بقلم /علياء حسن الياسي
في زمن التحوّل الرقمي المتسارع، لم يعد المحتوى مجرد وسيلة معرفة أو ترفيه أو تواصل، بل أصبح صناعة متكاملة تشكّل ركيزة أساسية في الاقتصاد العالمي الجديد. فقد تحوّل صانعو المحتوى إلى قوى ناعمة مؤثرة في تشكيل الرأي العام، ودعم الاقتصاد الإبداعي، وقيادة مسارات الابتكار والتسويق الرقمي والإبداع البشري. واليوم، لم يعد السؤال عن أهمية هذه الصناعة، بل عن مستقبلها وما بعدها.
يتوقع الخبراء أن قيمة سوق صناعة المحتوى الرقمي ستتجاوز تريليوناً و346 مليار دولار بحلول عام 2033، بعد أن كانت 252 مليار دولار في عام 2025، مدفوعة بطفرة في إنتاج المحتويات المرئية والسمعية، وتشير الإحصائيات إلى وجود أكثر من 300 مليون صانع محتوى حول العالم والرقم في تزايد. هذا النمو الهائل يعكس تحوّل المحتوى من فكرة إلى اقتصاد متكامل، ومن الأفراد إلى منظومات وشركات ومؤسسات متخصصة.
وفي قلب هذا التحوّل تبرز الإمارات نموذجاً ريادياً في المنطقة والعالم، بعد أن دشّنت «مقر المؤثرين»، الذي يُعد الأول من نوعه في الإمارات والشرق الأوسط. ولاقى هذا المقر إقبالاً لافتاً من المؤثرين ونخبة صنّاع المحتوى للانضمام إلى عضويته، حيث نجح في استقطاب 2415 عضواً فعالاً من 147 دولة خلال ستة أشهر فقط.
ولم يتوقف أثره عند ذلك، بل استقطب 78 شركة عالمية تعمل في هذا القطاع من 24 دولة، من أبرزها المملكة المتحدة، باكستان، الولايات المتحدة، الهند، فرنسا، وألمانيا، لتتخذ من الإمارات مقراً جديداً لها. هذا الإنجاز يعكس مكانة الدولة مركزاً إقليمياً ودولياً لاقتصاد المحتوى والإبداع الرقمي.
إن المرحلة المقبلة من اقتصاد صناعة المحتوى لن تقوم على الكمّ فقط، بل على النوع والمعنى والتأثير. فالمستقبل لمن ينشر المعرفة وكل ما هو هادف ورصين، ويقدّم محتوى يضيف قيمة حقيقية للمجتمع والاقتصاد. ومع ما تشهده الإمارات من بنية رقمية متقدمة، وتشريعات داعمة للمبدعين وجاذبة للمشاريع والاستثمارات المرتبطة بالصناعات الثقافية والإبداعية، فإنها تمهّد الطريق لانتقال هذه الصناعة من مرحلة الانتشار إلى مرحلة التمكين والاستدامة.
وهكذا، يمكن القول إن «ما بعد اقتصاد صناعة المحتوى» لن يكون تراجعاً، بل نضوجٌ، تنتقل فيه الكلمة والصورة والفكرة من فضاء الترفيه إلى فضاء التنمية والابتكار واستدامة الازدهار الاقتصادي، لتسهم في زيادة تقدر ب 5% من إجمالي الناتج المحلي في 2031.
متابعات