الوسواس القهري

بقلم/منى البلوشي

في زوايا العقل المظلمة ودهاليز النفس المختبئة، قد ينمو اضطراب لا يرى بالعين المجردة، لكنه يثقل كاهل صاحبه كل يوم وفي كل لحظة تمر من حياته، إنه الوسواس القهري (OCD) أحد أكثر الاضطرابات النفسية تعقيداً وانتشاراً، الذي يصنف ضمن اضطرابات القلق ويصيب الملايين حول العالم ذكوراً وإناثاً، متعلمين وغير متعلمين، صغاراً وكباراً.
فهو اضطراب نفسي يتميز بوجود أفكار مزعجه (وساوس) تدفع الشخص للقيام بسلوكيات متكرره ( أفعال قهرية) في محاولة للحد من القلق الذي تسببه هذه الأفكار فمثلاً قد يخاف المريض من الجراثيم، فيغسل يديه عشرات المرات يومياً رغم معرفته بأن ذلك غير منطقي وغير عقلاني إلا أن تفكيره يحثه على الاستمرار بهذه العادات على الرغم من تعارضها لسير الحياة الطبيعية التي ينعم بها الناس في حياتهم اليومية الرتيبة.
فأرقام منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن أرقام الوسواس القهري يصيب نحو ( 2% – 3% ) من سكان العالم، وغالباً ما يبدأ في سن المراهقة أو أوائل العشرينات ويؤثر هذا الاضطراب بشكل كبير على جودة الحياة، حيث قد يمنع الشخص من الدراسة أو العمل أو حتى العلاقات الاجتماعية أو ممارسة هواياته المفضلة.
وتشمل الوساوس والأفعال القهرية، الخوف من التلوث والشك المتكرر في إغلاق الأبواب أو الأجهزة وأفكار عدوانية أو دينية غير مرغوبة، والأفعال القهرية تتنوع بين الغسل أو التنظيف المفرط والتحقق المتكرر والعد أو الترتيب بشكل مبالغ فيه وغيرها الكثير من السلوكات التي تنغص على المرء حياته لتجعلها تقترب من جعلها أشبه بالجحيم المؤقت.
ومن الأسباب التي يتسبب بها الدخيل المتعب لحياة الإنسان، هو تداخل عدة متغيرات كالعوامل الوراثية ووجود تاريخ عائلي قد يزيد الإصابة وخلل في كيمياء الدماغ لا سيما في مستويات «السيروتونين» والضغوط النفسية والتجارب الصادمة التي يتعرض لها الشخص خلال ممارسته لحياته اليومية المعتادة.
فالوسواس القهري قابل للعلاج ومن أنجحها،العلاج السلوكي المعرفي، خاصة تقنية التعرض ومنع الاستجابة والأدوية المضادة للاكتئاب مثل مثبطات امتصاص «السيروتونين» والدعم الأسري والمجتمعي حيث يلعب دوراً مهماً في تعافي المريض.
فالوسواس القهري ليس ضعفاً في الشخصية ولا قلة إيمان، بل هو اضطراب نفسي يحتاج إلى فهم وعلاج والوعي به هو الخطوة الأولى نحو مجتمع أكثر تعاطفاً وإنسانية فربما من بيننا من يخوض هذه المعركة في صمتٍ لا يلحظه أحد كجزء السفينة المغمور تحت الماء، فلنكن عوناً لهم لا عبئاً عليهم.

متابعات

إقرأ ايضا

زر الذهاب إلى الأعلى