أيتام الحرب في ليبيا.. حاضر مؤلم ومستقبل غامض

يقولون: “أجمل ما في الحرب نهايتها، ونهاية الحرب السلام”، لكن رغم هذه الحقيقة، فإن جروح الحروب خاصة منها الداخلية بين أبناء الوطن الواحد تستعصي عن الاندمال، وتخلّف تشوها في جدار المجتمع يأبى مغادرة النفوس.

ففي ليبيا خلفت الحرب التي شهدتها البلاد على مدار عشر سنوات، أعدادا كبيرة من الأيتام، قدرتها المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا إلى 120 ألفاً، بحسب الناطق باسم المؤسسة أحمد حمزة.تجاهل شبه تاموأضاف حمزة، أن “فئة الأيتام هي أكثر فئة تضرّرت من الحروب وحركات النزوح واللجوء، هناك من هؤلاء من فقد والديه الاثنين أو أحدهما جراء الاضطرابات وأعمال العنف، وللأسف الدولة تتجاهل ملفهم بشكل شبه تام”.

وشهدت ليبيا في 2011 نزاعا مسلحا بين المعارضة وقوات العقيد معمر القذافي الذي تمت مطالبته بالتنحي عن السلطة بعد 4 عقود قضاها في الحكم.وإثر ذلك تفكّكت الأجهزة الأمنية والعسكرية في ليبيا؛ ما أدى إلى انتشار وتدفق غير مسبوق للأسلحة التي تمّ استجلابها من الخارج لاستخدامها في نزاعات بين مدن، أو بين الأطراف الرئيسية المتنافسة على السلطة.

والتبني مكفول في ليبيا قانونا، لكن العدد الهائل للأطفال أيتام الحرب يجعل من الصعب أن تستجيب هذه الآلية لهؤلاء، ما يبقي المراهنة على الدولة لحل هذه المعضلة.وقال أحمد حمزة إن: ”هذه شريحة لا يمكن تجاهلها، ومع ذلك فإن الدولة والمنظمات غير الحكومية العاملة في ليبيا تتعمّد التهرب من التطرق إلى هذا الملف رغم أنه يهدد بتتبّع هؤلاء الأيتام لمسار الجريمة وغير ذلك، ومع الأسف ليس هناك فقط أيتام الحروب، إذ هناك أيضا أيتام الكوارث الطبيعية مثل الإعصار دانيال”، مطالبا وزارة الشئون الاجتماعية باحتواء هذه الشريحة بأسرع وقت ممكن.

أطفال درنةأطفال درنةالأناضول

ليسوا من أولويات الدولة

ومن جانبه قال الناشط السياسي الليبي، أحمد دوغة، إن: “غياب الدولة هو من أفرز هذه الأرقام من أيتام الحرب وغيرهم، كما أن الانقسام السياسي في ليبيا والذي يتمثل في حكومتين بين الشرق والغرب جعل مثل هذه الملفات ليست من الأولوية بالنسبة للدولة، والأمر نفسه ينطبق على النازحين”.

وكشف دوغة لـ”إرم نيوز” أن “هناك المختلفين سياسيا مع حكومة الشرق صاروا نازحين في المنطقة الغربية، والعكس صحيح، وهو أمر أدى إلى غياب برنامج حقيقي مخصص لمثل هذه المواضيع من الدولة رغم أن كلمة الدولة في حد ذاتها غير موجودة في ليبيا الآن”.

وأكد أن “هناك بعض المنظمات أو الجمعيات الخيرية التي تهتم بهذه الملفات، ولكنها تبقى ضعيفة، ولا تستطيع تغطية كافة هؤلاء جميعا”. مقدرًا أن “الحل يكمن في مساعدة المجتمع الدولي المتدخل في الشأن الليبي، وهذا الشيء غير خاف والجميع على علم به”.

فئة مهمشة

من جهته قال المتحدث السابق باسم المجلس الأعلى للدولة إسماعيل السنوسي، إن “فئة الأيتام في ليبيا من الفئات الضعيفة جدا والمهمشة، وتتعرض إلى تجاهل كبير من مؤسسات الدولة”. مضيفا أنه “ووفقا لأرقام مؤسسة حقوق الإنسان أعتقد أننا نواجه أزمة اجتماعية كبيرة تحتاج إلى وقفة من مؤسسات الدولة الموجودة حاليا”.

وتابع السنوسي لـ “إرم نيوز”، “أن الانقسام السياسي والفساد الذي يتآكل بسببه الاقتصاد، وتحوّل ليبيا إلى ساحة للصراع الدولي من العوامل التي تؤثر على عمل مؤسسات الدولة في هذا السياق”. مضيفا “أن عملها تجاه هذا الملف المعقد يواجه عراقيل، حيث ينبغي أن تكون له الأولوية؛ نظرا لأن هؤلاء الأيتام ليس لهم سند أو من يلتفت إليهم”.

واستنتج السنوسي أن “الأمر يحتاج إلى قوانين وتشريعات جديدة وميزانيات يتم رصدها للتعامل مع الأيتام الذين هم فئة ضعيفة للغاية”.

ولم تتطرق المؤسسات الرسمية الليبية، لا البرلمان ولا حكومتا أسامة حمّاد في الشرق، وعبد الحميد الدبيبة في الغرب، علنا إلى ملف أيتام الحروب.

خلافات أجلت الحل

وأفاد عضو البرلمان الليبي عبد المنعم العرفي بأن مجلس النواب خاض في هذا الملف، وقال إن هناك أطفالا فقدوا أباءهم أو ذويهم معا، وأصبحوا عاجزين عن أعباء الحياة.وأوضح العرفي لـ “إرم نيوز” أن “فشل تنفيذ المصالحة الوطنية تسبّب في تأخّر معالجة ملف الأيتام”، مضيفا “أن البرلمان كان قد خاطب رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبد الحميد الدبيبة إبان ولايته لتنفيذ بنود المصالحة التي تشمل الأيتام والأسرى، سواء أسرى الجيش القابعين في مدن الغرب أو غيرها وإرجاع الموجودين في الخارج”.

وأشار العرفي إلى أن “البرلمان طالب باعتبار كل هؤلاء ضحايا حرب، وتقدم بمقترح قانون يشمل كل هذه النقاط بما في ذلك أيتام الحرب، لكن بكل أسف هناك اختلافات على بعض المصطلحات سواء حول تسمية شهيد أو أيتام الحرب أو غير ذلك؛ ما أدى إلى الفشل في معالجة هذا الملف”.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى