هل الدين نسبي أم مطلق؟

هل الدين نسبي أم مطلق؟
د. توفيق حميد
من الإبداعات العلمية التي أثرت في تاريخ العالم اكتشاف النظرية النسبية التي جاءنا بها عالم الفيزياء الشهير ألبيرت آينشتين.

والسؤال الذي جاء في خاطري وله علاقة بهذا الأمر هو هل نسبية الأشياء تقف فقط عند حدود الفيزياء والكون أم أن مبدأ أو فكرة النسبية قد يتم تطبيقه أو تطبيقها أيضا في الدين أو على الأقل في فهم الدين؟

وببحث عميق في أمور الدين نجد أن العديد من الأمور في الدين كانت ولم تزل نسبية وليست أمورا مطلقة.

وهناك أربعة أسس لوجود فكرة نسبية الأشياء حتى في أمور الدين والفكر الديني.

أولا: أقر القرآن في أكثر من آية بأن آيات الله بها الأحسن والأقل حسنا تبعا للظروف المحيطة والواقع. وبذلك فتح القرآن الطريق أمام نسبية آياته. فكما ذكرنا بها آيات أفضل أو أحسن من آيات أخرى. وكان نص القرآن في هذا الأمر واضحا جليا في قوله تعال “وٱتبعوٓا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم ٱالعذاب بغتة وأنتم لا تشعرون” (سورة الزمر آية 55)، وقوله جل وعلا لموسى عليه السلام” وكتبنا له فى ٱالألواح من كل شيءٍۢ موعظة وتفصيلا لكل شيءۢ فخذها بقوة وأمر قومك يأخذوا بأحسنها ۚ” (سورة الأعراف آية 145). والآياتان توضحان قبول القرآن لفكرة النسبية في آياته بأن يتبع الإنسان الأحسن منها أو بمعنى آخر ما يناسب عصره وظروفه المحيطة. ولو كان الأمر مطلقا لما سمح القرآن بهذا الاختيار. فالآية التي تكون أحسن في ظرف ما قد تكون أقل حسنا – ولا أقول أسوأ- في ظرف آخر.

ثانيا: اختلف الأئمة الأربعة في أمور هامة قد يظنها البعض أمورا مطلقة مثل تحريم الخمر. فعلى سبيل المثال لا الحصر أباح الإمام أبو حنيفة شرب النبيذ طالما لم يصل الإنسان لدرجة السكر (بالسكون على الكاف) أي ذهاب العقل. وعلى النقيض من ذلك فقد حرم فقهاء آخرون شرب الخمر كمبدأ عام حتى لو لم يصل الإنسان لدرجة السكر. وشتان بين الرأيين فالأول يبيح شرب النبيذ والثاني يراه جرما يعاقب فاعله بالجلد ثمانين جلدة. وإن رأينا هذا الأمر في اختلاف الفقهاء بعمق لعلمنا أن أمورا كثيرة في الدين ليست أمورا مطلقة وأنها خاضعة لنسبية الفهم البشري ومنها كما ذكرنا تحريم شرب الخمر.

ثالثا: ويأتي بعد ذلك مثال من العصور الحديثة في عصرنا الحالي، فبعد أن حرم الأزهر القهوة والطباعة والتعامل مع البنوك، والتي أسماها “البنوك الربوية” اصبحت كل هذه الأمور الآن حلالا في نظر الأزهر!

ولنا هنا أن نتساءل هل كان الأزهر مخطئا حين حرم هذه الأمور أم أنه كان مخطئا حينما قال أنها حلال؟ أم أن الأمر أو فهم الدين “نسبي” تبعا لظروف الزمان والمكان!

رابعا: يعطينا القرآن الكريم بعدا آخر لنسبية فهم النصوص الدينية بإقراره مبدأ قبول العرف، والذي قد يفهمه البعض على أنه العرف العالمي ومواثيق حقوق الإنسان! فالقرآن يقر بوضوح في سورة الأعراف بهذا المبدأ كما جاء في الآية الكريمة “خذ اٱلعفو وأمر بالعرف”، سورة الأعراف آية 199.

وباختصار شديد، فإن النظرة للدين والمفهوم الديني على أنه شيء مطلق هي نظرة قاصرة. فآيات القرآن الكريم واختلاف الفقهاء الشديد في أمور هامة وتغيير مواقف الأزهر في التحليل والتحريم عبر العصور، وقبول القرآن لمبدأ “العرف”، الذي يتغير من مكان لآخر ومن زمان لأزمنة أخرى هي أمور تؤسس لمنهج نسبية الدين أو نسبية الفهم الديني وتتعارض بشدة مع جعل الدين أمرا مطلقا غير قابل للتغيير أو التجديد.
متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى