شكلت التغيرات المناخية والجفاف والحرائق قاسمًا مشتركًا بين منتجي الزيتون في المغرب العربي، الذين يواصلون عملية قطف الزيتون، وسط مساعٍ من حكومات المنطقة لرفع مساحات الأشجار المزروعة وزيادة الدعم الحكومي.
وتعكس إحصاءات المجلس الدولي للزيتون للموسم الماضي، دور صناعة زيت الزيتون في دول تونس والمغرب والجزائر، وبصورة أقل ليبيا وموريتانيا، فقد تصدرت تونس دول المنطقة العربية واحتلت المرتبة الثالثة عالميًّا في إنتاج الزيتون بأكثر من 261 مليون لتر، وجاء المغرب في المرتبة الثانية عربيًّا والخامسة عالميًّا بمحصول وصل إلى 217 مليون لتر، ثم الجزائر في المرتبة الرابعة عربيًّا بإنتاج قُدر بأكثر من 99.1 مليون لتر.
وما أهّل هذه الدول لنجاح غراسة الزيتون هو توفر شروط التربة التي تحتوي على نسبة كبيرة من كربونات الكالسيوم، إضافة إلى السقي المستمر من أجل محصول وفير، وغرس أصناف تنتج زيوتًا ذات جودة نوعية، مثل أشجار تدعى “كرونايكي” و”أربكينا” و”أربوصانا”؛ ما يؤهلها لحجز مكان في سوق التصدير إلى الخارج.
في تونس، التي تصل نسبة تصدير منتجها الزراعي إلى 50 في المئة من إجمالي الصادرات التونسية، توقعت وزارة الزراعة في البلاد إنتاج 210 آلاف طن من زيت الزيتون الموسم الجاري، بزيادة 11 في المئة عن الموسم السابق. ورغم هذه الوفرة فإن المرصد التونسي للاقتصاد حذر، في تقرير بعنوان “تصدير زيت الزيتون التونسي يغرق مصالح تونس” بداية ديسمبر/ كانون الأول الجاري، من زيادة حجم تصدير زيت الزيتون إلى الاتحاد الأوروبي سواء من خلال حاجة السوق الأوروبية أو بطلب من المصنعين التونسيين.
توقعات بإنتاج تونس 210 آلاف طن من زيت الزيتون، بزيادة 11% عن الموسم السابق
وزارة الزراعة التونسية
وتتعارض هذه الدعوة مع توجه اتحاد أرباب العمل الذي دعا مع بداية موسم جني الزيتون إلى تحرير تصدير الزيت نحو السوق الأوروبية وذلك من خلال مراجعة الحصة السنوية المخصصة لتونس.
وفسر المرصد رأيه بأن تصدير هذا المنتج الحيوي يُضعف مداخيل البلاد، ملاحظًا أن الصادرات التونسية تبقى رهينة الإنتاج الأوروبي وتهدف إلى تعويض التقلبات التي يسجلها، وهي لا تلبي حاجات التصدير لتونس، بحسب تقديره.
وفي المغرب، الذي انطلق فيه موسم قطف الزيتون قبل أيام، تتوقع وزارة الزراعة إنتاجًا مستقرًّا عند 1.07 مليون طن، وهي نفس حصيلة الموسم الماضي، مع أن الجفاف بفعل قلة التساقطات المطرية مثَّل أكبر عائق يواجه المزارعين للعام الثالث على التوالي.
وبحسب السلطات، يعدّ هذا الإنتاج منخفضًا بنسبة 44 في المئة عن إنتاج خريف 2021، الذي سجل أعلى مستوى على الإطلاق، حين بلغ 1.9 مليون طن. وقد تأثرت بشكل كبير أقاليم مراكش وآسفي بنسبة 42 في المئة، والشرق 17 في المئة، وبني ملال خنيفرة 10 في المئة.
ويعزو مختصون التراجع إلى تأثير الجفاف والإجهاد المائي المستمر في مختلف جهات الإنتاج بالإضافة إلى موجة الحرائق والحرارة.
وانعكس ارتفاع تكلفة الإنتاج على أسعار زيت الزيتون، إذ بلغ سعر اللتر الواحد في بعض المعاصر 90 درهماً (8.7 دولار)، ما دفع المهنيين إلى مطالبة الحكومة بمنع التصدير باستثناء بعض المنتجات، مثل: الزيتون المعلب. وقد استجابت وزارة الزراعة المغربية لطلب المهنيين، وقررت إخضاع تصدير الزيتون للترخيص، وهو إجراء سيظل ساريًا حتى الـ31 من ديسمبر/ كانون الأول 2024، علما أن قطاع زيت الزيتون يوفر أكثر من 50 مليون يوم عمل سنويًّا، أي ما يزيد عن 200 ألف فرصة عمل ثابتة.
معصرة زيتون في الجزائرأ ف ب
وفي الجزائر، حيث تتشابه الظروف المناخية، تشير الإحصائيات الرسمية إلى أنّ المساحة الإجمالية لغراسة الزيتون تفوق نصف مليون هكتار، أي ما يقارب 70 مليون شجرة. ويشكو المزارعون من مخاطر شح نزول الأمطار وضعف الدعم الحكومي وارتفاع تكاليف الإنتاج.
وردت وزارة الزراعة الجزائرية بأن الدعم التقني والمالي المُقدّم من طرف الدولة خلال السنوات الأخيرة شجّع المنتجين على توسيع مساحات الإنتاج في بضع مناطق من البلاد لتشمل أغلب الولايات وتتربع على مساحة إجمالية تقدر بنحو 440 ألف هكتار.
ويشغّل قطاع إنتاج زيت الزيتون ما يقارب 135 ألف شخص في الجزائر، أي ما يعادل 26 في المئة من المشتغلين بالقطاع في الأرياف.
وغير بعيد في ليبيا، التي تسيطر عليها الأراضي الصحراوية، يشهد إنتاج زيت الزيتون وفرة كبيرة حسب منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة؛ ما جعل البلاد تحتل المرتبة الحادية عشرة عالميًّا. ويصل عدد أشجار الزيتون إلى 8 ملايين شجرة، حيث تشتهر مدينة غريان بإنتاج أجود الأنواع، فيما ينطلق موسم القطف خلال فصلي الخريف والشتاء.
لكن أحد كبار المستثمرين اشتكى للحكومة الليبية قبل أيام حول مصير أكثر من 152 ألف شجرة زيتون قال إنها مهددة بالجفاف والتصحر نتيجة شح المياه وعمق الآبار الجوفية.
وفي المقابل تعد موريتانيا الحلقة الأضعف في المنطقة المغاربية، إذ أعلن البنك الأفريقي للتنمية أنه بدأ تنفيذ فكرة إدخال غرس شجرة الزيتون إلى موريتانيا، وأجرى دراسة بهذا الخصوص في عام 2019.
وأشار البنك إلى أنه تم بالفعل اقتراح مواقع محتملة مناسبة في مناطق من موريتانيا، لتنفيذ تجربة غرس الزيتون في البلاد. ويشير الخبير في مركز البحوث الفلاحية والحيوانية في موريتانيا، محمادو ولد سعيد، إلى العوامل المشتركة في دول المغرب العربي التي تشترك تقريبًا في مناخ واحد متوسطي وجاف، وهو الذي يؤثر على الزراعة وإنتاج الزيتون.
وقال محمادو إن التغيرات المناخية تعصف بهذه الدول، مثلما وقع من زلزال الحوز بالمغرب وفيضانات درنة المدمرة في ليبيا، مشيرًا إلى غياب الإمكانات التقنية التي تسهم في رفع العائد من إنتاج الزيتون.
متابعات