لكل فتاة مقبلة على الزواج؟
أنصحها بالصبر والصدق مع النفس أولاً ومع الشريك ثانياً. الزواج شراكة تقوم على الاحترام والتفاهم والدعم المتبادل، فلا تستعجلي ولا تظني أن كل شيء سيكون سهلاً، بل استعدي لتكوني قوية وحكيمة في التعامل مع المواقف المختلفة. أهم شيء أن تكوني صادقة مع ذاتك ومع من تحبين. الزواج الناجح هو ذلك الذي يزرع الحب يوماً بعد يوم، ويكبر فيه كل من الزوجين على حساب الآخر، وليس العكس.
تُعرفين بإجادتك للطبخ الشرقي، حدثينا عن علاقتك بالمطبخ؟
المطبخ ليس مجرد مكان لإعداد الطعام بالنسبة لي، بل هو ركن دافئ في البيت. أحب الطبخ الشرقي كثيراً، خاصة الأكلات التقليدية التي تربيت عليها منذ الصغر. حين أقوم بتحضير الطعام، أشعر وكأنني أعود إلى الزمن الجميل، وأعيش لحظات المتعة والحنان والمحبة التي أقدّمها لمن أحب. الطبخ بالنسبة لي يشبه التمثيل، يتطلب الصبر والشغف.