فاتورة الحرب باهظة.. كيف تواجه سوريا الكوارث البيئية؟

عام بعد آخر، تتفاقم الآثار البيئية للحرب في سوريا، حتى باتت تشكل خطرًا أكبر من كارثة الحرب نفسها.
دراسة حديثة نشرتها “جامعة البعث” السورية، أكدت أن معظم هذه الآثار هو امتداد لمرحلة ما قبل الحرب، ولكن لم يلقَ الاهتمام والمعالجة اللازمة، وجاءت الحرب وتبعاتها لتفاقم المشكلات القديمة وتزيد حدتها، ولتنتج أيضًا آثارًا جديدة.
ورغم عمق هذه الآثار وما سببته من كوارث اقتصادية واجتماعية وصحية، لم يتم حتى الوقت الحالي إنشاء قاعدة بيانات تقيّمها، وبالتالي فإنها باقية ومستمرة لعقود حتى وإن توقفت عجلة الصراع اليوم.

صورةلزلزال في سوريا في فبراير 2023رويترز
الكوارث البيئية في سوريا
يأتي التلوث في مقدمة الكوارث البيئية، ففي 2010 أقرت الحكومة السورية بتدهور 59 بالمئة من الأراضي الزراعية نتيجة التلوث، كما تعرض 69 بالمئة من السكان لمستويات عالية من تلوث الهواء..
وبحلول عام 2019 احتلت سوريا المركز 18 عالميًّا في قائمة الدول الأكثر تلوثًا بحسب بيانات تقرير جودة الهواء في العالم، ومن المرجح أن تكون الأرقام أكبر بكثير الآن.
دراسة استقصائية أخرى بعنوان “الآثار البيئية للصراع السوري” خلصت إلى أن سوريا فقدت بالفعل 20.4 بالمئة من غطائها الشجري خلال سنوات الحرب.
وأكدت بيانات حكومية رسمية تدهور نسبة الغابات الطبيعية إلى أقل من 3 بالمئة بتأثير تعاقب فترات الجفاف وانتشار الحرائق المتكررة (في عام 2020 أسفر 621 حريقا عن إتلاف 13 ألف هكتار من الغابات) إضافةً إلى التعدي على الغابات بالاحتطاب والقطع غير القانوني.
بالتزامن مع انعقاد كوب 28، مع توقعات بأن تصبح المنطقة أكثر جفافًا، علت الأصوات التي تقول بأن المشكلات البيئية في سوريا لا تحتمل الانتظار.
كما أن سوء إدارة النفايات (الصناعية والطبية والمنزلية)، وعدم القدرة على ترحيلها في مناطق النزاع أحدث مشكلة بيئية كارثية، وأسهم في انتشار المكبات العشوائية وإنتاج المزيد من النفايات الخطرة والانبعاثات السامة نتيجة التخلص منها بالحرق العشوائي.
وحسب الدراسات أيضًا، عانت سوريا قبل الحرب، من نقص في الموارد المائية، ولعب تغير المناخ دورًا مهمًا في تفاقم الجفاف.
وأثناء النزاع أدى النزوح الداخلي إلى الضغط على مصادر المياه وعدم كفاية إمدادات الصرف الصحي، فضلًا عن مستويات تلوث عالية في مصادرها السطحية والجوفية، الأمر الذي فرض تكاليف عالية على شكل أمراض ووفيات تنقلها المياه.
“التطرف المناخي”
وبالتزامن مع انعقاد القمة العالمية للمناخ في دبي (كوب 28)، مع توقعات نماذج المناخ أن تصبح المنطقة أكثر جفافًا وتسودها درجات حرارة أعلى، علت الأصوات التي تقول بأن المشكلات البيئية في سوريا لا تحتمل الانتظار، وهي بحاجة إلى برنامج كامل ومتكامل، خاصة وأن كل المنظمات الدولية تنصلت عن دعمها لسوريا بيئيًّا.
عامل في مصفاة سوريةعامل في مصفاة مؤقتة تستخرج الوقود من النفايات البلاستيكية عن طريق حرقها باستخدام طرق التقطير لإنتاج الوقود السائل والغازي في دوما المحاصرة. © EPA/محمد بدره
وكانت سوريا التي انضمت إلى اتفاقية باريس للمناخ العام 2017، وأعدت برامج تنموية وتوعوية لتخفيف انبعاثات الغازات الدفيئة، حاولت عبر مشاركتها في المؤتمر إيصال صوتها إلى العالم بالتحديات البيئية التي تواجهها ولاسيما استيلاء المجموعات الإرهابية على خطوط وآبار النفط وحرقها وتكرير النفط بطرق بدائية.
الاحتباس الحراري والغازات الدفيئة
وفي هذا السياق، قال الباحث السوري قاهر أبو الجدايل: “رغم أن سوريا لا تعد مصدرًا أساسيًّا لانبعاثات الغازات الدفيئة، وبالتالي ليست من الدول المؤثرة في ظاهرة التغير المناخي مقارنة بدول أخرى، إلا أنها خطت خطوات لا بأس بها في سبيل خفض مستوى التلوث للمساعدة في معالجة الاحتباس الحراري، ومنها التشجيع على تركيب أنظمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، ونشر ثقافة الترشيد للطاقة”.
وأوضح أبو الجدايل أنه “من المتوقع بحلول عام 2030 أن يصل استخدام الطاقات المتجددة إلى 10 بالمئة من نسبة إنتاج الكهرباء عمومًا، في حال توفر الدعم الحقيقي من المانحين الدوليين”.

الباحث السوري قاهر أبو الجدايل
واستطرد أبو الجدايل: “في الواقع كان للحرب من حيث الاحتباس الحراري وجهان. الأول، سلبي، أضعف قدرة الحكومة الوطنية على دعم مشاريع الطاقة المتجددة والنظيفة للقطاعين العام والخاص. والثاني إيجابي، إذ وضع الحكومة والمؤسسات العامة والخاصة على المحك للتعامل مع فقدان مصادر الطاقة الأحفورية واللجوء إلى الطاقة البديلة والمتجددة”.
وقال اختصاصي الفيزياء النووية إنه “لا شك أن الحرب أثرت أيضًا وبشكل كبير على دمار البنية التحتية، كما أضعفت الدخل القومي ومصادر الطاقة، ودخل الأفراد والمؤسسات، كما أثرت على الإنتاج الزراعي والصناعي، وانحسار الغطاء النباتي الحراجي من 17 إلى 3 بالمئة، الأمر الذي أدى قولًا واحدًا، إلى خسارة رئة حيوية للمنطقة، وخلخلة في المناخ المحلي من حيث الرطوبة والغطاء النباتي المهم للتنوع الحياتي”.
