الهدوء الذي يسبق العاصفة(هدنة اليمن)

في تطور مهم في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ تسع سنوات،وصل وفد من المتمردين الحوثيين إلى العاصمة السعودية الرياض، في 15 سبتمبر 2023، لتوقيع اتفاق يتضمن وقفا لإطلاق النار وحلولا لقضايا إنسانية واقتصادية أخرى، في تطور بارز في الحرب الأهلية اليمنية المستمرة منذ تسع سنوات.

شهد اليمن هدوءا نسبيا منذ سريان الهدنة التي توسطت فيها الأمم المتحدة في أبريل 2022. وقد توقفت الغارات الجوية والهجمات العابرة للحدود. وشهدت الفترة نفسها انخفاضا في القتال البري.

وفي شهر أبريل 2023، زار السفير السعودي صنعاء، عاصمة اليمن التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون منذ العام 2014، والتقى بقادة حوثيين رفيعي المستوى. وعملت هذه التطورات جنبا إلى جنب مع الانفراجة السعودية- الإيرانية،التي توسطت فيها الصين في مارس 2023،3، على تجديد التفاؤل في أوساط المجتمع الدولي بأن الظروف تمشي لصالح التوصل إلى حل سلمي للصراع في اليمن.

وتحت قشرة خفض التصعيد،، تطفو على السطح توترات متصاعدة مختلفة بشكل متزايد. وكانت المفاوضات بين القيادتين السعودية والحوثية استبعدت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، والمعروفة باسم مجلس القيادة الرئاسي. وينظر الحوثيون إلى تنازلات الرياض كدليل على انتصارهم العسكري، وقد كانوا مصرِّين على بسط سيطرتهم على جميع أنحاء اليمن. بالإضافة إلى ذلك، يتصاعد الصراع بالوكالة الخفي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن، مما يضيف عقدة أخرى إلى الصراع المعقد مسبقا.
يبدو أن هذه العوامل المتلاقية تضع الأساس للعاصفة الكاملة.

– صفقة يائسة بمثابة وصفة للفشل

إن التحول الواضح في نهج المملكة العربية السعودية تجاه الصراع اليمني متجذر في الشعور بالحاجة الملحة، مدفوعا بإدراك أن تدخلها الذي دام ثماني سنوات قد فشل. لم يتحقق أي من أهداف الرياض المعلنة المتمثل بإنهاء انقلاب الحوثيين وإعادة الحكومة اليمنية الشرعية إلى السلطة في صنعاء. بالإضافة إلى ذلك، أدار الحوثيون، الذين استفادوا من تشرذم أعدائهم، حملة عسكرية فعالة بدعم من طهران تنامت إلى تهديد أكبر للأمن السعودي.

 نفذ الحوثيون، بين عامي 2015 و2022، ما يقرب من 1000 هجوم صاروخي و350 غارة بطائرات بدون طيار؛ استهدفت البنية التحتية السعودية الرئيسية مثل المنشآت النفطية والمطارات والمنشآت العسكرية داخل الأراضي السعودية. أجبرت هذه الهجمات المستمرة الرياض على إعادة النظر في أولوياتها في اليمن من أجل حماية حدودها من هجمات الحوثيين المستمرة. وفي نهاية المطاف، سعت المملكة العربية السعودية إلى الانسحاب الكامل من الصراع، الذي أصبح صارفا للانتباه غير ضروري  لمشروع رؤية 2030 لمحمد بن سلمان، ويخاطر بتقويض تطلعات المملكة إلى إعادة تعريف نفسها كمدافع عن السلام على الساحة العالمية.

لسوء الحظ، تشير التطورات الأخيرة إلى أن حرص المملكة العربية السعودية على تبني نهج جديد قد زاد من جرأة الحوثيين. وافق السعوديون على طلب طهران بالإعلان عن استعادة العلاقات الدبلوماسية قبل أن توقف إيران دعمها للحوثيين. وفي فبراير 2023، قدم السعوديون بادرة حسن نية من خلال الغاء آلية التفتيش البحري في البحر الأحمر، التي أنشأها التحالف في العام 2015 لمنع شحنات الأسلحة إلى الحوثيين، وبذلك رفعت القيود المفروضة على السفن القادمة إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون.

وبحلول شهر مارس 2023، كان الميناء يستقبل السفن التجارية بانتظام.
وقد فسر الحوثيون هذه التنازلات الأحادية الجانب على أنها علامة على أنهم انتصروا في الحرب، التي يعتبرونها بأنها تقدمهم، باعتبارهم الممثلين الشرعيين الوحيدين لليمنيين، ضد المملكة العربية السعودية المدعومة من القوى الغربية. ومما زاد الطين بلة، أن السعوديين يواصلون تهميش الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، مجلس القيادة الرئاسي، وإبقائه في الظل بينما يتابعون المفاوضات مع الحوثيين. وقد مكن ذلك الحوثيين من تنفيذ المزيد من الممارسات التي تزيد من إضعاف موقف الحكومة اليمنية.

وفي حين وعد السعوديون بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، فقد قاموا بحجب ثلاثة مليارات دولار أمريكي من المساعدات التي وعدوا بتقديمها للحكومة اليمنية عند تشكيل المجلس الرئاسي في أبريل 2022. وقد حد ذلك من قدرة الحكومة اليمنية على تقديم الخدمات في الأراضي التي تسيطر عليها، مما زاد من تقويض شرعيتها. وبينما أراد السعوديون دفع رواتب الموظفين الحكوميين على شكل منحة للحوثيين، طالب الحوثيون بدفع مبالغ مباشرة لهم من عائدات النفط والغاز اليمنية.

حيث طالب الحوثيون بإعادة توزيع عائدات النفط على المستوى الوطني وعلى مستوى المحافظات على أساس موازنة العام 2014، والذي يعني أن 70 إلى 80 في المئة من جميع عائدات النفط تذهب إليهم.
إن السيطرة على عائدات النفط والغاز الوطنية ستوفر للحوثيين موارد مالية أكثر استدامة من المنحة التي ستقدمها الرياض لمرة واحدة. والأهم من ذلك، أنها ستعزز قوتهم التفاوضية على حساب شرعية الحكومة اليمنية. وهذا يغذي هدفهم العام، وهو الحصول على اعتراف دولي.

وبغرض إجبار السعوديين على الوفاء بالتزاماتهم، شن الحوثيون حربا اقتصادية مشينة ضد الحكومة اليمنية. وطوال شهري أكتوبر ونوفمبر 2022، نفذ المتمردون سلسلة من الهجمات التي استهدفت موانئ بحرية رئيسية في الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة لتركيع الحكومة اليمنية.
وقد أجبرت هذه الهجمات الحكومة على وقف صادرات النفط، التي كلفت الحكومة مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو 65 في المئة من إيراداتها في تلك الفترة.
وما زاد الطين بلة، بدأت السفن التجارية بإعادة توجيه مساراتها بعيدا عن ميناء عدن البحري في الجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة نحو ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون، متجاوزة بذلك عملية التفتيش الحكومية.

حدث ذلك بعد أن حذرت حكومة الحوثيين الشركات من أنها لن تتمكن من العمل في الشمال، حيث يتواجد معظم عملائها، إذا اختارت أن ترسو بضائعها في مرفأ عدن بدلا من الحديدة.
وقد حرمت هذه الخطوة الحكومة اليمنية من حوالي نصف الضرائب وعائدات الجمارك التي تجمعها بالعادة. وفي يونيو 2023، حظر الحوثيون أيضا واردات غاز الطهي من منطقة مأرب التي تسيطر عليها الحكومة، من خلال استبدال الغاز المحلي بغاز طهي أكثر تكلفة يتم استيراده عبر ميناء الحديدة البحري، ما أدى إلى تآكل الإيرادات الحكومية بشكل أكبر.

وفي حين توقفت الغارات الجوية السعودية وهجمات الحوثيين العابرة للحدود، يواصل الحوثيون حشد قواتهم وتجنيد المقاتلين.

ففي صيف العام 2023، أجروا تدريبات عسكرية بالقرب من الخطوط الأمامية للقتال، وشنوا هجمات استهدفت القوات المتحالفة مع الحكومة في محافظات تعز ومأرب وشبوة والضالع ولحج. وفي يونيو 2023، نظم الحوثيون عرضا عسكريا كبيرا بالقرب من تعز شارك فيه 10000 مجند حوثي في استعراض لقوتهم. وقد هدفت هذه التحركات لتذكير السعوديين بأنهم في خطر إذا فشلوا في الرضوخ لمطالب الحوثيين. وقال رئيس المجلس السياسي الأعلى للحوثيين، مهدي المشاط، مخاطبا الحاضرين في العرض العسكري قرب تعز: إن العدو خسر و”سيخسر”، كاشفا أن جماعته ستستخدم “الأسلحة الإستراتيجية” في الفترة المقبلة “لإجبار العدو على وقف مؤامراته”.

وفي خطاب متلفز في وقت سابق من شهر مارس 2023، حذَّر زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، التحالف الذي تقوده السعودية من أن الحوثيين “قادمون [لهم] بترسانة صواريخ فتاكة بعيدة المدى”، وطائرات مسيرة متطورة “ستجوب سماء المعتدين دون أن يتم اكتشافها”، “وقدرات بحرية وبرية ستصل إلى كل هدف في البحر الأحمر، وخليج عدن وبحر العرب وجميع الجزر”. وبالمثل، حذر وزير دفاع الحوثيين من “العدوان” (وهو مصطلح يستخدمه الحوثيون للإشارة إلى التحالف الذي تقوده السعودية وداعموهم الغربيون) من أن “قدراتنا العسكرية تتطور كل يوم.

وأضاف: كل يوم وكل ساعة تجلب لنا المزيد من التطوير العسكري والمزيد من التجنيد والاستعداد العالي”.
وحث التحالف مهددا ب”اغتنام الفرصة” التي عرضها زعيم الحوثيين، وهي إنهاء التدخل العسكري للتحالف، ومغادرة اليمن، والاعتراف بالحوثيين باعتبارهم السلطة الشرعية الوحيدة في اليمن، والالتزام بحزمة تعويضات وإعادة إعمار كبيرة.
“عودوا إلى رشدكم قبل أن تدفعوا الثمن… ستكون التكلفة مرتفعة للغاية ومؤلمة للغاية. لا تستمروا في اختبار صبرنا الإستراتيجي”. كما هدد نائب رئيس الوزراء الحوثي لشؤون الدفاع والأمن بتدمير التقدم المحرز في رؤية السعودية 2030 من خلال استئناف الهجمات العابرة للحدود التي تستهدف الموانئ السعودية.

– تعزيز الحوثيين لسلطتهم العسكرية والاقتصادية

وفي ظل استمرار تآكل شرعية الحكومة، ما يزال الحوثيون ملتزمين بتعزيز تطلعاتهم. وكجزء من “محور المقاومة” الإيراني، يستعد الحوثيون للقتال للسيطرة على اليمن بهدف تحرير مكة المكرمة والمدينة المنورة، وفي نهاية المطاف، القدس. وتحقيقا لهذه الغاية، عكفوا على بناء دولتهم البوليسية الدينية بشكل منهجي.
وكان تركيز الجماعة منصبا على بناء قدراتها العسكرية وتجنيد المقاتلين. وتشير التقديرات إلى أن الحوثيين تمكنوا من تجنيد 130 ألف مقاتل على مدار الحرب، معظمهم من أفقر شرائح المجتمع.

وفي نواة آلية الحرب الحوثية، يوجد مجلس جهادي يقوده الزعيم العام للجماعة، عبد الملك الحوثي، المدعوم من كل من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني وحزب الله. وينطوي أحد العناصر المحورية في استراتيجية الجماعة لبناء النفوذ داخل اليمن، على استهداف الأطفال والشباب بشكل منهجي بالتلقين الديني والطائفي المستوحى من الثورة الإيرانية.  
أجرى الحوثيون ما يقرب من 500 تعديل على المناهج الدراسية في اليمن لتعزيز أيديولوجيتهم، لا سيما فكرة الحق الإلهي في الحكم على أساس نسب عائلة الحوثي، التي يزعمون أنها ترتبط بسلالة النبي محمد. ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وضغط الأقران، واستغلال الفقر، وتحويل المساعدات، تمكن التنظيم من جذب مئات الآلاف من الطلاب إلى مخيماته الصيفية السنوية. بالإضافة إلى التعليم الديني، توفر هذه المعسكرات التدريب القتالي الأساسي. وتحت شعار “التعلم والجهاد”، أطلق الحوثيون حملة هذا العام تهدف إلى تجنيد 1.5 مليون طفل في مخيماتهم الصيفية.

تمكن الحوثيون من الحفاظ على عملياتهم من خلال إنشاء مصادر تمويل مختلفة. وبحسب فريق خبراء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعني باليمن، “يواصل الحوثيون السيطرة على مصادر الإيرادات القانونية وغير القانونية، أي الجمارك والضرائب والزكاة والإيرادات غير الضريبية والرسوم غير المشروعة” لإثراء أنفسهم والحفاظ على أنشطتهم. كما يجمع الحوثيون الأموال من خلال “استخدام التهديد بالعنف والممارسات التنظيمية القسرية. ويشمل ذلك تحصيل الرسوم والجبايات غير القانونية من القطاعات الاقتصادية المدرة للدخل مثل النفط والاتصالات السلكية واللاسلكية”. عندما استولت الجماعة على صنعاء في العام 2014، سيطرت على الشركات المملوكة للدولة والمؤسسات شبه الحكومية التي تشكل مجتمعة 95 في المئة من إيرادات الدولة.

خلال السنة الأولى من الحرب، استولى الحوثيون على خمسة مليارات دولار أمريكي و500 مليار ريال يمني (بما يعادل ملياري دولار أمريكي في ذلك الوقت) من البنك المركزي اليمني، إضافة إلى جمع الودائع من البنوك المحلية.
وفي العام 2019 وحده، حوّل الحوثيون 1.8 مليار دولار كانت مخصصة للإيداع في خزائن الحكومة اليمنية لتغطية دفع الرواتب وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

في الوقت الحاضر، يسيطر الحوثيون على 70٪ من إجمالي عائدات الضرائب في اليمن، بما في ذلك الجمارك والرسوم. ما تزال صنعاء المركز الاقتصادي الرئيسي لليمن، حيث تضم 17 بنكا من أصل 18 بنكا تعمل في البلاد ومقرها في المدينة، وبالتالي فهي تحت سيطرة الحوثيين فعليا. كما تتخذ شركات أخرى مختلفة من صنعاء مقرا لها، بما في ذلك شركات الصرافة، وهيئة الطيران المدني، وشركات الاتصالات والإنترنت الرئيسية في اليمن.

وتشكل العقارات مصدرا رئيسيا آخر لإيرادات الحوثيين، إذ صادرت الجماعة ولا تزال تستولي بالقوة على مساحات شاسعة من الأراضي في المناطق التي تسيطر عليها.
وفي العام 2017، أنشأ الحوثيون ما أسموه “لجنة تحديد ومصادرة الأصول المملوكة للخونة”، التي استولت على ممتلكات وأصول 1223 يمنيا معارضا للجماعة.

وفي العام نفسه، أنشأت المحكمة الجزائية المتخصصة التي يسيطر عليها الحوثيون “الحارس القضائي”، الذي كلف بمصادرة ممتلكات وأصول خصوم الحوثيين الذين فروا من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون. وصادرت هذه اللجنة أصول مئات السياسيين والمعارضين المحسوبين على الحكومة اليمنية. وفرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والولايات المتحدة عقوبات على “الحارس القضائي”، صالح الشاعر، في نوفمبر 2021 لتورطه في أعمال تهدد السلام والأمن والاستقرار في اليمن.

على مدى السنوات القليلة الماضية، عزز الحوثيون سيطرتهم على القطاع الخاص.
وثقت منظمة سام للحقوق والحريات، وهي منظمة يمنية لحقوق الإنسان مقرها جنيف، أكثر من 38 شركة كبيرة وجامعة ومستشفى صادرها الحارس القضائي في صنعاء وحدها بين العامين 2014 و 202١.
كما عدل الحوثيون قانون الضرائب والجمارك اليمني، وشكلوا سبع نقاط تفتيش جمركية جديدة على طول الحدود غير الرسمية بين الشمال الذي يسيطر عليه الحوثيون، والجنوب الذي تسيطر عليه الحكومة.  قاموا من خلالها بزيادة فرض الضرائب إلى أكثر من 30٪ على الواردات البرية إلى أراضيهم. كما أغلق الحوثيون أكثر من 520 مؤسسة تجارية ومالية لرفضها دفع هذه الرسوم.

 فخلال العام 2021 وحده، قدم الحوثيون 2300 رجل أعمال إلى المحكمة، واحتجزوا 50 منهم. وبالمثل، في يونيو 2023، داهم الحوثيون مقر اتحاد الغرفة التجارية الصناعية اليمنية في صنعاء، الجهة المسؤولة عن تعزيز دور القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية، بعد أيام من إصدار الاتحاد بيانا يدين حملة الحوثيين على القطاع الخاص. ثم أقال الحوثيون قادتهم واستبدلوهم بالموالين لهم، ما عزز سيطرتهم فعليا على القطاع الخاص. وكذلك، سيفيد تحويل الشحنات التجارية مؤخرا إلى ميناء الحديدة بشكل أساسي الشركات التي يملكها الحوثيون.

الضرائب غير القانونية هي مصدر مهم آخر للإيرادات للحوثيين. تضطر الشركات المحلية والمزارعون وحتى الباعة المتجولون إلى دفع ضرائب تعسفية للمساهمة في “نصيبهم” لدعم ما لا يقل عن ستة احتفالات دينية وسياسية للحوثيين. في شهر أبريل 2020، سن الحوثيون نظاما جديدا يفرض ضريبة الخمس على العديد من الأنشطة الاقتصادية التي تشمل الموارد الطبيعية. ووفقا لهذه اللائحة، يجب أن تذهب 20 في المئة من عائدات هذه الأنشطة إلى أهل البيت (يشار إليهم أكثر باسم الهاشميين)، وهو مصطلح يشير إلى أولئك الذين يدعون النسب المباشر إلى النبي محمد، والتي تشمل عائلة الحوثيين وقيادة الجماعة على مختلف المستويات. ومنذ ذلك الحين، توسع تطبيق الحوثيين لضريبة الخمس ليشمل نطاقا أوسع من النشاط الاقتصادي.  بما في ذلك التحويلات المالية والعقارات والمعاملات التجارية والميراث، على سبيل المثال لا الحصر.

كما يحول الحوثيون المساعدات الإنسانية الدولية لصالحهم. فمن خلال المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي يديره أفراد يختارهم زعيم الحوثيين، تجبر الجماعة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية على العمل من خلال المنظمات المحلية التابعة للحوثيين واستخدام خدمات مثل شركات تأجير السيارات والمقاولين الأمنيين التي يملكها قادة الحوثيين.

وتشير التقارير إلى أن الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تدفع الرواتب بالدولار الأمريكي كشكل آخر من أشكال الدعم للمجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية مقابل الإذن بتنفيذ برامج المساعدات.

ويستفيد الحوثيون من اقتصاد الحرب المزدهر، حيث يجنون حوالي 30 مليار ريال يمني (حوالي 54 مليون دولار) شهريا من خلال بيع النفط في السوق السوداء. وقد دفعت هذه التجارة المربحة الحوثيين إلى إصدار تراخيص لأكثر من 175 شركة نفط يملكها قادة الحوثيين. بالإضافة إلى ذلك، حققت الجماعة ما يقرب من مليار دولار أمريكي من عائدات تجارة المخدرات في العام 2022 وحده، وفقا لبعض التقديرات، حيث تلقى الحوثيون مؤخرا معدات لتصنيع الكبتاغون في اليمن. وبالإضافة إلى ضعف خصوم الجماعة،  فقد عززت تدفقات التمويل المختلفة هذه بشكل كبير القوة المالية للحوثيين ومكنتهم من مواصلة عملياتهم.  

– التوتر السعودي الإماراتي يغذي التشرذم في الجنوب

في حين يبدو أن الحوثيين استفادوا من التقارب السعودي – الإيراني، يستمر موقف الحكومة اليمنية في الضعف بسبب التوتر المتزايد بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في الجنوب. وتتنافس القوتان على السيطرة على جنوب اليمن منذ بدء تدخلهما العسكري المشترك في عام 2015. خلال السنوات الأولى من الحرب، شكلت الإمارات العربية المتحدة مجموعة من القوات المسلحة في الجنوب تعمل خارج سلسلة قيادة الحكومة اليمنية. كما تدعم الإمارات المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو هيئة انفصالية تريد استعادة السيطرة على أجزاء من البلاد كانت تشكل فيما مضى دولة جنوب اليمن المستقلة قبل الوحدة مع الشمال في عام 1990.

خفضت الإمارات العربية المتحدة من عملياتها في اليمن في عام 2019. ومع ذلك، وكما يوضح إبراهيم جلال، تحولت من الانخراط المباشر إلى الانخراط غير المباشر في البلاد، معتمدة على وكلاء وحلفاء محليين يسيطرون على معظم المناطق في الجنوب، بما في ذلك العاصمة عدن. وقد سمح ذلك للإمارات بالحفاظ على نفوذها والعمل على تحقيق طموحها الاستراتيجي المتمثل في توسيع بصمتها الجيوسياسية في البحر الأحمر.

وعلى النقيض من ذلك، يدعم السعوديون الحكومة اليمنية، إلا أن دعمهم العسكري للحكومة ظل غير كاف وغير متسق. وقد أعاق هذا القصور قدرة الحكومة اليمنية على تنفيذ حملة عسكرية ناجحة، استفاد منها الحوثيون عن غير قصد. وعلى عكس الإمارات العربية المتحدة، بقي السعوديون غير منخرطين إلى حد كبير بالعمليات البرية وركزوا بشكل أساسي على الضربات الجوية. غالبا ما فضل السعوديون لعب دور “الوسيط”، وهو خيار يضعهم في وضع معيق. والجدير بالذكر أنه في أغسطس 2019 ، طرد حلفاء الإمارات الجنوبيون الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية من عدن. كان لهذا الحدث تأثير ضار على قدرة الحكومة على العمل.

رد السعوديون على ذلك بالضغط على الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي للتوقيع على اتفاق الرياض في نوفمبر 2019. ويهدف الاتفاق إلى وقف الأعمال العدائية، ووضع ترتيبات لتقاسم السلطة، ودمج القوات المسلحة تحت سلطة الحكومة اليمنية. وقد واجه تنفيذ الاتفاق تحديات كبيرة، حيث كان للجانبين تفسيرات مختلفة، واستمر التوتر بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة اليمنية.

منذ عام 2017، انشغل السعوديون بتعزيز سيطرتهم على محافظة المهرة في شرق اليمن. تخطط الرياض لإنشاء خط أنابيب نفط كبير يتعدى المرور في مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران ويمتد من ساحل المهرة إلى ساحل المملكة العربية السعودية. وهذا من شأنه أن يعزز الأمن وجودة التكلفة لنقل النفط. وفي الوقت نفسه، رسخت الإمارات نفوذا في الموانئ البحرية والجزر في جنوب اليمن والبحر الأحمر.

وتكشف التقارير أن الإمارات تبني قاعدة جوية في جزيرة ميون (بريم) الاستراتيجية في اليمن في مضيق باب المندب.
وفي شهر ديسمبر 2022، وقع الإماراتيون اتفاقا أمنيا مع الحكومة اليمنية من شأنه أن يمنح أبوظبي الحق في التدخل في اليمن ومناطقه الساحلية. وينظر السعوديون إلى هذا الاتفاق على أنه اعتراض لاستراتيجيتهم في اليمن.

ازداد نفوذ الإمارات في اليمن مع تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في شهر أبريل 2022. أربعة من الأعضاء الثمانية في المجلس مجلس القيادة، الذي يقود الجزء الأكبر من القوات المسلحة المناهضة للحوثيين، مدعومون من الإماراتيين. خلال عام 2022 ، وسع المجلس الانتقالي الجنوبي، الحليف الجنوبي للإمارات العربية المتحدة ، سيطرته على محافظات أبين وشبوة ومنطقة حضرموت الساحلية. وقد أدى ذلك إلى تآكل سلطة الحكومة اليمنية في الجنوب. ولم يتحرك السعوديون إلا بعد أن اتخذ المجلس الانتقالي الجنوبي خطوات للسيطرة على منطقة الوادي في حضرموت. فالوادي هو آخر معقل للحكومة اليمنية في الجنوب وهو موطن ل 80 في المئة من احتياطيات النفط اليمنية، ويشترك في حدود طولها نحو 700 كيلومتر مع المملكة العربية السعودية.

اشتد التوتر بين القوتين الإقليميتين بعد أن شكل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي قوات درع الوطن في شهر يناير 2023. وهذه القوة الجديدة، التي ترفع تقاريرها مباشرة إلى العليمي نفسه، يمولها السعوديون وتتمركز في قاعدة العند الجوية الاستراتيجية الواقعة على بعد 63 كيلومترا شمال عدن. وتتألف القوة من 9000 مقاتل يعملون في عدن وأماكن أخرى في الجنوب. وهناك خطة لتوسيع القوة إلى 15000 مجند. وحلت قوات درع الوطن محل قوات الحكومة اليمنية في معبر الوديعة الحدودي مع المملكة العربية السعودية في مايو 2022.

يشير هذا التطور إلى تغيير ملحوظ في نهج المملكة العربية السعودية، مما يشير إلى الابتعاد عن الاعتماد على النفوذ السياسي لتحقيق أهداف داخل اليمن نحو استراتيجية مشاركة عسكرية أكبر. ويهدف هذا التغيير إلى مواجهة محاولة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات تعزيز سيطرته على بقية المناطق في جنوب اليمن.

ورد المجلس الانتقالي الجنوبي على التحركات السعودية بعقد اجتماع جمعيته العمومية السادس في المكلا، عاصمة حضرموت في شهر مايو 2023. وفي ضربة كبيرة للسعوديين، تمكن المجلس الانتقالي الجنوبي من ضمان ولاء عضوين نافذين في مجلس القيادة الرئاسي، هما فرج البحسني وأبو زرعة المحرمي، اللذين عينا نائبين لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي (الذي هو نفسه عضو في مجلس القيادة الرئاسي). ولمواجهة خطوة المجلس الانتقالي الجنوبي، رعت السعودية حوارا بين الجماعات الحضرمية الرئيسية في الرياض في شهر يونيو 2023،  والذي أسفر عن تشكيل المجلس الوطني الحضرمي.

ويؤكد ميثاق المجلس على الحق الحضرمي في إدارة الشؤون السياسية والاقتصادية والأمنية للمحافظة ومنع “محاولات تحويل حضرموت إلى ساحة معركة”، في إشارة غير مباشرة إلى تحشيد المجلس الانتقالي الجنوبي للسيطرة على المحافظة.

وعزز السعوديون دعمهم للمجلس الوطني الحضرمي بتخصيص 300 مليون دولار لإقامة مشاريع تنموية. وفي صيف العام 2023، قام رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي برحلات خاصة إلى منطقة الوادي في حضرموت وإلى محافظة المهرة، وكلاهما يتمتع بنفوذ سعودي قوي، للقاء السلطات المحلية وقادة قوات الأمن. وخلال جولته، أطلق العليمي مشاريع تنموية وبنى تحتية كبيرة في المحافظتين بدعم من السعوديين. كما أعلن دعمه لنقل السلطة من الحكومة المركزية إلى السلطة المحلية في حضرموت. هذا الإعلان يروق للسكان المحليين، الذين طالبوا بهذا النوع من الحكم الذاتي منذ عقود، وهو محاولة لتقويض المجلس الانتقالي الجنوبي في المحافظتين.

كما كثف السعوديون من تحالفاتهم العسكرية والسياسية في محافظة شبوة الجنوبية. ففي شهر مارس 2023، التقى مسؤولون سعوديون كبار بقادة عسكريين من شبوة أجبروا على ترك مناصبهم بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي على المحافظة في العام 2022. وفي شهر أبريل 2023، أفادت بعض التقارير أن السعوديين استدعوا محافظ شبوة السابق المثير للجدل، محمد بن عديو، إلى الرياض، وكان الرئيس حينها عبد ربه منصور هادي قد عزل بن عديو من منصبه في شهر ديسمبر 2021 تحت ضغط من التحالف الذي تقوده السعودية بسبب انتقاداته ل الإماراتيين. وفي الآونة الأخيرة، تم تشكيل مجموعة جديدة تسمى تحالف أبناء وقبائل شبوة في شهر يوليو 2023 بدعم من المملكة العربية السعودية. وأعلن كل من المجلس الوطني الحضرمي وتحالف شبوة دعمهما للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية في اعتراض ضمني للمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات.

ما يزال الوضع في الأجزاء الجنوبية من اليمن، والتي تشكل ما يقرب من 80٪ من مساحة اليابسة في اليمن، هشا للغاية. إن وجود الحكومة اليمنية في عدن هو تحت رحمة المجلس الانتقالي الجنوبي إلى حد كبير. في منتصف شهر أغسطس 2023، قام جنود من لواء العمالقة، وهي قوة تحت قيادة مجلس القيادة الرئاسي وعضو المجلس الانتقالي الجنوبي أبو زرعة المحرمي، بمحاصرة مكتب رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك. ونتيجة لذلك، تم نقل رئيس الوزراء إلى المجمع العسكري السعودي في عدن لضمان سلامته. دفع هذا الحادث البعثات الدبلوماسية للولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا إلى التعبير عن دعمها للحكومة اليمنية ضدا على الحصار.

– الختام

بعد ما يقرب من عقد من الصراع الوحشي، يجد اليمنيون أنفسهم واقعين في شراك شبكة معقدة من الحروب بالوكالة والديناميات السياسية والعسكرية المعقدة بشكل متزايد. وقد استفاد الحوثيون المدعومون من إيران من تشرذم أعدائهم، الذي تفاقم بسبب المصالح المتباينة للسعوديين والإماراتيين. لقد استغلوا الهدنة السعودية لإعادة تجميع صفوفهم وتحشيد قواتهم وأوقفوا الهجمات العابرة للحدود كمناورة تكتيكية لإخراج السعوديين من المعادلة. غير أن الجماعة المتمردة يبدو أنها تستعد لما يسميه زعيمها “المعركة من أجل المواجهة الطويلة”.

بعد ما يقرب من عقد من الصراع الوحشي، يجد اليمنيون أنفسهم متورطين في شبكة معقدة من الحروب بالوكالة والديناميات السياسية والعسكرية المعقدة بشكل متزايد. وقد استفاد الحوثيون المدعومون من إيران من تشرذم أعدائهم، الذي تفاقم بسبب المصالح المتباينة للسعوديين والإماراتيين. لقد استغلوا الهدنة السعودية لإعادة تجميع صفوفهم وتعبئة القوات وأوقفوا الهجمات عبر الحدود كمناورة تكتيكية لإزالة السعوديين من المعادلة. لكن يبدو أن الجماعة المتمردة تستعد لما يسميه زعيمها “المعركة من أجل اللعبة الطويلة”

الخطوة التالية للحوثيين هي “إنهاء معركة التحرير والاستقلال حتى تطهير اليمن من تراب الغزاة والمحتلين”، بحسب زعيمهم. إن الشرخ المتزايد بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في جنوب اليمن يقرِّب الحوثيين من هدفهم!

المصدر : معهد هدسون إنستيتيوت – ندى الدوسري 

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى