ماكرون فاز.. لوبان لم تهزم

غالبية قوى اليسار الفرنسي، عملاً بقاعدة «أهون الشرين»، وقفت مع ماكرون لمنع فوز لوبان

ماكرون فاز.. لوبان لم تهزم

د. حسن مدن

صحيح أن الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون فاز بولاية أخرى في الانتخابات الرئاسية التي جرت جولتها الثانية قبل أيام، لكن من الصعب، أيضاً، القول إن منافسته مارين لوبان قد هزمت، فنسبة ال 58% من الأصوات التي حصدها ماكرون لا تجعل من فوزه ساحقاً على غريمته، ونسبة ال 42% من الأصوات التي حققتها لا تعدّ قليلة أبداً، ولولا أن غالبية قوى اليسار الفرنسي، عملاً بقاعدة «أهون الشرين»، وقفت مع ماكرون لمنع فوز لوبان، فلربما كانت قد انتقلت إلى الإليزيه بديلاً له، ولتوضيح ذلك علينا ملاحظة أن الفارق بين ماكرون ولوبان في الانتخابات السابقة، قبل 5 سنوات، بلغ عشرة ملايين صوت، فيما تقلّص العدد هذه المرة إلى النصف: 5 ملايين صوت، أي أن ماكرون تراجع فيما لوبان تقدمت.
لا يقف الأمر عند هذا فقط، وإنما في النسبة العالية لمن امتنعوا عن التصويت، بما في ذلك في الجولة الثانية باعتبارها المصيرية والحاسمة في تحديد الرئيس القادم، وهذا العزوف، ينم، على الأقل في جانب رئيسي منه، عن أن قطاعات غير قليلة من الرأي العام لم تعد آبهة بالأمر، ولم يعد يخيفها أو يقلقها أن يصل اليمين المتطرف إلى سدة الرئاسة، وإلا كانت استنفرت قواها لمنع ذلك، وسط شعور طاغ بأن أطروحات هذا اليمين باتت تكتسح المجتمع الفرنسي بشكل غير مسبوق.
فوز ماكرون بالرئاسة غير كافٍ لجعله مطمئناً إلى أن الأمور في ولايته الثانية ستكون كما يرغب، ذلك أن أمامه استحقاقاً انتخابياً وشيكاً، حيث الانتخابات التشريعية المنتظرة في يونيو/ حزيران المقبل، والتي ستقرر نتائجها ما إذا كان الرئيس سينعم بغالبية برلمانية تدعم سياساته، أو أن عليه التعايش مع المعارضة في البرلمان القادم، التي سيكون من حقها المشاركة في الحكومة، وساعتها لن تكون يده طليقة إلى الحد الذي يرغب فيه.
لا يقلل المراقبون من مغزى نجاح ماكرون بولاية ثانية، لكنهم يدركون أن فوزه ليس من صنعه وحده، وليس بالضرورة تعبيراً عن قبول سياساته، الداخلية منها على وجه الخصوص، لكنهم يطرحون السؤال المهم حول مستقبل الديمقراطية والسياسات الليبرالية عامة في فرنسا، كما هو الأمر في بلدان أوروبية أخرى، وكذلك في الولايات المتحدة الأمريكية، ويزداد هذا السؤال إلحاحاً أمام ما يشهده العالم من تطورات خطيرة فجّرتها الحرب في أوكرانيا التي وضعت العالم على محك لم يعهده على الأقل منذ الحرب العالمية الثانية، وليس بوسع أحد، لا من المحللين وحدهم وإنما حتى من راسمي القرار التنبؤ بما سيفضي إليه هذا التحدي، وما شكل العالم الذي سينشأ بعده.
الخليج

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى