بقلم/شيماء المرزوقي
طبيعة الحياة المعاصرة يغلب عليها الصخب والضجيج، وتكثر فيها الهموم والضغوط والمهام والأشغال المتوالية التي لا تكاد تتوقف، ويصبح الإنسان فيها كأنه في حلقة لا تنتهي، وتتلبسه حالات من الملل أو الإرهاق الجسدي والنفسي.
مع مثل هذه الضغوط الحياتية، قد يختار البعض الانعزال، وكأنه يتوقف، كأنه يطلب محطة يستريح فيها لبعض الوقت، ينعزل عن محيطه وعن همومه، ويبتعد عن الروتين، ويتوقف عن الركض، وهذه الحالة قد يفسرها البعض بأنها هربٌ من الواقع، أو تملص من الواجبات، وابتعاد عن تنفيذ المهام المنوطة، ولكن وصفها بهذه الطريقة ليس دقيقاً، كونها حالة قد تمر بأي واحد منا، وهي بمكانة الإجازة، أو الفرصة لإعادة الشحن للطاقة، وتجميع الأفكار، والهدوء لبعض الوقت. لذا، الانعزال ليس هرباً من الواقع بقدر ما أنه قد يكون محاولة لاستعادته.
ميل الإنسان إلى الانفراد بالنفس رصده علماء النفس، وصنفوه، وأطلقوا عليه مسمى: «العزلة الإيجابية»Positive Solitude. وهناك دراسات وبحوث في هذا المجال متعددة بينت أن الإنسان الذي يخصص وقتاً منتظماً للجلوس مع الذات، هو في الحقيقة يعزز من صحته النفسية، ويخفض من مستويات القلق، ويزيد من قدرته على التركيز والإبداع.
هناك من يشبّه عقل الإنسان، تحديداً، بالعضلات التي تحتاج إلى أوقات للراحة، وأن العقل هو أيضاً يحتاج للهدوء، أولاً لنسمح له بتنظيم وترتيب الأفكار والمعلومات، وثانياً ليستعيد قوته ونشاطه بعد أيام من الركض المتواصل وبذل الجهد الجسدي والذهني في مهام حياتية لا تتوقف.
المشكلة أن هناك سوء فهم لهذه الحالة التي قد نحتاجها جميعاً، حيث يفسر المقربون رغبة الانفراد بالنفس تفسيرات خاطئة، خاصة بين الأزواج، أو مع الأصدقاء المقربين، ونحوهم، فقد يتم اعتبار الانزواء لبعض الوقت والانفراد جفاء أو تجاهلاً، أو تمهيداً للابتعاد، بينما الواقع أن هناك حاجة للهدوء الذهني، ولا علاقة للموضوع بضعف الروابط، أو فقدان الشعور بالحب.
ومع الأسف أن كثيراً من العلاقات، سواء بين الأزواج أو حتى بين الأصدقاء المقربين، تنهار بسبب عدم تفهم هذه الحاجة، وعدم منح مساحة للانفراد.
يحدث مثل هذا الانهيار في العلاقات، بينما حالة الجلوس مع النفس تعد من أرقى وأهم ملامح النضج، لأنها تنم عن وعي بالحاجة لترميم النفس ومحاولة استعادة التوازن، ويفترض من المقربين التفهم والدعم، وليس العكس.
متابعات