أخاف الخروج بمفردي.. هاجس اليمنيات المستمر منذ حادثة السمة بصنعاء

‘لا أستطيع الخروج بمفردي، ولم أعد أستخدم الباصات في تنقلي بين المنزل والجامعة إلا بوجود أحد معي’، تصف أسماء عبدالكريم (21 عاما) حالة الرُهاب، التي أصابتها منذ حادثة وفاة الطالبة في كلية التجارة بجامعة صنعاء، بثينة السمة، بعد قفزها من باص أجرة في جسر المدينة بصنعاء، إثر تعرضها للتحرش بالقوة من سائق الباص وصديقيه في الرابع من سبتمبر الماضي.

حالة الرهاب والخوف من مصير ‘السمة’ واجهتها كثير من الفتيات اللواتي اضطررن إلى اتخاذ وسائل بديلة في تنقلاتهن وتجنّب الركوب في وسائل النقل بمفردهن، رغم مرور أكثر من خمسين يوما على الحادثة.

– مصائر مخيفة للضحية

بالنسبة لـ أسماء -طالبة في جامعة صنعاء- فإنّ للخوف المتزايد في صفوف الفتيات ما يبرره، خصوصا في ظل تنامي معدلات الجريمة بشكل عام، وجرائم التحرش بشكل خاص. تقول لموقع “بلقيس” إن هذه الحادثة ليست الأولى من نوعها، بل هذه الثانية التي تتم بالطريقة نفسها خلال عام ونصف، في إشارة إلى حادثة وفاة الشابة رباب بدير، التي توفيت إثر حادث مشابه لحادثة السمة في مدينة يريم في حزيران/يونيو ٢٠٢٢.

وتضيف: “بعد هذه الحوادث، وهذا الفساد القيمي الذي نراه، وعدم وقوف المجتمع وقفة جادة في وجه من يفسدون قِيَمه، ويهددون أمن بناته ونسائه، فكل يمنية ستكون هي الضحية التالية”.

وترى الناشطة الاجتماعية ريم عبدالخالق أن حالة الخوف متنامية لدى النساء، وتظهرُ جلية في المجموعات النسائية اليمنية على مواقع التواصل؛ مثل “فيسبوك”، حيث يتشاركن قصصهن مع الحوادث، ويبدين مخاوفهن بأريحية، ويتبادلن النصائح، مبيّنة أنها انعكاس طبيعي لواقع لوَّثته الحرب، وملأت ساحته الجريمة.

وتضيف: ‘من الطبيعي أن تخاف النساء من أحداث كهذه، لأن المرأة حال وقوعها في حدث كهذا، فإن كل المصائر والاحتمالات الناتجة عن التحرش والاختطاف مؤذية لها، ورغم بشاعة الجريمة والمآل المؤسف للشهيدة بثينة السمة، يمكن القول إنّها خرجت بأخفِّ الأضرار، وهي حياتها، وذلك بالنسبة للمرأة اليمنية أهون من أن ينتهك عرضها، أو تعرضها للاغتصاب، والعيش بصدمة نفسية سترافقها العمر كله، وتفسد حياتها’.

– المجتمع.. تضامن لا أكثر

من جانبها، تحاول مريم عبدالله (29 عاما) تجنّب الخروج من منزلها منفردة، مؤكِّدةً على حالة الخوف اليومي، الذي تعانيه بشكل يومي، وفي كل مرة تِضطر فيها للخروج، بقولها لموقع “بلقيس”: ‘حالة رعب حقيقي أعيشها في كل مرة أضطر للخروج فيها، سواء لمشوار قريب أم بعيد، الخوف هو الخوف والغرباء جميعهم مجرمون محتملون بالنسبة لي من بعد هذه الحادثة’..

ويعزّزُ اكتفاء المجتمع بالقليل من التضامن الآني من خلال المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي حالة الخوف لديها، وأنّ هذه الجرائم ستتزايد ما لم يكن هناك وقوف حازم وعقوبات مشددة.

وبينما يرتفع منسوب الجريمة، ويستمر تفاعل المجتمع في مستواه الكتفي بالانفعال اللحظي في ظل غياب الدولة والقانون معاً، ‘سيظل الخوف هاجسا يؤرق المرأة اليمنية خصوصا أنها الخاسر الأوحد في كل حال، وأنها تعيش في مجتمع قد يتسامح مع الجاني؛ لكنه لا يتساهل مع الضحية، بل ويضيف للجريمة بُعداً آخرَ تتحمّله الضحية، سواء نجت أم لم تنجُ، سيلصقُ بها العار ما عاشت’، بحسب ريم عبدالخالق.

– القانون.. وإهمال التحرش

تتعدد حالات وصور التحرش الجنسي في القوانين، منها: التحرش اللفظي وغير اللفظي، والجسدي والابتزازي والالكتروني، لكن القانون اليمني لا ينُص بشكل واضح على تجريم التحرش الجنسي، ولم يحدد عقوبته، لكن عقوبته تدرج ضمن عقوبات الأفعال المشابهة المحددة تحت مسمى جرائم “هتك العرض”، في المادتين ٢٧٠ و٢٧١، وكذلك جرائم الفعل الفاضح المخلّ بالحياء في المادة ٢٧٣، التي تنص على: الفعل الفاضح المخِلّ بالحياء هو كل فعل ينافي الآداب العامة أو يُخلُّ بالحياء، ومن ذلك التعرِّي، وكشف العورة المتعمد، والقول والإشارة المخل بالحياء والمنافي للآداب، كما تنص المادة (٢٧٤) على: ‘يعاقب بالحبس لمدة لا تزيد عن ستة أشهر أو بالغرامة من أتى فعلاً فاضحاً علنيا، بحيث يراه أو يسمعه الآخرون’.

بينما تحدد المادة (٢٧٥) عقوبة من أتى فعلاً فاضحا مع أنثى بغير رضاها بالحبس مدة لا تجاوز السنة، أو الغرامة التي لا تتجاوز ألف ريال.

وفيما يرى ناشطون وحقوقيون أن المشرّع اليمني أهمل جريمة التحرش الجنسي، ولم يُخصص لها نصا واضحا، يطالبون بتعديل القانون بما يضمنُ تشديد عقوبة التحرش الجنسي ليشكل رادعاً في وجه المتحرشين، خصوصا في ظل تزايد نسبة جرائم التحرش والابتزاز، وغيرها من الجرائم التي تنافي قِيم الدين وعُرف المجتمع.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى