بقلم/شيماء المرزوقي
واقعنا الحياتي الذي نعيشه، يبين بما لا يجعل مجالاً للشك أن عقولنا تتعب، وتصاب بالإرهاق، تماماً كما تتعب الأجساد. في هذا العصر، تحديداً، تتزايد المعلومات، وتتنوع وسائل ضخ هذا الكم الهائل من المعلومات، وبالتالي، نحن نضع عقولنا في زاوية محددة منذ الاستيقاظ حتى العودة للخلود إلى النوم، وكأنها في حالة من الحركة من التفكير والاستنتاج والمعالجة، والمشكلة الأكبر أن معظم تلك المعلومات لا حاجة لها، ولا يوجد أي مردود إيجابي لها، وكل ما يحدث أنها ترهق العقل، وتبعده عن التركيز على المفيد والإيجابي لنا.
عند التفكير بواقعنا اليومي، سنجده محملاً ويحيط به سيل جارف من المعلومات عبر الشاشات والمنصات بلا انقطاع. حتى ونحن نغط في نوم عميق، تتواصل الرسائل والإشعارات والأخبار والمقاطع المصورة… إلخ، ولا شيء يتوقف، أو يتم تأجيله، أو يصمت، بل هناك ضجيج إما في المكان، وإما داخل عقولنا. ومع مثل هذه الحالة تتعرض عقولنا لما يمكن تسميته بالإجهاد المعلوماتي، وهو نوع من الإرهاق الذهني الذي يحدث بسبب هذا الكم المعلوماتي، دون منح العقل فرصة للمعالجة والاستنتاج والقيام بوظيفته في التحليل والتنظيم.
أظهرت دراسة من جامعة Pitié‑Salpêtrière «أن العمل العقلي المكثف لفترات طويلة يؤدي إلى تراكم المواد السامة مثل الغلوتامات في قشرة الفص الجبهي، ما يدفع العقل لاختيار المهام الأقل جهداً حفاظاً على نشاطه، في ظاهرة أطلق عليها الإرهاق الذهني». يمكن الاطلاع على تفاصيل أخرى حول هذه الظاهرة ولعل السؤال البديهي الذي يطرح: كيف يمكننا أن نجنب عقولنا هذا التشتت، وهذا الإرهاق؟ ولعل أول خطوة يمكن أن تتم في هذا السياق هي التصفية، بمعنى أن يتم ضبط وتيرة الاستهلاك المعرفي، وهذا يتم من خلال تحديد أوقات للاطلاع على الأخبار أو عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضاً تخصيص أوقات للهدوء والصمت، والابتعاد عن الضوضاء الرقمية تحديداً. وهناك من يوصي بالتأمل عبر التنفس العميق أو التأمل الواعي، حيث يساعد على تهدئة الضجيج الداخلي، وتصفية الذهن.
العقل يحتاج إلى غذاء، ليس معرفياً وحسب، بل نفسياً وعاطفياً أيضاً، مثل تقدير الذات، الحوار البناء، النوم العميق، الضحك، العلاقات الداعمة، مثل هذه الجوانب، تعطي العقل التوازن والقوة، وأيضاً الاستمرار بمهارة.
لنهتم بعقولنا، ونمنحها التوازن، ومساراً من الصفاء، وعدم التشتت، والتركيز على كل ما هو مفيد لنا الآن ومستقبلاً.
متابعات