هل فقدنا قدرتنا على الاستمتاع بالفراغ؟

بقلم/ شيماء المرزوقي

في لحظة هدوء، حين لا يوجد شيء محدد لفعله، تجد الكثير من الناس يسرعون إلى هواتفهم، أو يشغلون أنفسهم بأي نشاط عشوائي. وكأن الفراغ.. ولو لدقائق، أصبح شيئاً لا يحتمل، قد يكون في طابور الانتظار، أو في لحظة استراحة، أو حتى خلال الجلوس في المنزل دون جدول مزدحم. أصبح اللاشيء عبئاً، والهدوء خانقاً، أو شيئاً غير اعتيادي، بينما كان في أزمنة سابقة يعتبر نعمة..

هذا النفور من الفراغ له أسس نفسية واجتماعية. نحن نعيش في ثقافة تمجد الإنجاز والانشغال، وتربط القيمة الذاتية بالإنتاج المستمر، فأصبحنا، دون أن نشعر، نعتبر الراحة تقصيراً، والتأمل ترفاً غير اعتيادي، والفراغ علامة على الكسل. في المقابل، الشعور بالانشغال يمنحنا إحساساً زائفاً بالأهمية، حتى لو كان ذلك الانشغال بلا هدف..
دراسة مثيرة للاهتمام نُشرت عام 2014 في مجلة العلوم بعنوان: «فقط فكر: صعوبة البقاء مع العقل حين لا يشغله شيء»، هدفت إلى اختبار مدى راحة الأشخاص عند تركهم بمفردهم مع أفكارهم، دون أي مصادر ترفيهية. ووُجد أن كثيراً من المشاركين شعروا بعدم الراحة لدرجة أن بعضهم فضّل الحصول على صدمة كهربائية خفيفة، على الجلوس في هدوء دون فعل شيء لمدة 6 إلى 15 دقيقة.

النتائج تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الناس عند محاولة الانخراط في التفكير التأملي، دون مشتتات. هذه النتيجة الصادمة تعبر عن مدى صعوبة تقبل العقل البشري لفكرة الفراغ في عصرنا الحديث، وكأننا فقدنا مهارة الوجود مع أفكارنا ببساطة.

الفراغ لا يعني بالضرورة الفراغ العقلي، بل هو مساحة لإعادة الاتصال بالذات. في لحظات السكون، تبدأ الأفكار العميقة بالظهور، وتتجلى الإبداعات الصغيرة التي لا تخرج وسط الضجيج. كثير من الفنانين والكتّاب والباحثين، أشاروا إلى أن أفضل أفكارهم جاءت في لحظات بلا هدف، حين لم يكن هناك شيء يقوم بإلهائهم أو يشتتهم.
الفراغ، في جوهره، ليس وقتاً ضائعاً، بل وقت يفسح المجال للهدوء، للتفكير، للخيال، أو حتى للراحة الجسدية والنفسية التي لا غنى عنها.

في هذا العصر الذي يطالبنا بالركض المستمر، يصبح التوقف فعلاً عميقاً، والفراغ فرصة نادرة، لاكتشاف ما يدور في داخلنا، حين لا يشتتنا أي شيء في الخارج.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى