تجارة «التشويه»

بقلم/ نور المحمود

من يحدد معايير الجمال ومن يتعمد تغييرها من جيل إلى جيل، بل قل -في وقتنا هذا- من عام إلى عام ومن موسم إلى آخر؟ ومن قال إن معيار الجمال يجب أن يكون واحداً في عيون كل الناس في كل دول العالم؟ ألا تشعرون بأن هناك من يتاجر بأشكال البشر كي يحقق لنفسه مكاسب مادية وأرباحاً وثروات، ويغيب عن أذهاننا أن ما يتم الترويج له هو شكل من أشكال التمييز بين الناس يؤدي حتماً إلى تغذية روح التنمر من جهة، ودعم فكرة الحكم على الإنسان من مظهره الخارجي ودفع الأطفال والمراهقين للتعلق بالتفاهات وبالقشور والانشغال بمعايير غير جوهرية ولا أساسية في الحياة؟.

لا نتحدث عن موضة الأزياء والإكسسوارات، فهذه جزء من سوق البيزنس كي يبقى الإنسان متلهفاً لتبديل الملابس واللحاق بكل ما هو جديد، والأمر ينعكس على نفسيته وليس على هندامه ومظهره وأناقته فقط، فيشعر بالتجدد ولو بشكل بسيط؛ إنما الغريب هو اللهاث خلف موضة تغيير وجه الإنسان وبدنه بعمليات جراحية بلا أي دواع طبية، حتى الفيلر والبوتوكس يتحولان لدى البعض إلى إدمان فيكثرون منهما لدرجة إصابة الوجه بتشوهات واضحة ومؤذية!.

لم يعد هناك فرق بين كبار السن والمراهقين في عالم التجميل، فعلى بعض مواقع التواصل الاجتماعي تفاجأ بنصائح وإرشادات للمراهقات بل وللأطفال تدعوهم للبدء بالعناية بالبشرة منذ سن التاسعة! «براندات» أي ماركات معروفة تخصص كريمات ومستحضرات تجميل للأطفال، والإقبال عليها كبير في بعض الدول، وفي العيادات مراهقات يسرعن لحقن الوجه دون أي داع وقبل أن يعرف وجه الفتاة معنى التعب والخطوط والإرهاق.. وعمليات تغيير شكل الفك ورفع الخدود وشد البشرة تزداد انتشاراً بين الإناث والذكور على حد سواء بغض النظر عن العمر أو أي أسباب صحية لذلك؛ هو مجرد تعديل في الشكل ليكون المرء «in» أي على الموضة.

الأمر لا يتوقف عند تكسير عظام الفك والتعديل في الوجه والملامح، بل للجسد أيضاً «معايير» تستلزم جراحات لتكبير مناطق وتنحيف مناطق وإبراز مناطق.. وبعد أن كان المطلوب من كل الفتيات والنساء اتباع حمية ليكون القد نحيفاً مياساً، أصبح عليهن اتباع حمية غذائية لإخفاء البطن مع اللجوء لعملية لتكبير كل المناطق الأخرى، معايير غريبة تتطلب تخسيساً من جهة وبدانة ملحوظة من جهة أخرى.

ما هذه المعايير التي تجرف الناس بعيداً عن كل ما هو طبيعي، وكل ما هو نقي وبريء وفطري؟ الجمال الطبيعي في الوجوه النقية والابتسامة الطيبة والوجه المشرق أياً كانت تفاصيل الذقن والأنف والفم والعينين.. وجه مرسوم بقدرة الخالق كما أراد له أن يكون، قد يحتاج المرء إلى تحسينات طفيفة لبعض الاعوجاج أو التشوه، لكن تغيير الملامح كما نرى اليوم لدى كثير من الناس خصوصاً المشاهير، وبالكاد تميز فلانة من علانة، وبالكاد تتعرف الى الفنانة المعروفة، فهو أمر مقزز يخلو من كل معايير الجمال الحقيقية.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى