تركيا: ماذا وراء قرار الحكم بالسجن على رئيس بلدية إسطنبول وهل أردوغان هو المستفيد؟

هل سيتدهور المشهد السياسي التركي بعد أن حكم القضاء الأربعاء على رئيس مدينة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو بالسجن سنتين وسبعة أشهر مع حظر من ممارسة الأنشطة السياسية بتهمة “إهانة مسؤولين”. وهل هذا الحكم هو عبارة عن مكيدة سياسية وضعها أردوغان لإزاحة أحد المنافسين الأبرز له في الانتخابات الرئاسية المقبلة؟ وهل سيدخل حقا إمام أوغلو السجن ويستفيد بالتالي من الدعم الشعبي الذي قد يوصله إلى سدة الحكم في المستقبل كما وقع ذلك لرجب طيب أردوغان الذي وظف عملية سجنه في 1997 سياسيا من أجل الفوز بالانتخابات؟.

خرج المئات من سكان مدينة إسطنبول التركية الخميس الماضي في مظاهرات متفرقة للتنديد بالحكم الذي أصدره القضاء التركي ضد أكرم إمام أوغلو، عمدة إسطنبول الذي ينظر إليه على أنه من بين أبرز المنافسين للرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية الحاسمة التي ستنظم في يونيو/حزيران 2023.

وكان القضاء التركي قد أصدر الأربعاء الماضي حكما بالسجن لمدة سنتين وسبعة أشهر في حق أكرم إمام أوغلو بتهمة “إهانة مسؤولين رسميين”.

عمدة إسطنبول اتهم بأنه وصف أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات في تركيا بـ “الحمقى” بعد أن صوتوا لإلغاء فوزه بأغلبية بسيطة في الانتخابات المحلية التي جرت في مارس/آذار 2019 أمام منافسه بن علي يلدريم من حزب العدالة والتنمية.

لكن بعض المتتبعين للسياسة التركية يرون أن القرار الأهم الذي يتضمنه هذا الحكم القضائي، هو إمكانية حظر أكرم إمام  أوغلو من ممارسة أي نشاط سياسي مستقبلا، وذلك في حال أكدت محكمة الاستئناف العقوبة المسلطة ضده.

وشرح ليدوفيك دو فوكو، مراسل فرانس24 في تركيا أن الأسباب التي أدت إلى ملاحقة عمدة إسطنبول قضائيا تتعلق بشكل كبير بالهزيمة التي مني بها حزب العدالة والتنمية خلال الانتخابات المحلية التي جرت في 2019، والتي فقد على إثرها العاصمة الاقتصادية لتركيا.

وقال: “أردوغان لم يهضم بعد الهزيمة التي لحقت به خلال الانتخابات المحلية. لقد شارك شخصيا في الحملة الانتخابية ورمى بكل وزنه وثقله السياسيين من أجل فوز مرشح حزب التنمية والعدالة، لكن دون جدوى”.

وأضاف: “بعد الإعلان عن النتائج، أردوغان لم يتقبلها بحجة أن فارق الأصوات بين المرشح الفائز (وهو أكرم إمام أوغلو) والذي حل في المرتبة الثانية (بن علي يلدريم، مرشح حزب لتنمية والعدالة الحاكم) لم يتجاوز 13000 صوتا. فطالب بإعادة انتخابات جديدة.

لكن رغم ذلك حزبه مني بهزيمة أخرى وأكبر من الأولى، إذ فقد أكثر من 800 ألف صوت. فمنذ ذلك الحين، لم تكف الصحافة الحكومية وتلك الموالية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية بمهاجمته بقساوة”.

يعتبر أكرم إمام أوغلو من بين النجوم السياسية الصاعدة في تركيا. ينحدر من مدينة طرابزون قرب البحر الأسود شمال البلاد. تمكن من انتزاع في 2019 مدينة إسطنبول، التي تعتبر الشريان الاقتصادي لتركيا من الإسلامين الذين استولوا عليها منذ 1994. ينحدر من أسرة محافظة ومتدينة، لكنه أصبح أكثر تحرراً وتبنيا للقيم الديمقراطية الاجتماعية، ما جعله يحصل على دعم سياسي من قبل عواصم غربية عديدة، بما فيها واشنطن التي استنكرت الحكم بالسجن الذي صدر ضده الأربعاء الماضي.

نظام حكم يرتكز على الشفافية والتشارك

تنامت شعبيته بعد فوزه ببلدية إسطنبول حيث غير بشكل كامل طريقة الحكم فيها، معتمدا أساسا على مبدأ الشفافية في تسيير المشاريع الاقتصادية والاجتماعية وفي صرف ضرائب سكان المدينة. عكس الرئيس السابق الذي كان غامضا في سياساته وفي خططه التنموية للمدينة.

فعلى سبيل المثال يضيف لودفيك دو فوكو “أكرم أوغلو يبث على المباشر جميع الاجتماعات التي تنظم في البلدية لكي يتمكن كل شخص من معرفة طبيعة المشاريع التي تطلقها البلدية والميزانية المخصصة لكل مشروع”.

 وتابع: “لقد قام بعمليات تدقيق في حسابات البلدية خلال عهدة الرئيس السابق، تم الكشف من خلالها عن أخطاء كثيرة في التسيير. كما قرر أيضا تجديد مسارات التراموي وبناء أخرى جديدة لتحسين عملية تنقل سكان إسطنبول. كل هذه العمليات جعلته محبوبا من الناس “.

وبالرغم من أن عمدة إسطنبول لم يعلن بعد عن ترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أن جميع استطلاعات الرأي تشير إلى أنه الشخصية السياسية التركية القادرة على زعزعة حكم أردوغان وإزاحته من السلطة.

إمام أوغلو السجن الذي قد يحوله إلى “أيقونة” سياسية جديدة؟

انطلقت شرارة العداوة السياسية بين إمام أكرم أوغلو وحزب التنمية والعدالة بعدما وصفه وزير الداخلية التركي المقرب من أردوغان بالرجل “الأحمق”. فيما رد أوغلو دفاعا عن نفسه بالقول: “وزير الداخلية هو “الأحمق”. لكن المدعي العام اعتبر أن الشتم كان يستهدف في الحقيقة أعضاء اللجنة الانتخابية، مقررا بذلك متابعته قضائيا لهذا السبب بالرغم من أن أعضاء هذه اللجنة لم يرفعوا أية دعوى قضائية ضد رئيس بلدية إسطنبول.

ويرى لودفيك دو فوكو أن كل هذه القصة هي عبارة عن “تصفية حسابات” بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الشعب الجمهوري المعارض الذي ينتمي إليه إمام أكرم اوغلو وأحزاب ليبرالية أخرى التي تخطط لإسقاط أردوغان في الانتخابات الرئاسية التي ستجري في منتصف علم 2023.

ورغم سيف داموقليس المسلط على رأس رئيس بلدية إسطنبول، استغل هذا الأخير الحكم القضائي الصادر ضده لتعزيز شعبيته بين سكان هذه المدينة وتقوية رصيده السياسي. “فكلما ازدادت الضغوطات القضائية عليه كلما ازدادت شعبية في قلوب سكان إسطنبول” حسب مراسل فرانس24 في تركيا الذي أشار إلى كيفية استغلال رجب طيب أردوغان وقتها قضية دخوله إلى السجن في1997 حين كان رئيسا لبلدية إسطنبول.

فعندما خرج من المعتقل، تحول إلى أيقونة سياسية وحصد على دعم غالبية الأتراك الذين صوتوا عليه لكي يصبح رئيسا للبلاد للمرة الأولى في 2014. فهل سيعيد التاريخ نفسه مرة أخرى لكن مع أكرم إمام أوغلو؟.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى