بين الأذن والقلب

بقلم/شيماء المرزوقي

في عصر يعج بالأصوات المتنافسة والضغوط اليومية، أصبح من السهل أن نغرق في عالمنا الخاص، وننسى أن أحد أعمق أشكال التواصل يكمن في الاستماع، فبينما نعيش في مجتمع سريع الإيقاع، نجد أنفسنا في كثير من الأحيان مشغولين بالكلمات التي سنقولها، بينما نهمل الأهمية العميقة لما يمكن أن نسمعه، لكن الاستماع العميق ليس مجرد فعل تقني أو واجب اجتماعي، بل هو فن يستطيع أن يحول العلاقات، ويعيد تشكيل الطريقة التي نفهم بها العالم من حولنا.

حينما نستمع بعمق فإننا لا نسمع فقط الكلمات، بل نسمع مشاعر الشخص الآخر، نلتقط أفعاله غير اللفظية، ونشعر بحالته النفسية دون أن يتحدث عنها صراحة، الاستماع العميق هو أداة فعالة لبناء الثقة بين الناس، وهو سبيل لاكتشاف معانٍ لا تنطق بها الكلمات، وقد تظن في البداية أن الاستماع الجيد مجرد مهارة يتقنها البعض، لكن الحقيقة أن له القدرة على إحداث فرق حقيقي في العلاقات الشخصية والمهنية، بل في حياتنا اليومية بشكل عام.
تخيل لحظة عابرة، حيث تجلس مع صديقك الذي يمر بيوم عصيب، بدلاً من أن تكون أول ردودك محاولة لإعطائه نصائح أو إيجاد حلول سريعة، تقوم ببساطة بالاستماع إلى مشاعره وكلماته دون مقاطعة، حينها، تشعر بأنه ينفتح أمامك، وبأنك أصبحت جزءاً من حمله العاطفي، بل أحياناً يمكنك أن تجد نفسك تساهم في تخفيف معاناته فقط بوجودك واستماعك. في هذه اللحظة، لن يشعر فقط بالراحة، بل سيشعر أيضاً بأنك ترى معاناته وتفهمه بشكل عميق، وهو أمر يفوق أي كلمات قد تقولها.

وبالطبع، تأثير الاستماع لا يقتصر على الشخص الذي نتفاعل معه فقط، الاستماع العميق يعكس وعياً بالنفس وحالة ذهنية هادئة، ويساهم في تهدئة التوترات التي قد تنشأ في المحادثات اليومية، ففي الأوقات التي نختار فيها أن نستمع بدلاً من أن نشارك فوراً نمنح أنفسنا فرصة للتفكير والتمعن قبل الرد، وهذا يمكن أن يساعد في تجنب النزاعات غير الضرورية، ويُحسن من قدرتنا على التعبير عن آرائنا بشكل أكثر هدوءاً ووضوحاً.

وحتى في المواقف المهنية، يعتبر الاستماع العميق من المهارات الأساسية التي تُحدث فرقاً كبيراً في الأداء والتواصل داخل أي فريق عمل، القدرة على الاستماع بإتقان تُظهر احتراماً للآخرين، وتُسهم في فهم أعمق للمشكلات وحلول أفضل للتحديات المشتركة. عندما يشعر الآخرون بأنهم مسموعون، يصبح لديهم دافع أكبر للتعاون والمشاركة، فالأمر لا يتعلق فقط بنقل المعلومات، بل بتبادل المشاعر والأفكار، وبناء الثقة والاحترام المتبادل.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى