جمانة حداد: “اعترضوا قبل أن تنفّذوا”

نقول عن أحدهم: “هذا الإنسان صاحب مبدأ”، بينما قد تكون الحقيقة شيئاً آخر: إنه عنيدٌ مثلاً، لا يتراجع عن أخطائه، أو متحجّرٌ، لا يسائل نفسه ولا يجرؤ أن يعيد النظر في آرائه ومواقفه. 

غالباً، أيضاً، ما نخلط بين المبادئ و”الإرث”، أي ما نتسلمه من آبائنا وأسلافنا ونقبله “قشّة لفّة” ونستميت في الدفاع عنه: الأديان، الانتماءات السياسية، الطقوس، وحتى الذوق في الأكل والملبس. بينما السليم أن تكون المبادئ حصيلة تجربة وتفكير ونضج شخصية، خاصة جداً؛ وليست تركة. تالياً، ينبغي لها أن تكون طيّعة نقدياً، قابلة للتحوّل والتطور العقلي مع الوقت، من دون أن يعتبر ذلك عيباً.

منذ أدركت مرحلة الوعي، تحديداً في بلادٍ لا تشجع على الفكر النقدي بل تروّج للقبلية والقطيعية و”الثبات” الأعمى، وأنا أهجس بموضوع المبادئ، وبمسألة حرية الخيار. أعني تلك التي تجعلنا رجالاً ونساء راشدين بحق، قادرين على إدارة شؤون حياتنا بالطريقة التي نراها نحن مناسبة، لا بهدف إرضاء الآخرين.

كثيراً ما أتساءل ماذا كانت لتكون النتيجة، لو نشأ الواحد أو الواحدة منا خارج كل التكييفات القائمة: التأثيرات الاجتماعية، دينامية الجندر وأدواره المنمطة، الخط الديني، الولاء السياسي، توجيهات الأهل والمدرّسين والأقارب، التلفزيون، السوشال ميديا، الخ: هل يمكننا في هذا السياق أن نتحدث عن حرية خيار حقيقية؟ ولكن ما نفعها بما انها مستحيلة التحقيق؟

ما الحلّ؟ أنسلّم بأننا محكومون ومقيّدون لا محالة، قسراً أو طوعاً، بما نرثه ممن سبقنا، وأن مبادئ الغالبية مبرمجة سلفاً؟ أم نرفض الاستسلام القدري لفكرة كائناتٍ مرسومة، أو روبوتات، فندرّب أنفسنا، وندرّب الأجيال المقبلة خصوصاً، على الفكر النقدي والمساءلة؟

ألا تكمن الشجاعة الحقيقية في إجهار الخطأ بدلاً من الثبات عليه؟

تالياً، بدلاً من “نفّذوا ثم اعترضوا” الدارجة، أقترح أن نقول لأنفسنا: “اعترضوا قبل أن تنفذوا”، “فكّروا ثم اختاروا”.

ثم اختاروا ثانيةً، وثالثة، وعاشرة. هكذا وإلى ما لا نهاية

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى