سلط موقع جيوبوليتيكال مونيتور الضوء على الصراع السوداني الدائر حاليا بين الجيش وقائده عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، معتبرا أنه لا يظهر أي علامات على نهاية قريبة، وسط تتضاءل أفاق السلام بالدولة الأفريقية.
وأوضح الموقع في تحليل نشره للأكاديمي محمد الدوح المتخصص في شؤون الدفاع والأمن، أن ثمة عوامل كامنة لا تزال تؤجج الصراع بين طرفي النزاع السوداني من شأنها أن تعرقل التوصل إلى أي سلام في المنظور القريب بالرغم من المبادرات التي يطرحها جهات إقليمية وعالمية مؤثرة بما في ذلك الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات وإسرائيل
وذكر أن من بين تلك العوامل الكامن هناك 4 عوامل رئيسية تدفع في وراء هذا الاعتقاد من بينها تكتيكات القتال المتناقضة لطرفي النزاع، وعدم اقتناع والثقة بين حميدتي والبرهان.
تكتيكات متناقضة
وأشار إلى أن قوات الدعم السريع هي قوة شبه عسكرية أو مليشيا من نوع ما، ولم تكن في الأصل جزءا من سلطة عسكرية منظمة وطنيا، وتتكون حاليا من قوات مدججة بالسلاح ومعظمها من الأسلحة الخفيفة، مما يجعلها تتحرك بسهولة ومرونة أكبر في جميع أنحاء السودان.
في المقابل، فإن القوات المسلحة السودانية هي الجيش الرسمي للسودان ولديها ترسانة ثقيلة أكبر وأكثر تطورا تتكون من القوات البرية والجوية، مما يجعلها أكثر تنوعا في ساحة المعركة ولكنها بطيئة في مواجهة تحركات قوات الدعم السريع السريعة وتكتيكات حرب العصابات.
وبالتالي، فإن تكتيكات القتال المتناقضة بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية تمثل تحديا لكلا الجانبين، وهذا يمثل أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل من المرجح أن يستمر القتال لفترة أطول مما كان يتصور في الأصل.
يتجلى أحد جوانب ديناميكية ساحة المعركة هذه في محاولات القوات الجوية السودانية لمواجهة التحركات السريعة لقوات الدعم السريع على الأرض بينما تحاول قوات الدعم السريع احتلال المناطق المدنية للضغط على القوات المسلحة السودانية لعدم الهجوم.
بشكل عام، أظهرت قوات الدعم السريع قدراتها العسكرية في النزاعات السابقة في دارفور، وكانت قسوة الجماعة مفتاح نجاحاتها.
ومع ذلك، على الرغم من قوتها العسكرية، تتكون قوات الدعم السريع بشكل أساسي من الميليشيات، مما يجعل عملياتها أقل تنظيما وتنسيقا من عمليات الجيش الوطني النظامي، مما يعطي ميزة إضافية للقوات المسلحة السودانية، التي لديها تقريبا نفس العدد من القوى العاملة المقاتلة مثل قوات الدعم السريع.
عدم اقتناع
العامل الثاني هو عدم اقتناع حميدتي بالبرهان كزعيم للسودان، إذ أفادت تقارير أن القائدين العسكريين عقدا اجتماعا سريا، في مزرعة بضواحي الخرطوم في 8 أبريل/نيسان، قبل أيام فقط من بدء المواجهة العسكرية بين الجانبين.
وفي الاجتماع، طلب حميدتي من البرهان إزالة الطائرات العسكرية المصرية من قاعدة مروي الجوية، بينما طالب البرهان بوقف تدفق قوات الدعم السريع إلى الخرطوم وكذلك انسحاب قوات الدعم السريع من مدينة الفاشر (بولاية شمال دارفور)، معقل قوات الدعم السريع.
تشير المطالب التي قدمها الجانبان إلى أن حميدتي كان يخطط للصراع قبل أسابيع.
كما تظهر التقارير أن حميدتي لم يكن مرتاحا لتقديم التقارير إلى البرهان، أو بعبارة أخرى، لم يعتبره القائم بأعمال زعيم السودان؛ مما يفسر سبب عدم سهولة الوصول إلى أي حل مقترح دوليا بين الجانبين.
علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن حميدتي طلب من البرهان مغادرة الطائرات العسكرية المصرية يظهر كيف ينظر إلى مصر كعدو لطموحاته في السيطرة على السودان.
نظرة سلبية متبادلة
ووفق الدوح فإن هذا الموقف السلبي تجاه مصر من جانب حميدتي، والذي كان واضحا أيضا في بيان تلفزيوني اتهم فيه القوات الجوية المصرية بقصف قوات الدعم السريع، سوف يزيد المخاوف المصرية بشأن التداعيات الجيوسياسية جال وقوع السودان تحت سيطرة قوات الدعم السريع.
وبأي حال من الأحوال، فلن تقبل مصر باستحواذ مليشيا لها تاريخ طويل من الانتهاكات على السلطة في السودان، الذي تعتبره دائما عاملا حاسما لعمقها الاستراتيجي.
