يوثق هذا التحقيق لمحنة 159 طالباً وطالبة في برنامجي الماجستير والدكتوراه في كلية الحقوق بجامعة تعز، بينهم رؤساء محاكم وضباط شرطة ومحامون وجدوا أنفسهم بعد سنة من الدراسة غير معترف بهم من قبل إدارة الجامعة بسبب خروقات قانونية وأكاديمية ارتكبتها كلية الحقوق.
بعد أن أنهى مقررات سنة أولى تمهيدي ضمن متطلبات نيل درجة الماجستير في كلية الحقوق بجامعة تعز، صُدم الطالب ماجد أحمد غالب، بقرار أصدرته، في 18 يوليو الماضي، نيابة الدراسات العليا والبحث العلمي في الجامعة، يفيد بأن برنامج الماجستير والدكتوراه في كلية الحقوق للعام الجامعي 2020/2021، مخالف، وأن نيابة الدراسات العليا غير مسؤولة عن مخرجاته.
عند التحاقه ببرنامج الماجستير دفع غالب لجامعة تعز 300 ألف ريال كجزء من رسوم التسجيل، على أن يدفع ما تبقي من الرسوم، وقدره 400 ألف ريال، عند مناقشة الرسالة، فيما تبلغ رسوم طالب الدكتوراه مليون ريال، يدفع منها 500 ألف ريال مقدماً، والباقي عند مناقشة الرسالة. وخلال العام الجامعي الحالي، رفعت الجامعة رسوم الماجستير في الكليات النظرية، ومنها الحقوق، إلى 900 ألف ريال.
التشدد في تحصيل الرسوم لا يقابله تشدد في الرقابة وإنفاذ القوانين داخل جهاز الجامعة وكلياتها. بدلاً من أن تقدم كلية الحقوق في جامعة تعز نموذجاً يحتذى في التزام القواعد، وتعزيز ثقافة سيادة القانون، ارتكبت الكلية “مخالفـة قانونية وأكاديمية وإدارية” باستحداثها برامج دراسية مختلفة عن تلك البرامج التي تم اعتمادها في المجالس العلمية المختصة، حسب وثائق حصل عليها معد التحقيق.
ونتيجة لتلك المخالفات، باتت محصلة غالب الدراسية و158 طالباً وطالبة من منتسبي برنامج الماجستير والدكتوراه، غير معترف بها من قبل إدارة الجامعة، ما يضع جهود هؤلاء الطلاب في مهب الريح، ويقدمهم قرابين لاختلالات مزمنة تشهدها جامعة تعز، ومزاجية تسود الوسط الأكاديمي، وفق ما يوثق هذا التحقيق.
قدوة مفقودة
يعود تأسيس جامعة تعز إلى العام 1993، وفي عام 1997 افتتحت الجامعة كلية الحقوق بهدف “إعداد كوادر عالية التأهيل”. وبالرغم من مضي أكثر من 20 عاماً على افتتاح الكلية المذكورة، إلا أن كفاءة هيئتها التدريسية مازالت تفتقر لمعايير الجودة والاعتماد الأكاديمي.
يومي 16 و17 فبراير 2019، كما هو متبع في مختلف الكليات والجامعات اليمنية، نظمت كلية الحقوق، بالتنسيق مع دائرة التطوير الأكاديمي وضمان الجودة في الجامعة، ورشة عمل خاصة بتطوير البرامج الأكاديمية لمرحلة الدراسات العليا في كلية الحقوق بجامعة تعز.
في تلك الورشة، التي عقدت في قاعة مكتبة كلية الحقوق، تم إقرار وثيقة توصيف برنامجي الدكتوراه والماجستير لكلية الحقوق. بمعدل 20 مقرراً للماجستير (10 قسم قانون خاص و10 قسم قانون عام)، و20 للدكتوراه (10 قسم قانون خاص و10 قسم قانون عام)، إلا أن الكلية نفذت خطة بديلة اقتصرت على 22 مقرراً فقط، بمعدل 11 مقرراً للماجستير بقسميه، و11 مقرراً للدكتوراه بقسميها، بالمخالفة للمادة رقم 11 من نظام الدراسات العليا في الجامعات اليمنية.
يشترط “نظام الدراسات العليا في الجامعات اليمنية”، الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 40 لسنة 2008، لتنفيذ خطة برنامج ماجستير أو دكتوراه، موافقة مجلس الكلية ومجلس الدراسات العليا والبحث العلمي ومجلس الجامعة؛ إلا أن كلية الحقوق المفترض أن تكون مرجعاً في القوانين، ضربت بالخطة المعتمدة عرض الحائط، ونفذت خطة بديلة.
يقر عميد كلية الحقوق الدكتور محمد عبدالعزيز، ونائبته للدراسات العليا الدكتورة عائدة الشامي، باستحداث خطة بديلة.
“عملنا على دراسة وتوصيف وتطوير مفاده انتقال لتعدد مصادر المعرفة، حيث والبرنامج من مختلف المدارس القانونية الأنجلوساكسونية، والبرنامج ينافس دول الإقليم،” يقول عبدالعزيز لـ”يمن سايت”.
من جهتها، قالت الشامي لـ”يمن سايت”: “ما تم من دمج للمقررات كان بموجب تقليص عدد الساعات وفقاً للائحة الجديدة للدراسات العليا الصادرة عن جامعة تعز، وتم الرفع بذلك من الأقسام، واعتمدت في مجلس الكلية بانتظار الاعتماد من المجالس الأعلى”. إلا أن الشامي لم تقدم إيضاحات، خصوصاً وأن أية لائحة يفترض ألا تتعارض مع النظام الأساسي للتعليم العالي وتحصل على موافقة قبل تنفيذها.
إصرار على الخرق
بصرف النظر عن حقيقة أو زيف جودة محتوى البرنامج الذي استحدثته الكلية من طرف واحد، يبقى المؤكد أن ما أقدمت عليه الكلية مخالف للإجراءات القانونية التي تشترط الحصول على موافقة مسبقة من المجالس العلمية المختصة، كما يتعارض مع المادة 11 من نظام الدراسات العليا في الجامعات اليمنية، التي تنص على أن الحد الأدنى لمدة الماجستير “30 ساعة معتمدة”، ومثلها (30 ساعة معتمدة) للدكتوراه. وهو ما أكدته لجنة تحقيق شكلتها نيابة الدراسات العليا.
لكن ما حصل هو أن الكلية خفضت عدد المقررات والساعات التدريسية في برنامج الدكتوراه من 10 مقررات بإجمالي 30 ساعة إلى 4 مقررات بإجمالي 12 ساعة فقط. وفي تمهيدي ماجستير خفضت الكلية البرنامج من 10 مقررات بإجمالي 30 ساعة إلى 7 مقررات بإجمالي 21 ساعة.
وعلاوة على تقليص المقررات من إجمالي 40 مقرراً لبرنامجي الدكتوراه والماجستير إلى 22 مقرراً، عمدت كلية الحقوق أيضاً إلى استحداث مقررات من خارج الخطة، وفق ما جاء في تقرير لجنة تحقيق مكونة من 4 أساتذة برئاسة الدكتور عبدالرقيب السماوي، رئيس دائرة التطوير الأكاديمي وضمان الجودة في الجامعة.
وعلى الرغم من بروز هذه المخالفات، إلا أن هيئة التدريس في كلية الحقوق، المفترض أن تكون قدوة لطلابها وللمجتمع، لزمت الصمت.
عندما وصلت لجنة التحقيق إلى كلية الحقوق، في مايو الماضي، كان مدرس مادة “دراسات متقدمة في فكر القانون المعاصر (قضايا معاصرة)”، وهو واحد من المقررات المخالفة، قد أنجز 75% من إجمالي المقرر البالغ 12 محاضرة، حسب اللجنة.
وحتى بعد أن صارت مخالفات كلية الحقوق منظورة أمام المستويات العليا في الجامعة، فإن عميد كلية الحقوق، الدكتور محمد عبدالعزيز، أظهر لامبالاة إزاء محنة طلابه، وبدا كمن يحاول تضليل معد هذا التحقيق، ففي رده المقتضب على أسئلتنا قال عبدالعزيز: “ما صدر عن اللجنة تقرير أحادي لم أطلع عليه، ولم أقابل اللجنة؛ وتقريرها (اللجنة) يمثلها فقط”.
ما قاله عبدالعزيز يتعارض مع الوقائع، فلجنة التحقيق، تذكر في تقريرها أن رئيسها قابل عميد الكلية، كما سبق لقسم القانون الخاص أن خاطب، في مايو الماضي، عميد كلية الحقوق، بشأن مقرر مخالف.
وفي 7 أغسطس الماضي، طلب نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا، من عميد كلية الحقوق، إيقاف اختبارات الفصل الدراسي الأول للدفعة الجديدة 2021/2022، ووقف تسجيل الرسائل العلمية لدفعة 2020/2021.
وفي 24 أغسطس الماضي، وجه رئيس جامعة تعز الدكتور محمد الشعيبي، مذكرة إلى عميد كلية الحقوق محمد عبدالعزيز، طالبه فيها “بضرورة الالتزام التام والحرفي في تنفيذ برامج الدراسات العليا وفقاً للخطط الدراسية المعتمدة عبر المجالس العلمية والمقرة من مجلس الجامعة”.
انتهاك الأخلاقيات
تُعد قيم الصدق، الأمانة، الشفافية والنزاهة، من القيم الأساسية للسلوك المهني وأخلاقيات الوظيفة العامة، وتزداد أهميتها داخل الحرم الأكاديمي؛ إلا أن مدرسين في جامعة تعز انتهكوا القواعد الأخلاقية للعمل الأكاديمي، وفق ما يؤشر هذا التحقيق.
حال وصولك إلى فناء مبنى كلية الحقوق الواقع في حي “حبيل سلمان”، تواجهك لوحة منصوبة أعلى البوابة الرئيسة للكلية، تشير إلى إطلاق الكلية سلسلة دراسات وورش وندوات علمية لإصلاح وتطوير نظام العدالة في اليمن.
في 19 سبتمبر 2021، نظمت الكلية “الورشة العلمية الخاصة بتشخيص الإشكاليات والصعوبات التي تواجه أجهزة العدالة باليمن”.
لكن المفارقة أن كلية الحقوق نفسها كانت حينها ولاتزال حتى تاريخ إعداد هذا التقرير للنشر، تعاني اختلالات قانونية وأكاديمية مزمنة.
تشترط المادة 36 من نظام الدراسات العليا في الجامعات اليمنية، على من يتولى مهام التدريس في برنامج الدكتوراه، أن يكون بدرجة أستاذ أو أستاذ مشارك من حملة الدكتوراه، إلا أن كلية الحقوق في جامعة تعز سمحت لأساتذة مساعدين بتدريب طلبة الدكتوراه، حسبما أكدت لجنة التحقيق.
لم تذكر اللجنة أسماء وعدد هؤلاء المخالفين، إلا أن نائب رئيس جامعة تعز للدراسات العليا والبحث العلمي، الدكتور صادق الشميري، قال لـ”يمن سايت” إن عميد كلية الحقوق واحد منهم. وبعث معد التحقيق رسالة عبر تطبيق “واتساب”، إلى عميد كلية الحقوق محمد عبدالعزيز، للتعليق على اتهام الشميري، إلا أن عبدالعزيز لم يرد، على الرغم من بروز ما يشير إلى أنه قرأ الرسالة. إضافة إلى وجود مراسلات سابقة بينه وبين معد التحقيق.
في 19 مايو 2022 فقط، أي بعد انتهاء العام الدراسي 2020/2021 والفصل الأول، من العام الجامعي الجديد 2021/2022، أقر قسم القانون الخاص في كلية الحقوق، الرجوع إلى تدريس المقرر المعتمد في الورشة، وهو “دراسات متقدمة في القانون الخاص”، المُقر على طلبة الدكتوراه. وفي الـ24 من الشهر نفسه، بعث القسم رسالة إلى عميد كلية الحقوق، تطالبه بالرجوع إلى تدريس المقرر المعتمد، حسبما تقول اللجنة.
لكن اللافت للانتباه في لجنة التحقيق أنها شُكلت في 23 مايو، أي قيل يوم من توجيه القسم رسالة إلى عميد كلية الحقوق، ما يعزز فرضية وجود صراعات حزبية داخل الجامعة، يزعم بعض الذين تحدث إليهم معد التحقيق أنها كانت وراء إثارة المخالفات، وليس حرصاً على التزام القوانين واحترامها.
وحاول معد التحقيق الحصول على إيضاحات من المعنيين داخل الكلية، إلا أنهم امتنعوا عن الحديث. عند تواصلنا بالدكتور أنس اليوسفي، عضو هيئة التدريس في قسم القانون الخاص، رد: “ما حدث شأن داخلي بالكلية، وليس مادة صحفية”.
واليوسفي هو من تقول لجنة التحقيق إنه تقدم ببلاغ إلى نيابة الدراسات العليا في الجامعة، إلا أن بلاغه اقتصر على مخالفة واحدة تمثلت بمقرر “دراسات متقدمة في فكر القانون المعاصر (قضايا معاصرة)”، الذي تتهم الكلية باستبداله بمقرر آخر، لكن اللجنة كشفت أن المقررين كليهما مخالفان للخطة المعتمدة من مجلس الجامعة.
ما يعتبره اليوسفي “شأناً داخلياً”، هو في نظر المجتمع والطلاب المتضررين خرق قانوني وخيانة للأخلاقيات الأكاديمية المفترض أن يتحلى بها منتسبو الجامعة.
يتساءل الطالب ماجد أحمد غالب، عن ذنب الطلاب في ما يزعم أنه خلاف ما بين كلية الحقوق ونيابة الدراسات العليا. يقول غالب لـ”يمن سايت”: “منذ بداية التسجيل لم تشعرنا نيابة الدراسات العليا بأية ملاحظة حول التوصيف الأكاديمي”.
وتواجه الجامعات اليمنية العديد من التحديات التي تجعلها عاجزة عن مواكبة متطلبات التغيير، ابرز هذه التحديات تتمثل في جمود المرجعيات الفكرية وغياب ارادة التغيير والافتقار الى القيادة التحويلية وهيمنة المناهج والاساليب التدريسية التقليدية . وفق ما خلصت دراسة بعنوان ” الجامعة وثقافة التغيير “.ومع اندلاع الحرب الاهلية التي يشهدها اليمن على خلفية انقلاب 21سبتمبر2014، تضاعف تدهور أوضاع الجامعات اليمنية بشكل غير مسبوق.
يقول عميد الحقوق الدكتور محمد عبدالعزيز: “جوهر المشكلة خلاف شخصي في الجانب الإجرائي، وهو شكلي لا علاقة له بمحتوى البرنامج”. بيد أن عبدالعزيز لم يقل كيف لخلاف شخصي أن يضر بعشرات الطلبة، ويؤدي إلى خرق القواعد القانونية. ولماذا سمح بتوريط دفعة جديدة هي دفعة 2021/2022 في دراسة مقررات لاتزال محل خلاف.
تشير معلومات جمعها معد التحقيق إلى امتداد الصراعات داخل جامعة تعز، أفقياً ورأسياً. فعلى الرغم من مضي أكثر من 4 شهور على انتهاء أعمال اللجنة المشكلة من نيابة الدراسات العليا، إلا أن تقرير اللجنة لم يعرض على مجلس الجامعة، وهو ما اشتكى منه الشميري، في رسالة بتاريخ 7 أغسطس الماضي، وجهتها نيابة الدراسات العليا إلى رئيس الجامعة محمد الشعيبي، أعلنت فيها “إخلاء مسؤوليتها حيال هذه القضية”، نظراً لتعنت عميد كلية الحقوق، ورفضه تنفيذ توصيات اللجنة.
مطلع الأسبوع الجاري، تواصل معد التحقيق مع رئيس الجامعة محمد الشعيبي، المقيم حالياً في مصر، والذي أكد صحة رسالته الموجهة إلى عميد كلية الحقوق، لكنه تحدث عن إمكانية حل لقضية الطلاب المتضررين الذين تضاعف عددهم مع إنهاء الدفعة الجديدة 2021/2022، مطلع أكتوبر الجاري، اختبارات الفصل الأول وفقاً للخطة غير المعتمدة.
ولم يقدم الشعيبي إيضاحات حول طبيعة الحل المرتقب، خصوصاً وأن الخطة المستحدثة من كلية الحقوق لم تلتزم بالحد الأدنى المقرر قانوناً، وهو 30 ساعة لبرنامج الدكتوراه ومثلها للماجستير، بالإضافة إلى 6 ساعات لإعداد رسالة الماجستير، و12 ساعة لإعداد رسالة الدكتوراه.
ويقول نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا صادق الشميري، إنه أبلغ ممثلي الطلاب المتضررين، وبينهم قضاة، استعداده “تنفيذ أي حكم قضائي يصدر في صالحهم في حال لجأوا للقضاء، لكن المجلس الأعلى للجامعات سيرفض اعتماد الشهادات”، حسب تعبير الشميري.