نجل علي سالم البيض:الانتقالي لا يمثل الجنوب والانفصال اليوم ليس حلاً
عمرو البيض: “الانتقالي” لا يمثل الجنوب والانفصال اليوم ليس حلاً
قال القيادي في الحراك الجنوبي ونجل علي سالم البيض لـ”اندبندنت عربية” إن شبوة لا تدين لطارق صالح بشيء في تحريرها… والشرعية هي من رفضت السماح لهم بمقاتلة الحوثي
حاوره / زياد الفيفي
تأرجحت أسرة البيض اليمنية العريقة بتاريخها السياسي الطويل بين الوحدة والانفصال، هذا التأرجح قاده وجهها السياسي الأبرز علي سالم البيض، مهندس الوحدة الذي رفع علمها مع علي عبدالله صالح في عدن، عاصمة الدولة الجنوبية “جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية” في 1990، مقابل تقاسم للسلطة بينهما تمثل فيه الدولتان في الحكومة، قبل أن تندلع الحرب الأهلية اليمنية 1994 التي قرر فيها الجنوبيون فشل الوحدة مع شمال البلاد لمبررات ساقها البيض ذاته، ليلجأ إلى عُمان بعد خسارته الحرب ودخول صالح عدن ومن ثم إلى أوروبا ليقود حراكاً لإنهاء الوحدة الاندماجية في البلاد.
هذا التأرجح لا يبدو أن الابن الأصغر لعلي سالم الذي يخلفه في الحراك الجنوبي ينوي خوضه مجدداً، عمرو علي البيض الذي ظهر فجأة في واجهة الأحداث في جنوب اليمن، بعد حراك المجلس الانتقالي ذي النزعة الانفصالية في عدن وما جاورها، ليعين في 2019 عضواً في ما يسمى “هيئة الرئاسة” الكيان السياسي للمجلس، ثم ممثلاً خاصاً لرئيس المجلس عيدروس الزبيدي للشؤون الخارجية في 2021.
التقت “اندبندنت عربية” بالبيض الصغير في الرياض، الذي يحل ضيفاً على مجلس التعاون الخليجي، ضمن وفود المكونات اليمنية التي اجتمعت لأول مرة بهذا العدد، للتشاور في رسم خريطة طريق تنهي الأزمة اليمنية، ممثلاً للمجلس الانتقالي الجنوبي مع آخرين.
كان أبي
وبالحديث عن تاريخ العائلة السياسي، لا يمكن تجاوز الانتقادات التي واجهها ظهوره المفاجئ، ليس من قبل مناوئي الحراك الجنوبي، بل من قبل أبنائه. إذ برزت في الآونة الأخيرة انتقادات من قبل أسماء بارزة في الحراك، قالت بأن عمرو قفز إلى الواجهة بفضل اسم والده علي سالم على حساب قادة تاريخيين لهم تجربة طويلة في حركات الانفصال.
لا ينكر البيض هذا، إذ يقول “اسم والدي لعب دوراً، أكيد لا أحد ينكر هذا، الاسم والتاريخ العائلي يلعب دوراً عادةً، لكن لست هنا لهذا السبب فقط، بل لأني عملت في الحراك الجنوبي منذ زمن طويل، لكن لم أكن في الواجهة، ظهوري المفاجئ ربما كان السبب في هذه الأحاديث”.
لم نكن جزءاً من الإجماع حتى نفككه
ظهوره المفاجئ في المجلس الانتقالي يشبه ظهور المجلس نفسه، الذي اقتحم واجهة الأحداث في اليمن في أسوأ فترة يمكن أن تحتمل فيها البلاد ظهور مكون جديد، ليقسّم الجبهة المناهضة للحوثية ويفكك إجماعه على العدو المشترك.
يرد عمرو البيض على هذا بأن المجلس لم يكن جزءاً من الإجماع بالأساس حتى يكون موقفه سبباً في تفكيكه، ويشرح هذا قائلاً “عندما قُدمت المبادرة الخليجية في 2011، أتت لحل أزمة الصراع على السلطة في صنعاء ودخلت في مرحلة انتقالية عبر مؤتمر الحوار الوطني، حصل خلل في هذه المرحلة وهي أن القضية الجنوبية التي تقول بفشل الوحدة لم يتم احتواؤها ضمن الحوار ولا بقية المرجعيات”، مضيفاً “الحراك الجنوبي لم يتم إشراكه في مخرجات الحوار الوطني، ونحن في المجلس الذي انبثق من الحراك كنا خارج هذه الاتفاقات من الأساس، ولم نكن جزءاً من الإجماع حتى نشقه، لأننا لم نشارك. العملية السياسة تلك كانت مشكلة لنقل السلطة فقط ما بين صالح إلى المرحلة الانتقالية وما بعدها، لكن القضايا الجزئية كمطالب الجنوب لم تراع”.
وفسر عدم المشاركة، قائلاً “لم نشارك لأننا لم نر أن المبادرات السياسية في تلك الفترة كانت قادرة، أو لديها النية لاستيعاب مشكلتنا مع الوحدة، اليوم الموضوع مختلف وكل القضايا يمكن أن تطرح بلا قيد أو شرط، لذلك نحن هنا لوضع إطار لقضية الجنوب.
الانفصال الآن ليس حلاً
وتكمن مشكلة لم شمل الجبهة المناهضة للحوثي في أن الطرفين يتمسكان بقضايا وجودية تمحو الآخر، إذ تملك الحكومة الشرعية نزعة وحدوية تسعى من خلال ما تقوم به إلى الحفاظ على وحدة الأراضي اليمنية وتحرير ما تبقى منها تحت سيطرة الميليشيات التي انقلبت على السلطة في 2014، في حين يصر الانتقالي على إيجاد آلية لإنهاء الجمهورية اليمنية الموحدة لـ”استعادة” دولة الجنوب، أو هكذا يُتهم.
يرد عمرو البيض على هذا، قائلاً “نحن لم نأت إلى الرياض لفرض الانفصال، بل لوضع أُطر تستوعب القضية التي نعمل عليها، أما الانفصال في هذا الوقت ليس حلاً، بل سيكون مشكلة، هذا يمكن مناقشته بعد انتهاء الحرب واستعادة الخدمات وإصلاح المعيشة، لكن الآن نريد أن نضع إطاراً للتعامل مع القضية والاعتراف بها والعمل على أساسها، ثم نتجه لمواجهة العدو المشترك وهو الحوثي، وبعد انتهاء الحرب واستعادة الدولة يمكن مناقشة الانفصال”، مؤكداً أن الانفصال في الوضع الراهن ليس حلاً موضوعياً، بل إيقاف الحرب ثم مناقشته.
وحول أجندة المجلس الانتقالي في مشاورات الرياض القائمة الآن، “نحن هنا لوضع أطر لها، نحن في مرحلة مشاورات يجب فيها أن يوضع إطار لهذه القضية بعد ذلك ندخل في المفاوضات، فنحن الآن لا نتحدث في حل هذه القضية، بل وضع إطار لها، يعني تعريفها ومن يمثلها، وماهي المرجعيات التي تعترف بها في حال إقرار التفاوض حولها”.
ويملك اليمنيون مرجعيات ثلاث رئيسة لا تقوم الحلول إلا عليها، المبادرة الخليجية 2011، ومخرجات الحوار الوطني 2014، وقرار مجلس الأمن 2216، إلا أن مشكلة المجلس معها هي أنها تضع وحدة التراب اليمني ضمن شروط الحلول التي يسعى المبعوثون لإقرارها، وهو ما يراه البيض إلغاءً للقضية التي تأسس المجلس لأجلها.
وأضاف “نريد إطاراً تفاوضياً بلا خطوط حمراء، يمكن من خلاله أن نناقش وحدة عادلة أو إلغاءها في الوقت المناسب دون مرجعيات تلغي القضية”، معتبراً أن الوحدة تقوم على المصلحة، وإن لم يحددوا مصالحهم منها قبلاً فلا فائدة منها.
وأكد أن هناك تقارباً بينهم في المجلس الانتقالي الجنوبي، وبين مبعوث الأمم المتحدة الحالي إلى اليمن هانس غروندبرغ، الذي “طرح مقاربةً لمفاوضات غير مشروطة مقبلة، عكس المبعوثين السابقين الذين تمسكوا بالمرجعيات الثلاث ذات الشروط المسبقة التي تنهي أي حوار قبل أن يبدأ”.
المجلس الانتقالي لا يمثل الجنوب
هذا المجلس يعد كياناً طارئاً إذا ما وضع في مقارنة مع الحراك الجنوبي الانفصالي الذي يتكئ عليه، وهو الذي تأسس في 2017، وخلال السنوات والعقود التي سبقت ولادته بنى الانفصاليون في جنوب البلاد كياناتهم واختاروا ممثليهم، في حين يستأثر المجلس الحديث اليوم بتمثيل الجنوبيين بسبب قوته المستمدة من عتاده وقدرته المالية الكبيرة بفضل داعميه.
يرد البيض على هذا بنفي تمثيلهم للجنوب، قائلاً، “هناك سوء فهم وعدم إدراك لأدوار المجلس الانتقالي، الانتقالي لا يمثل الجنوب، ولا يقدم نفسه على هذا الأساس، لأنه لا توجد آلية أصلاً لتحديد الشعبية والتمثيل وقياس آراء الناس، حتى نستطيع بناءً عليها أن نقول هذا يمثل وذاك لا، نحن نمثل القضية الجنوبية فقط”.
قلت له إن هذه حيلة، فباحتكارهم لتمثيل القضية هم بهذا يمثلون الأشخاص المؤمنين بها، وهذا يجعلهم يستأثرون بتمثيل الناس، قال “غير صحيح، عبدربه منصور هادي جنوبي، أحمد عوض بن مبارك جنوبي، وكذلك ابن دغر وغيرهم من السياسيين الذين يتمسكون بالوحدة، ونحن لا ندعي تمثيلهم”.
لإنهاء هذا النقاش قلصنا التمثيل في القضية، قلت له “أنتم ترون أنفسكم تمثلون القضية الجنوبية؟”، ووافق على هذا، ثم سألته عن احتكارهم لها على الرغم من المكونات الجنوبية الأخرى، فكان رده “المكونات الأخرى هي جماعات حقوقية وليست سياسية، مثل مؤتمر حضرموت الجامع الذي يعد كتلة كبيرة في حضرموت، لكنه لا يمثل القضية الجنوبية، هو يمثل مطالب خدمية للمواطنين في الإقليم”.
سألته، ماذا عن الحراك الجنوبي؟ هو مكون سياسي أصيل انبثق عنه المجلس الانتقالي الجنوبي، فأجاب “صحيح، لذلك شكلنا لجنة للحوار معهم في أغسطس (آب) الماضي لوضع رؤية مشتركة”.
من عطل اتفاق الرياض؟
وبالحديث عن الحوار، تجدر الإشارة إلى مشكلاتهم من الحكومة اليمنية المعرف بها دولياً، والصراع بينها وطاولات المفاوضات التي نصبت في الرياض، إلا أن تطبيق اتفاق الرياض لم يتم على أكمل وجه.
وعلق على هذا، قائلاً “تم تطبيق جزء منه، وهو نقطتان أساسيتان وهما تعيين محافظ لعدن وتشكيل الحكومة، وبعد ذلك لم يتم تنفيذ البقية المتمثلة في الجانب العسكري”، ويتضمن هذا الجانب أن يتم الاكتفاء بالقوات الأمنية في عدن وداخل المحافظات الجنوبية، وتخرج منها كل القوات المسلحة وترسل إلى الجبهات لمواجهة الحوثي
وتعطل ذلك بسبب عدم التحاق القوات المسلحة التابعة للانتقالي بالجبهات، وهو ما أعدته إليه بأن من يعطله هو الانتقالي، فنفى ذلك وقال “كان الاتفاق ينص على إخراج الجيش من المحافظات، ونفذنا هذا بإخراجه من عدن وأبين ولحج، وصدر موقف رسمي من السعودية الراعية للمفاوضات بتنفيذنا لهذا، إلا أنهم رفضوا القيام بشقهم وإخراج القوات من شبوة وحضرموت”. واستمرت قوات الشرعية في شبوة إلى حين إقالة محافظها محمد بن عيدو المحسوب على حزب الإصلاح على وقع الانتكاسة العسكرية، وتعيين عوض العولقي ووصول ألوية العمالقة إليها مطلع العام الجاري وتحريرها من الحوثي.
وحول التحاق القوات الانتقالية بالجبهات في الشمال، أضاف “بادرنا بعرض إرسال قواتنا إلى شبوة ومأرب لقتال الحوثيين، لكن تم رفض ذلك من قبل الطرف الآخر”، وتمثلت المشكلة في شكل إرسالها، إذ طالبت القيادة العسكرية للجيش اليمني باستقبالهم على شكل أفراد يتم دمجهم بالقوات في الجبهات، في حين أصر الانتقالي على إرسالهم في شكل كتائب بقياداتها، وهو ما أبطل إرسالهم الذي يفسره ضيفنا بأنه “خوف من وصول القوات التابعة للانتقالي إلى حضرموت ومناطق أخرى وتوسيع نطاق سيطرتها”.
“الشيطان” في البيت
إحدى خصائص الحرب في اليمن هي أنها بالغة التعقيد، يتداخل فيها الحلفاء مع الأعداء وتتقلب المواقف وفقاً للأحداث، أحد هذه التحولات هو موقف رجال علي عبدالله صالح الذين كانوا في يوم ما جزءاً من جبهة الحوثي وصاروا في الجهة المقابلة في يوم وليلة، منذ أعلن رئيسهم إنهاء الشراكة مع الميليشيات وقتل إثر ذلك.
أحد أبرز هؤلاء الرجال الذين غادروا صنعاء بعد أحداث ديسمبر (كانون الأول) 2017 هو طارق صالح، ابن شقيق علي عبدالله، وقائد الحرس الخاص به، الذي اختفى بين إشاعات مقتله وظهر فجأة في الساحل ليرتب شتات الحرس الجمهوري تحت ما سمي في ما بعد “حراس الجمهورية” أو “المقاومة الوطنية”.
طالب البعض بالاستفادة من تلك القوات التي أبلت حسناً في الساحل بالتحالف بينها وبين بقية القوى اليمنية لمواجهة الميليشيات، إلا أن البيض كان له رأي آخر، إذ وصف ذلك النهج في تغريدة نشرها حينها بـ”التحالفات الشيطانية” مشيرة إلى أن هذا المستوى من البراغماتية بالتحالف مع “العدو” غير صحيح، ويجب تجنبه، قائلاً “الجيش الذي سيعده طارق صالح في الجنوب، هل هو من صنعاء أم من عدن؟”.
في ديسمبر 2021، انطلقت قوات كانت تقاتل بجوار طارق تدعى “ألوية العمالقة”، وهي قوة جنوبية تتشارك معه غرفة عمليات موحدة في الساحل لتحرير شبوة الجنوبية من سيطرة الحوثي، ونجحت بتحقيق ذلك في 10 أيام، وهو ما يطرح سؤالاً حول “هل تلك القوات من صنعاء أم من عدن؟”، وهل بات “عدو” عمرو بجوار بيته في شبوة، ليجيب بحزم “لا ولن يكون”.
وحول نفوذ صالح في شبوة اليوم، يقول عمرو البيض “من حرر شبوة ليس طارق صالح، بل قوات العمالقة، وهذه القوات لا تدين لطارق بشيء”، إلا أن القوات لقيت دعماً من طارق بحسب مراقبين، لكنه يرفض ذلك “العمالقة هي من ساعدته، وليس هو من ساعدها، العمالقة ذهبت إلى الساحل لمساعدته قبل فترة والآن عادت”.
ألم يدعم عملية تحرير شبوة؟ سألته، فأجاب “ولا له فيها طلقة واحدة، ولن نسمح بأي نفوذ له فيها”، مؤكداً تمسكه بموقفه تجاهه بوصفه عدواً لا يجمعه به إلا عداء الحوثي.
إلا أن البيض يواجه مشكلة مع هذا العدو اليوم، فكلاهما يمثلان كتلتيهما في المحور السياسي لمشاورات الرياض، وسيجد نفسه مضطراً لمجالسته والتشاور معه، ويقول حول هذا “جلسنا مع الإصلاح الذين لا زلنا نتقاتل معهم إلى اليوم، فلم لا نجلس معه؟ نتقاطع معه في عداء الحوثي أما في الجنوب هو عدو يتمسك بالوحدة”.