ويظهر تاريخ الصراعات الإقليمية في الشرق الأوسط أن مصر كانت دائما تقف إلى جانب الجيوش المنظمة وطنيا وليس الميليشيات التي خرجت من الاضطرابات.
وفقا لذلك، من المستبعد جدا أن تقبل مصر أو “تبارك” قوات الدعم السريع كقوة مسيطرة على حدودها الجنوبية. بالإضافة إلى دعم القوات المسلحة السودانية، فإن التحركات الإضافية من قبل الحكومة المصرية تتوقف على اعتبارين.
الأول هو مصالح اللاعبين المتنوعين في المنطقة بما في ذلك السعودية والإمارات وروسيا والولايات المتحدة وإسرائيل.
والثاني هو المخاوف من احتمال وجود تأثير غير مباشر، وفي هذا الصدد، فإن آخر ما يحتاجه الشرق الأوسط هو تصعيد عسكري جديد يشمل أقوى جيش في العالم العربي.
عيوب فريدة
ويمكن أن يكون هناك طريقان رئيسيان لإنهاء الصراع في السودان، لكن كل منهما يحمل مجموعة من العيوب الفريدة.
الطريق الأول هو محاولة التوصل إلى اتفاق سلام بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، على النحو الذي اقترحته السعودية، بدعم من مصر والولايات المتحدة.
ومع ذلك، يمكن القول إن أي اتفاق سلام لن يتم التوصل إليه بسهولة لأن كلا طرفي الصراع يشعران بعدم ثقة عميقة ومتبادلة فيما يتعلق بالسيطرة المستقبلية على البلاد.
لذلك، فإن أي قرار يصور تقسيم السلطة بين الجانبين سيعمل على خلق المزيد من عدم الاستقرار في السودان لأن الأرضية الأساسية لأي سلام في السودان كانت في الأصل المصدر الرئيسي لوجهات النظر المتضاربة حول القضايا الاستراتيجية بين قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية، وشمل ذلك عملية تسليم السلطة إلى سلطة مدنية بالإضافة إلى دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة السودانية.
علاوة على ذلك، تشير التطورات في ساحة المعركة إلى أن كلا الجانبين لديهما الآن اعتقاد بأنه يمكن لكل منهما القضاء على الآخر بقوة السلاح وبالتالي السيطرة الكاملة، مما يجعل أي اتفاق سلام، إذا حدث أنه تم إبرامه، تكتيكا للتأخير قصير الأجل أكثر من أي شيء آخر.
أحد الجوانب الحاسمة في مثل هذا التأخير هو أنه سيسمح للجهات الأجنبية المؤثرة بالانحياز إلى جانب، والمشاركة بنشاط أكبر، وتقديم الدعم لأي من الجانبين، مما قد يجعل الصراع أسوأ بكثير.
أما الطريق الثاني لإنهاء الصراع فهو أن يحقق أحد الطرفين نصرا حاسما في ساحة المعركة.
فمن ناحية، إذا تمكنت القوات المسلحة السودانية من الفوز والسيطرة الكاملة، فمن المؤكد أن هذا سيكون مفيدا لاستقرار السودان على المدى الطويل، والمصالح الأمنية الاستراتيجية لمصر، وأجندة الولايات المتحدة لتعزيز الديمقراطية والحكم المدني بالنظر إلى أن الخطة الأصلية للقوات المسلحة السودانية كانت تسليم السيطرة للمدنيين إلى جانب تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
من ناحية أخرى، إذا فازت قوات الدعم السريع، فإن هذا سيخلق بلا شك المزيد من الاضطرابات والتوترات الإقليمية مع القاهرة.
على الرغم من أن المؤشرات تشير إلى أن القوات المسلحة السودانية هي شريك أكثر موثوقية بشكل عام للمجتمع الدولي فيما يتعلق باستعادة الاستقرار في السودان، إلا أن العوامل الخارجية والسياسية قد تؤثر على مستوى الدعم الذي قد تتلقاه القوات المسلحة السودانية.
على سبيل المثال، أبرمت القوات المسلحة السودانية اتفاقا مبدئيا مع روسيا للسماح لها بإنشاء قاعدة بحرية في السودان على البحر الأحمر – وهو تطور لا تشعر واشنطن بالرضا عنه بالتأكيد.
تنعكس الديناميكية القتالية المحتملة بين الولايات المتحدة وروسيا أيضا في الوجود المتزايد لمجموعة فاجنر الروسية في السودان ووصول العديد من سفن الدعم القتالي التابعة للبحرية الأمريكية للمساعدة في عمليات الإجلاء.
كما أن الاضطرابات الحالية في السودان تستقطب بعض العناصر غير المرغوب فيها، وهي المقاتلين الإرهابيين والمهربين.
يمكن للمتطرفين والجماعات الإرهابية الاستفادة بسهولة من عدم الاستقرار الحالي، مما يسمح لهم بتشكيل معسكرات تدريب وتحويل صحاري السودان إلى مركز للعمليات الإقليمية.
متابعات