الشاعرة الكويتية سعدية مفرح: أهم أسرار القصيدة تاريخيا أنها بلا وظيفة محددة

سعدية مفرح شاعرة وصحافية وناقدة كويتية، عملت في الصحافة لأكثر من ثلاثين عاماً، وأصدرت حتى الآن خمسة وعشرين كتاباً، تتنوع ما بين الشعر والنقد والأنثولوجيا. وترجمت الكثير من قصائدها وأعمالها إلى عدد من اللغات الأجنبية. وتعمل حالياً مستشارة ثقافية وإعلامية للعديد من الوسائل الإعلامية، إضافة لكونها عضواً في لجنة تحكيم جائزة البوكر للرواية العربية.

اختارتها جريدة «الغارديان» البريطانية ممثلة للكويت في خريطة الشعر العالمي، وكذلك اختارتها حركة شعراء العالم سفيرة للشعر الكويتي.
عن الشعر وعوالمه، وعن واقع الصحافة الثقافية في العالم العربي في وقتنا الحالي، وعن أسباب فشل التطبيع الثقافي مع إسرائيل، جاء هذا الحوار معها.

□ ماذا يعني الشِعر لسعدية مفرح؟ ومتى بدأت علاقتك به؟ وما دور الأسرة والبيئة الاجتماعية في صقل وتوجيه ميولك الأدبية والشِعرية خاصة؟
■ الشعر هو الخلاص، وهو الملاذ الجمالي الذي يوجز تاريخ العالم الجمالي. لست معنية بالبحث عن وظيفة محددة للشعر، وأعتقد أن هذا أحد أهم أسرار القصيدة تاريخيا، أنها بلا وظيفة محددة، لكنها مع هذا ضرورية لبقاء الكائن البشري على قيد الحياة. ولا أتذكرني بمعزل عن القصيدة. أظن أنني ولدت في بيئة من الشعر الخاص. جدتي كانت شاعرة وكانت تحتفي بسير الشاعرات البدويات، وتحاول أن تنقل تلك السير إلى مخيلتي عبر الحكايات الليلية. ما زلت أتذكر تلك الحكايا المفعمة بالجمال من بين صلاة وصلاة، وما زال صوت جدتي وهي تترنم بتلك القصائد الحانية يرن في أذني، حتى بعد مرور أكثر من أربعة عقود من الزمن. وطبعا لا أتذكر متى كتبت قصيدتي الأولى، فالبدايات كانت دائما تهويمات تغوص في الذاكرة، لكنني على الأقل أتذكر أول قصيدة نشرتها، وكنت في الجامعة. نشرها أستاذي في مجلة «البيان» الصادرة عن رابطة الأدباء في الكويت. ومن يومها وأنا أعيش مرحلة شك عظيم بأحقيتي في لقب شاعرة، ذلك أنني أمارس حياتي في ظلال القصيدة بغض النظر عن كتابتي لها دائما!

□ كيف ترين مستقبل الشِعر في زمن تنوع الأجناس الأدبية، خاصةً بعد تصاعد نجم الرواية في العالم العربي؟
■ السؤال عن مستقبل الشعر سؤال عدمي، لأنني متأكدة ألَّا مستقبل بلا شعر! فالشعر ضرورة إنسانية تتعدى الاضطرار الجمالي أصلا. ومن الجيد أن نتيقن من ذلك على هامش تصاعد نجم الرواية في الوطن العربي. لا فن إبداعي قادر على إلغاء فن آخر، بل إن كل فن من هذه الفنون يعضد من الفن الآخر. من الجميل جدا أن تتكئ الرواية على اللغة الشعرية ويستفيد الشعر من حركة الرواية عموما، وينبغي أساسا أن لا نمعن النظر إلى الفروقات بين الأجناس الأدبية أو الإبداعية. الشعر بخير والرواية كذلك، وأنا أنظر لحركة الرواية الدؤوب على صعيد التأليف والنشر، في ظل تكاسل الشعراء عن الإصدارات أو ابتعاد بعض الأسماء الشعرية عن النشاط بشكل إيجابي. فلن يبقى في النهاية من النشاط الشعري العام سوى ما هو حقيقي وقادر على البقاء بالضرورة.

□ في ديوانك «تواضعت أحلامي كثيراً» تستوقفك دقائق التفاصيل للتماهي معها، ثم تنطلقين نحو عالمك الخاص.. ما ردك؟
■ لا رد.. لا أجيد الكلام عما أكتبه، والقصيدة تعبر عني أفضل مني دائما. في تلك القصيدة الأثيرة إلى نفسي التي حملت المجموعة الشعرية اسمها كعنوان، حاولت أن أعرف عن نفسي من خلال الشعر لا غير. لا أدري إن كنت قد نجحت باستعراضي لتلك التفاصيل الصغيرة في شخصيتي عموما أم لا، لكنني على الأقل حاولت!

□ في ديوانك «تغيب فأسرج خيل ظنوني» كان عالمك الشعري فيه قائماً على تراصف المتناقضات لغة ومضموناً. يا ترى كيف يمكن للشاعر اقتناص المتناقضات في الوجود؟ وكيف يرسمها بالصور الشعرية كلوحة فسيفسائية يكمن جمالها في وجود التضاد؟
■ دائما كنت أنحاز للعبة التضاد ليس في الشعر والكتابة، حسب، لكن في الحياة كلها. وليس باعتبار أن «الضد يظهر حسنه الضد» وفقا للمقولة الشعرية الشائعة حسب، لكن أيضا لأن لعبة الأضداد قادرة على أن تمضي بنا إلى التجاوز بسرعة وشجاعة وجرأة. تجاوز ما نؤمن به وما نحن فيه وما هو مفروض علينا أيضا.

□ ما تأثيرات الاجتياح العراقي للكويت على شخصيتك كشاعرة وكاتبة ملتزمة؟
■ تأثير مؤذٍ وكبير جدا، حاولت التعبير عنه في كتابي الثالث «كتاب الآثام» وسميت الغزو العراقي للكويت إثما للبوصلة. كان الغزو جرحا مفاجئا وعميقا جدا، وما زال مفتوحا حتى اللحظة. من الصعب أن يندمل الجرح الذي طعن الروح ومعنى الأخوة والجيرة، وحاول نسف كل ما نؤمن به من معان للالتزام القومي.

□ كتبتِ العديد من المقالات والدراسات عن الشاعر السعودي غازي القصيبي، يا ترى ما سر إعجابك بهذه الشخصية؟ وما هو الفراغ الذي تركه القصيبي برحيله على الساحتين الخليجية والعربية؟
■ كان القصيبي أخاً كبيرا لم يناقض نفسه ولم يتعال على أحد. استثمر كل وقته في الكتابة والعمل، ومساعدة كل من يستطيع مساعدته. والقصيبي كتب عني قبل أن أكتب عنه، وبشّر بي كشاعرة قبل أن يعرفني شخصيا، أو أن يراني. واستمرت علاقتنا حتى رحيله.

□ لماذا يحاول بعض الأدباء العرب خلق هالة لأنفسهم من (نوع خاص) بغية حجب النقد عنهم.. وأقصد هنا ردودك على أدونيس وما أُثير من جدل حولها في حينها؟
■ هذا النوع من الهالات ذاتية الصنع لا تعبر إلَّا عن عقد نقص متأصلة ذاتيا أيضا. ردودي على أدونيس كانت على الصعيد الفكري والمبدئي، ولم تقترب من الصعيد الشعري، فأنا ما زلت معجبة بتجربة أدونيس الشعرية وتحولاتها على مدى المراحل التي مرت بها هذه التجربة، لكنني انزعجت كثيرا وأنا أكتشف تناقضاته الفكرية في ما يتعلق بمبادئ الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، خصوصا إبان ثورات الربيع العربي وما تلاها من أحداث وتداعيات. وقد واجهت أدونيس بانزعاجي هذا عبر تساؤلات وجهتها له مباشرة ووجها لوجه، في أحد الملتقيات الثقافية. كان قد أثار استغرابي واستنكاري مثلا، موقفه من الثورة السورية بحجة أنها انطلقت من جامع كما صرح، وهو الذي انحاز للثورة الإيرانية في السبعينيات وكتب فيها القصائد الثورية، ومدح قائدها في قصيدة شهيرة، رغم أننا نعرف أن هذه الثورة كانت قد انطلقت من حوزة دينية، ومن منطلقات دينية متشددة أيضا، وقائدها ينظر إليه على أنه رجل دين بامتياز! تناقضات أخرى حفل بها سجل أدونيس الفكري كانت هي السبب في انتقادي المباشر له.

□ وهل هناك من «محرمات» على النقد؟
■ بالتأكيد لا. النقد حالة صحية ينبغي أن تمارس دائما، وهي حق من حقوق الإنسان وشرط من شروط تحققه الفكري.

□ لكن البعض يرى أن أدونيس محق في الكثير من النقاط التي طرحها حيال رؤيته للديمقراطية، وواقع العرب والمسلمين عامة، وما أفرزته الثورة السورية خاصة، ماذا تردين؟
■ لا أدري من أي منطلق انطلق هذا «البعض» إلا إذا كان يقف الى جانب الفريق المناهض لحقوق الإنسان في الحرية والديمقراطية. ولسنا بصدد تقويم الثورة السورية الآن، خصوصا في ظل معطيات كثير أحاطت بتلك الثورة ونجحت أحيانا في سلبها من أهلها بحجج مختلفة، وبمساعدة قوى عالمية كثيرة تصارع على الأرض السورية وحولها.

□ ما رأيك بواقع الصحافة الثقافية في العالم العربي؟ وما هي أسباب انحسارها لصالح الصحافة الإخبارية؟ وما علاقة وسائل التواصل الاجتماعي في ذلك؟
■ من الطبيعي أن تحسر الصحافة الثقافية وتقل مساحاتها لصالح الصحافة الإخبارية في ظل تنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي من جهة، وقدرة كل فرد على أن يصنع إعلامه الخاص بنفسه، فالجميع أصبح قادرا على التعبير عن أفكاره وآرائه الثقافية، وغير الثقافية في المنصات التواصلية التي يملكها، كما أنه أصبح قادرا على نشر ما يشاء من مواد ثقافية وإبداعية في تلك المنصات. لكن هذا لا يعني أن تلك المنصات غير قادرة على صنع صحافتها الثقافية المميزة بدورها، وهناك تجارب جميلة على هذا الصعيد استغلت معطيات التكنولوجيا الجديدة في نشر الثقافة بوسائل مناسبة للعصر، وبأدوات باتت في أيدي الجميع.

□ مؤخراً عُينتِ في الأمانة العامة لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والتواصل (تواصل) عن منطقة الخليج العربي؟ ماذا يعني لك هذا المنتدى؟ وهل ترين أن الأعلام العربي مقصر بدعم القضية الفلسطينية؟
■ سعيدة جدا بوجودي في الأمانة العامة لمنتدى فلسطين الدولي للإعلام والتواصل، وأعتبرها نافذة جديدة لي أحاول من خلالها المساهمة في خدمة قضيتنا الأولى وهي قضية تحرير فلسطين عبر التوعية بهذه القضية بكل ما أوتينا من قوة ومن وسائل وقدرات. والمنتدى ولله الحمد استطاع خلال سنوات قليلة أن يقدم الكثير لصالح هذه القضية، خصوصا في ظل تقصير كثير من وسائل الإعلام العربية على هذا الصعيد. ودور هذا المنتدى وغيره من مظلات العمل المدني يتضاعف في وقت تهب فيه رياح التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني للأسف.

□ وما سبب هذا التقصير؟ وهل هو عن سبق إصرار وتعمد نتيجة سياسات بعض الأطراف الدولية والمحلية؟ أم نتيجة انشغال الإعلام العربي بقضايا محلية باتت تفرض نفسها بقوة بعد مرحلة الربيع العربي خاصة؟
■ بعضه فعلا مقصود ومتعمد بهدف تغييب القضية عن عيون الأجيال الجديدة ومحاولة محوها من الوجدان العربي، تنفيذا لخطط بعض الأنظمة، لكن هذا قليل، قياسا إلى الإهمال غير المقصود والعائد إلى انشغال الإعلام بقضايا محلية ملحة، بالإضافة إلى قلة في الوعي بأهمية إحياء القضية الفلسطينية في وجدان الأجيال الجديدة والشابة.

□ من وجهة نظرك، ما هي أسباب فشل سياسة التطبيع الثقافي مع إسرائيل؟ وهل لعبت النخب الثقافية العربية دوراً في ذلك؟ أم أن هذا نتاج طبيعي لرفض المجتمع العربي لأي علاقة مع إسرائيل مهما كان مستواها؟ أم ماذا؟
■ التطبيع مع الكيان الصهيوني فشل في السابق وسيفشل دائما، لأنه لا يعتمد على رغبة الأنظمة السياسية المطبعة بقدر ما يعتمد على رغبة الشعوب العربية في كل مكان. وبلا استثناء فالشعوب ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وقد أثبتت بالتجربة منذ اتفاقيات الصلح بين الكيان ومصر وأيضا الكيان والأردن أنها بقيت اتفاقيات محصورة في الجانب الرسمي فقط، فقد رفضتها الشعوب لأنها مؤمنة بالحق الفلسطيني وأن الكيان الصهيوني إلى زوال طال الزمان أم قصر.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى