طغى حزن اليمنيين جراء مأساة التدافع المروّع، الذي شهدته صنعاء الأربعاء، على فرحة العيد لديهم، في الواقع ومنصات التواصل الاجتماعي؛ إذ ساد الحزن والصدمة من هول ما حدث جراء حادثة التدافع المأساوي، التي قضى فيها 90 شخصًا بينهم نساء وأطفال.
وفضل البعض المكوث في منازلهم وعدم الخروج لزيارة الأهل أو مشاركة الناس كعادة اليمنيين في الأعياد الدينية، التي لها طقوسها وتقاليدها المتوارثة كغيرهم من الشعوب العربية؛ وهي الطقوس والتقاليد التي تراجعت في هذا العيد تحت تأثير الحزن الشديد الذي يأتي في غمرة أحزان متوالية منذ بدء الحرب قبل أكثر من ثماني سنوات، لكن حزن هذه الحادثة كان ثقيلا ولم يألفوه باعتبار ضحاياه لا علاقة لهم بأطراف الحرب، وقضوا بالعشرات دفعة واحدة، وهم يبحثون عن أقل القليل، بل كأن ما حدث قد كشف سوءة الحرب كما لم يعهدوها منذ بدء النزاع.
كما قرر آخرون عدم تمكين أطفالهم من ارتداء ملابس العيد باعتبار الحادثة اختزلت المعاناة اليمنية التي وصلت القاع، ولم يعد بعد ما حدث أي حديث يروى لفرحة العيد؛ إذ أعلن مدير إذاعة (صوت اليمن)، مجلي الصمدي، أنه لن يرتدي وأطفاله ملابس العيد؛ فالحزن هذه المرة أكبر من العيد؛ وما حدث يتجاوز أي فرحة، إذ من غير المنطقي أن يعيشوا فرحة العيد غداة حدث مأساوي مروّع أودى بحيوات العشرات من الفقراء والمحتاجين، وهم يتزاحمون في أحد مراكز توزيع المساعدات لأحد تجار العاصمة صنعاء، في سابقة لم يشهدها المجتمع هناك؛ وتمثل خسارة فادحة من الصعب استيعابها، فمن ماتوا قضوا في معركة ضد الجوع! وهذا يؤكد أن الجوع في اليمن بلغ أقصاه.
كما غيّر البعض صور بروفايلاتهم في منصات التواصل الاجتماعي إلى اللون الأسود؛ مطالبين السلطات بإعلان حداد؛ فالحدث ليس هينا، كما عبّر أحدهم، إذ هو مرتبط بفقدان تسعين روحا قضت وهي تبحث عن بضعة دولارات لسد جوعها، ولكل من هؤلاء قصة تروى.
ومن قصص الضحايا الذين قضوا، والتي تم تبادلها في منصات التواصل الاجتماعي، أن سيدة فقيرة أرسلت أبناءها الثلاثة ليحصلوا على مبلغ الزكاة، ويفوزوا بمبلغ لا بأس به؛ وحتى لا يعرف أحد أنهم حضروا الثلاثة طلبت منهم أن يتفرقوا بين جموع المتزاحمين، ولم تكن تعلم أنها أرسلتهم ليكتبوا الفصل الأخير في حكاياتهم… وهذه ليست سوى حكاية أسرة من عشرات الأسر خسرت عائلها أو أحد أبنائها.
كما شغلت الحادثة رسامي الكاريكاتير هناك، الذين ذهبوا إلى أبعد مدى تعبيرًا عن ابعاد المأساة الانسانية التي تعكسها هذه الحادثة.
كما طغت هذه المأساة على منشورات اليمنيين في منصات التواصل الاجتماعي، إذ شعلت الحادثة نسبة كبيرة من منشوراتهم، ففي الوقت الذي اعتادوا أن تكون منشوراتهم خلال العيد لتبادل التهاني إذ بهم يعزّون بعضهم بعضًا، وفي ذات الوقت كانوا يبحثون عن رواية مقنعة لما حدث.
وتضاربت الروايات، لكن المؤكد أن المدرجات نزولاً التي أعقبت بوابة حوش المدرسة كانت مركز انكسار التدافع، الذي ذهب ضحيته العشرات، لتبقى إجابة السؤال: من دفع الناس لذلك الهلع والتدافع المجنون؟
لتبقى الرواية كاملة لما حدث مناطة بالتحقيق الجنائي المسؤول.
وزارة الداخلية في صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون ذهبت إلى اعتبار التدافع و”سوء التنظيم” سببًا لما حدث.
واحتشد نحو ثلاثة آلاف شخص أمام مدرسة معين في منطقة باب اليمن وسط صنعاء لاستلام مساعدة مالية بواقع خمسة آلاف ريال (ثمانية دولارات) من أحد التجار أواخر رمضان، وانتهى التزاحم والتدافع عقب فتح بوابة المدرسة إلى مقتل العشرات وإصابة المئات.
وشكلت سلطات الحوثيين عقب الحادثة لجنة من عدد من الجهات للتحقيق.
اتحاد الغرف الصناعية والتجارية أعلن عن تكفله بثلاثة ملايين ريال (أكثر من ستة الاف دولار امريكي) لكل أسرة من أسر المتوفيين.
وطالبت الحكومة اليمنية المعترف بها ومنظمات دولية بإجراء تحقيق دولي شفاف ومستقل لمعرفة ملابسات الحادثة.
وعبّر المبعوث الأممي الخاص لليمن، هانس غروندبرغ، عن أحر التعازي لأسر الضحايا، وقال: «أشعر أنا وكل أفراد مكتبي ببالغ الألم والحزن بشأن واقعة التدافع المأساوية التي حدثت في صنعاء عشية العيد. تعازيّ القلبية لجميع اليمنيين المفجوعين اليوم، وأتمنى للمصابين الشفاء العاجل».
وتعد الحادثة من أكبر حوادث التدافع في العالم، كما تمثل منعطفًا هامًا في قراءة المأساة الإنسانية الناجمة عن الحرب في اليمن، والتي أوصلت الناس إلى الذهاب إلى أقصى مدى مقابل الحصول على ما يسد رمق جوعهم حتى لو كان الثمن أرواحهم.
ومنذ بدء الحرب تتجاهل الأطراف المتنازعة المعاناة الإنسانية لليمنيين، بل وصل الحال إلى أن إفقار اليمنيين وتجويعهم ما زال جزءا من الحرب ويؤكده الاصرار على تجاهل الملف الإنساني للحرب وفي مقدمة ذلك المرتبات.
لا تزال أزمة اليمن واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم. بعد ثماني سنوات من الصراع المدمر، يعتمد حوالي 23.4 مليون يمني (73٪ من إجمالي السكان) على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك 4.3 مليون نازح داخلي.
وكان اليمن يكافح ضد الفقر حتى قبل اندلاع الحرب، وشهد البلد مستويات عالية للغاية من الفقر؛ ففي عام 2014، كان 48.6٪ من السكان يعيشون تحت خط الفقر الوطني، مما جعل اليمن واحدا من أكثر البلدان فقراً في الشرق الأوسط. الآن، بعد أكثر من ثماني سنوات من الصراع، ارتفع معدل الفقر هناك إلى ما يقرب من 75٪.
وقدّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) أن الحرب أدت إلى ما يقرب من 377000 حالة وفاة، وجاء حوالي 60 ٪ من هذه الوفيات كنتيجة غير مباشرة للنزاع، مثل ندرة الغذاء وعدم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية. وبسبب هذه المعاناة غير المباشرة، تقدر الأمم المتحدة الآن أن اثنين من كل ثلاثة يمنيين بحاجة إلى المساعدة الإنسانية. كما تشير بيانات أممية إلى أن 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و3.5 مليون شخص يعانون من سوء التغذية الحاد.
متابعات