تصدر حزب التجمع الوطني اليميني في فرنسا العناوين، ومعه رئيسه السياسي الشاب البالغ من العمر 28 عاما، جوردان بارديلا.
صدارة النتائج في الجولة الأولى من الانتخابات التشريعية الوطنية، الأحد، عززت شهرة بارديلا باعتباره شخصا يمكن أن يعيد تشكيل الحياة السياسة الفرنسية، بعد سنوات من مساعي الحزب للوصول إلى هذا الهدف، وهذه المرة عن طريق شاب ترعرع في ضواحي باريس الفقيرة واستطاع جذب الملايين في أوساط الشباب.
ومن المتوقع أن يصبح بارديلا رئيسا للوزراء إذا تمكن الحزب، الذي تزعمته من قبل عميدة التيار القومي المتشدد، مارين لوبن، من توسيع تقدمه في الجولة الثانية من التصويت، وهو ما سيفرض ما يعرف بحكومة التعايش، حيث سيظل إيمانويل ماكرون، رئيسا للفترة المتبقية من ولايته حتى عام 2027، و بارديلا رئيسا للوزراء.
وحظي الشاب في وقت سابق بإشادة واسعة النطاق بسبب انتصار حزب التجمع الوطني في الانتخابات الأوروبية، إذ فاز بنحو 31.4 في المئة من الأصوات، أي أكثر من ضعف حصة الأصوات التي فاز بها ائتلاف ماكرون.
وفي الانتخابات التشريعية، التي جرت الأحد، تصدر اليمين بقيادة بارديلا بفارق كبير نتائج هذه الدورة، مما يعني أنه بات من المطروح أن يحصل حزب بارديلا ومارين لوبن على أغلبية نسبية قوية أو حتى أغلبية مطلقة، الأحد المقبل.
وبحصوله على ما بين 34.2 و34.5 في المئة من الأصوات، تقدم التجمع الوطني وحلفاؤه على تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الوطنية)، الذي حصد ما بين 28.5 و29.1 في المئة من الأصوات، فيما حل معسكر ماكرون ثالثا (20.5 إلى 21.5 في المئة) في هذا الاقتراع الذي شهد مشاركة كثيفة.
وقال الرئيس الشاب للتجمع الوطني، مساء الأحد، إن الجولة الثانية من الانتخابات التي ستجري في السابع من يوليو ستكون “واحدة من أكثر (الجولات) حسما في كامل تاريخ الجمهورية الفرنسية الخامسة”، مؤكدا أن الفرنسيين “أصدروا حكما نهائيا”.
وتعهد بارديلا بأن يكون “رئيس حكومة تعايش، يحترم الدستور ومنصب رئيس الجمهورية، لكنه لا يساوم” في مشروعه الحكومي.
وقالت مارين لوبن، التي ترأس حاليا كتلة نواب التجمع الوطني “نحن بحاجة إلى غالبية مطلقة”.
ابن مهاجرة إيطالية
وبحسب واشنطن بوست، ولد بارديلا عام 1995 لعائلة ذات جذور إيطالية، ونشأ في الضواحي الشمالية الفقيرة لباريس.
وتشير نيويورك تايمز إلى أنه نشأ في كنف والدته، المهاجرة الإيطالية، التي انفصلت عن والده عندما كان عمره عاما واحدا، وكافحت من أجل تغطية نفقات المعيشة.
والطبيعة الدقيقة لتربية بارديلا في ضاحية سين سان دوني غير واضحة، وقد صورها هو على أنها طفولة مليئة بالمصاعب الشديدة في مناطق تعاني من تجارة المخدرات والعنف.
ومع ذلك، التحق بارديلا بمدرسة خاصة، وهي مدرسة ليسيه سان جان بابتيست دو لا سال، حيث كان والده يدفع الرسوم.
وقال إيف كامو، خبير الحركات القومية في أوروبا لنيويورك تايمز: “لم تكن نشأته مميزة بأي شكل من الأشكال”.
ورغم تخرجه بامتياز من المدرسة الثانوية، فقد ترك بارديلا الكلية للتركيز على السياسة، وأثبت أنه لديه قناعات سياسية قوية، وفي عام 2012، عندما كان عمره 16 عاما، التحق بحزب التجمع الوطني (المعروف آنذاك باسم الجبهة الوطنية) عندما كانت مارين لوبن، عميدة السياسة القومية الفرنسية تتولى قيادة الحزب.
وعمل بارديلا في حملة مارين لوبن الرئاسية في عام 2017.
وبعد خمس سنوات، تم انتخابه كأول شخص يقود الحزب خارج عائلة لوبن.
ونجح في بناء قاعدة متابعين بين الناخبين الشباب، بما في ذلك 1.7 مليون متابع على تيك توك.
أسلوب جذاب
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إنه بفضل أسلوبه ومظهره الجذابين، سرعان ما تم النظر إليه في أوساط لوبن باعتباره الممثل الأفضل لحزب التجمع الوطني بعد الاتهامات للحزب بمعاداة السامية خلال حقبة مؤسسه، جان ماري لوبن.
مارين لوبن وجدت فيه قيمة تسويقية
وكان جان ماري لوبن، والد مارين لوبن، أسس عام 1972 “الجبهة الوطنية”، واختار لوبن شعارا لها في ذلك الحين شعلة بثلاثة ألوان، مثل شعار الحزب الإيطالي الفاشي الجديد. وأُدين جان مارين لوبن، الذي كان يركز خطابه على الهجرة واليهود، مرات عدة بسبب تجاوزاته عن اليهود.
وبعد توليها قيادة الحزب، حاولت مارين إبعاد الحزب عن صورته المعادية للسامية. وفي عام 2015، طرد الحزب جان ماري لوبان بعد مقابلة وصف فيها غرف الغاز النازية بأنها “مجرد تفصيلة من التاريخ”.
وأعادت مارين تسمية الجبهة الوطنية إلى “التجمع الوطني” عام 2018. وسارع منتقدون إلى الإشارة إلى أن الاسم كان مشابها لاسم التجمع الوطني الشعبي، وهي مجموعة سياسية تعاونت مع الحكومة الفرنسية المؤيدة للنازية خلال الحرب العالمية الثانية.
وتحت قيادتها، اقترب الحزب من الرئاسة عندما واجهت ماكرون عامي 2017 و2022. وخسرت في المرتين.
قيمة تسويقية
يير ستيفان فورت، الصحفي الاستقصائي، مؤلف كتاب جديد عن بارديلا، قال لصحيفة واشنطن بوست إن لوبن، رأت قيمة تسويقية في قصة نشأة بارديلا وجعلته نموذجا قابلا للتسويق على وسائل التواصل الاجتماعي، وبديلا ذكيا يمكنه الوصول إلى الناخبين الجدد، وقد أطلقت عليه ذات مرة لقب “شبل الأسد”، والآن تسميه “الأسد”.
بارديلا اعتبر بديلا ذكيا لمارين لوبن
ويقول مواطن فرنسي يدعى فوي لصحيفة نيويورك تايمز إنه في الماضي، كان أي شخص يختلف مع حزب التجمع الوطني يصنف بسرعة لوبن على أنها عنصرية أو فاشية، “لكن بالنسبة لبارديلا، الشيء الجيد هو أنه يفكر بنفس الطريقة، لكن لا يمكنهم وصفه بالعنصري لأنه طفل مهاجر من أبوين إيطاليين”.
وتقول واشنطن بوست إنه يمثل انفصالا عن التكنوقراطيين الذين تشكلوا في مدارس النخبة وهيمنوا على السياسة الفرنسية، وقد أعاد صياغة الرسالة الغاضبة لليمين القومي بشكل فعال للغاية لدرجة أن هناك حديث عما يسمى “هوس بارديلا”.
وفي حين يرى البعض أن بارديلا “دمية” في يد لوبن، يشير معجبوه إلى أن صعوده من الطبقة العاملة إلى أعلى المستويات في السياسة الفرنسية باعتباره مسألة إلهام.
فرنسا تتذوق الثورات
وتقول نيويورك تايمز إن “فرنسا التي تتذوق الثورات وجدت في بارديلا متمردا دمث الأخلاق، يرتدي ملابس أنيقة، ويتعهد بقلب سياسة البلاد رأسا على عقب، من أجل إنقاذها من “الاختفاء”.
وفي حال أصبح جوردان بارديلا رئيسا للحكومة، ستكون هذه أول مرة تقود فيها حكومة منبثقة من اليمين فرنسا منذ الحرب العالمية الثانية، وسيمنح ذلك حزب التجمع الوطني المزيد من السلطة لدفع أفكاره الشعبوية، المشككة في أوروبا والمناهضة للهجرة إلى التيار السياسي الرئيسي.
نظرة للمستقبل
وفي بيان يوم الأحد، وعد بارديلا بتعزيز “الوحدة” إذا أصبح رئيسا للوزراء، لكنه واصل مهاجمة منافسه الرئيسي، وهو التحالف اليساري، قائلا إن فوزه “سيقود البلاد إلى الفوضى والتمرد وتدمير اقتصادنا”.
وقال بارديلا أمام حشد يضم أكثر من 5 آلاف من أنصاره الذين لوحوا بالأعلام في الأسبوع الماضي: “حضارتنا يمكن أن تموت لأنه (اليسار) سيغرق في المهاجرين الذين غيروا عاداتنا وثقافتنا وأسلوب حياتنا بشكل لا رجعة فيه”.
لكن مع ذلك، حرص بارديلا على تأكيد نيته “عدم المساس بالتزامات فرنسا على الصعيد الدولي” في حال تعيينه رئيسا للوزراء، علما بأن مارين لوبن كانت قد دعت في 2022 إلى الانسحاب من القيادة المركزية لحلف شمال الأطلسي.
وتعهد بارديلا بالتحلي “بيقظة شديدة” إزاء “محاولات التدخل الروسية”، مع تحديد “خطوط حمراء” في ما يخص إرسال جنود إلى أوكرانيا “أو صواريخ طويلة المدى أو معدات عسكرية” من شأنها أن “تستهدف مباشرة المدن الروسية”، وفق فرانس برس.
وتتعارض هذه المواقف مع تصريحات ماكرون المؤيد لاستخدام أسلحة غربية في أوكرانيا لـ”تعطيل” قواعد عسكرية روسية.
واقترح كل من اليمين والتحالف اليساري أن يبطل، في حال فوزه في الدورة الثانية من الانتخابات التأمين على البطالة الذي أقرته الحكومة، الذي يشدد شروط الأهلية ويقصر مدة التعويضات.
ومن الإصلاحات الأخرى، المثيرة للجدل، تلك التي تطال المعاشات التقاعدية، التي أخرت سن التقاعد سنتين إلى 64 عاما، مثيرة استياء شعبيا شديدا وتباينا في أوساط البرلمانيين.
وتريد كتلتا المعارضة العودة عن هذا القرار، مع اقتراح اليسار إلغاءها والسعي إلى “هدف مشترك” هو التقاعد في الستين.
وأدلى بارديلا بتصريحات متضاربة في هذا الصدد، مؤكدا نيته اعتماد نظام تقاعد في الثانية والستين مع آلية “تدريجية” لمزاولي المهن الطويلة تتيح تقاعدا في الستين لمن بدأوا العمل قبل سنّ العشرين، وسدّدوا اشتراكات لأربعين سنة.