نينوى العراقية.. 4.5 مليون شخص يتعرضون للتلوث الإشعاعي
لم تسعفها جرعات الكيماوي التي تلقتها على مدى عام ونصف العام، لتفارق الحياة محتضنة حقيبتها المدرسية، تاركة خلفها عائلة مفجوعة بفراق طفلتها “أنسام” صاحبة الثماني سنوات، لتكون واحدة من (2629) حالة وفاة بسبب السرطان الذي عصف بمحافظة نينوى العراقية، بعد تراكم مخلفات الحروب والنقص الكبير في المرافق الصحية في المحافظة.
“لم تكن الأولى في العائلة، فقبل أشهر عديدة فقدنا عمتها بعد إصابتها بسرطان في الرئة”، يقول المواطن ماجد حامد، والد أنسام، تدهورت حالة انسام يوماً بعد يوم، ولم يستطع ذووها تشخيص مرضها لعدم وجود جهاز البت سكان (PET SCAN) في الموصل، لذا تم تشخصيها في محافظة أربيل.
“نينوى”.. بداية الحكاية
تحتل محافظة نينوى ( 405 كم شمال بغداد) المركز الثاني بعدد السكان بعد العاصمة بغداد بواقع 4.5 مليون نسمة، يقطنها الغالبية من العرب “السنة”، الذين عانوا على مدى سنوات من التهميش والإهمال من قبل الحكومات المتعاقبة ما بعد النظام السابق عام 2003.
وأفضت المعارك العديدة التي مرت على المحافظة إلى تدمير القطاع الصحي بشكل كامل وشُلت الخدمات الصحية بعد أن دمرت 90% من المستشفيات من مجموع (18) مستشفى حكوميا كبيرا، من ضمنها مستشفى الأورام والطب النووي، و (3) مستشفيات أهلية، مع (7) مراكز تخصصية، و (181) قطاعاً للرعاية الصحية الأولية.
نينوى المنكوبة
أعلن وزير الصحة العراقي، صالح الحسناوي، عن تسجيل محافظة نينوى لأعلى نسبة بالإصابات السرطانية بين المحافظات العراقية، وليست محافظة البصرة كما يشاع”، دون أن يبين الوزير أسباب ارتفاع نسبة الإصابات في المحافظة والتي لم تكن سابقاً تسجل نسبا عالية للاصابات وكان جل تركيز الإعلام على محافظات البصرة والناصرية جنوب البلاد.
تصريح وزير الصحة العراقي أثار صدمة في الأوساط الشعبية والمختصين بالجانب الصحي على حد سواء، إذ “طالما يجري الحديث عن عدم تأثر محافظة نينوى بالعمليات العسكرية الأخيرة إبان تحريرها من داعش، فضلاً عن الصمت المطبق عن المواقع الملوثة في موقعي “عادية” و “الجزيرة”، مع وجود ملوثات جنوب الموصل متمثلة بحقول القيارة”، بحسب الأكاديمي والمختص بعلم “المايكروبايولجي”، نبراس المعماري.
يقول المعماري، لـ “إرم نيوز” إن “محافظة نينوى منيت بتلوث بيئي كبير بعد الحرب الأخيرة، ولا يمكن أن يكون الارتفاع بمعزل عن التلوث البيئي الذي أصاب المدينة بعد حرب عمليات القصف العنيفة التي تعرضت لها بالصواريخ والطائرات، وتم تسجيل حوادث عديدة منها مؤشرات قصف بعض المواقع في المدينة القديمة بواسطة الفسفور الأبيض”.
منظمة “الأمم” لحقوق الإنسان، وعلى لسان رئيسها سامي الفيصل كشفت في وقت سابق، عن تسجيل 100 حالة إصابة بالسرطان نتيجة للغازات المنبعثة من حقول القيارة النفطية جنوب الموصل، والتي يتم تشغيلها من قبل شركة النفط الوطنية الأنغولية.
احصائيات دقيقة
تمكنت “إرم نيوز”، من الوصول إلى سجلات “المجلس الأعلى للسرطان” في العراق عبر مصادر خاصة، والاطلاع على احصائيات الإصابات بالأمراض السرطانية في محافظة نينوى، إذ سجلت المحافظة (1377) حالة بمعدل 44.32 إصابة / 100.000 شخص، لكن تلك الإصابات ارتفعت بشكل كبير فيما تم مقارنتها بعدد الإصابات المسجلة عام 2022.
وتمثل إصابة الثدي النسبة العليا بين الإصابات بمعدل (19%) تليها إصابات القصبة الهوائية والرئة بنسبة (10.29%) ثم إصابات الدماغ والمثانة وسرطان الدم والقولون والمستقيم والجلد والمعدة والحنجرة، وتشكل تلك الإصابات العشر ما مجموعه (67%) من إصابات الأورام السرطانية.
مدير مستشفى الأورام والطب النووي التخصصي في محافظة نينوى الدكتور، عبد القادر سالم، كشف عن أعداد الإصابات في المحافظة، وقال سالم لـ “إرم نيوز”، إن “الدائرة سجلت (2629) إصابة خلال عام 2022، وهذه النسبة تقاس بمعيار نسبة الحدوث، إذ تسجل المحافظة 63.64 إصابة/ 100.000 شخص فيما اخذنا بالاعتبار أن نسبة نينوى بلغت نحو (4.5) مليون نسمة”.
وتحفظ سالم، عن الحديث عن أسباب ارتفاع الإصابات في محافظة نينوى واكتفى بالقول، “إننا نتعامل مع الحالات للعلاج، وهذه القضايا عائدة لمجلس السرطان الأعلى”.
المتحدث باسم الوزارة، سيف البدر، أعلن عن تسجيل ما يقارب (30.000) حالة بالأمراض السرطانية يتلقون العلاج في مستشفيات البلاد كافة، وأن المشكلة تكمن في عملية التشخيص المبكر لهذه الأمراض، لافتقاد الأفراد لثقافة الكشف المبكر خصوصاً فيما يتعلق بسرطان الثدي”.
المسكوت عنه
تتحفظ وزارة الصحة العراقية عن إحصائية الإصابة بالأمراض السرطانية، وتمنع الوزارة أي طبيب من التصريح للصحفيين والباحثين عن أعداد المصابين وأنواع الإصابات وأسبابها، خصوصاً فيما يتعلق بملوثات المخلفات الحربية والصناعية سيما الإصابات في مناطق الحقول النفطية، وتعمل الوزارة ودوائر الصحة في المحافظات بعيداً عن الشفافية فيما يخص الأمراض السرطانية.
يقول الصحفي، محمد الخزرجي، لـ “إرم نيوز” إني وبقية الصحفيين “نواجه صعوبات كبيرة في عملية الحصول على المعلومات الخاصة بالسرطان من مصادرها الرسمية المفتوحة، لذا دائما ما نلجأ إلى المصادر المغلقة الخاصة للحصول على المعلومات على شكل تسريبات”.
ويعزو، المحلل السياسي، عباس الهندي، سبب تحفظ وزارة الصحة والجهات المختصة على إحصائيات السرطانات إلى “خوف الحكومة من فضح تقصيرها فيما يخص هذا الملف، سواء على صعيد الخدمات الصحية المقدمة، أو المعالجات الفاشلة للملوثات الإشعاعية التي تنتشر في كل البلاد”.
مواقع ملوثة بالإشعاع