لا تستجدي إعجاب الناس بك.. كيف تحب نفسك؟

أؤمن بأن السلام النفسي والتصالح مع الذات هو من كمال النجاح والسعادة في الحياة الشخصية والعملية، فلا يكتمل النجاح في علاقة عملية أو شخصية لمن فشل في علاقته بنفسه.

لن يستقر لك أمر حتى تستقر روحك بين جنبيك في سكينة، أن تحب نفسك أكبر من مجرد الثقة بالنفس، فقد تكون واثقاً بنفسك، ناجحاً في عملك، لك علاقات شخصية ناجحة، ومع ذلك يظل هناك شيء ما ينقصك، شيء ما يلح عليك بالسؤال:

أهذا كل شيء؟
أتلك هي السعادة؟
هل أنا سعيد فعلاً؟

ذلك النقص الذي لا يراه سواك، الألم الذي لا يفهمه غيرك، تحاصرك عيون من حولك بالإعجاب، تراك على قمة النجاح العملي والشخصي، لا ينقصك شيء، يحسدونك على نجاحك، ويتمنون حياة كحياتك، ولا يتصور أحدهم للحظة أنك تعيس!

يحكم الناس على غيرهم بالمظاهر، يحكم الناس على غيرهم بالمقارنة، يحكم الناس على غيرهم بسطحية تفكير، يحكم الناس على غيرهم بعين التمني والغبطة؛ ربة المنزل تحسد من تعمل، والعاملة تحسد ربة المنزل، العازب يحسد المتزوج، والمتزوج يحسد العازب، وهكذا دواليك، الكل يقارن حاله بغيره، ولا ترى عيناه إلا ما يفتقده في حياته، ويصور له خياله أن ذلك الجزء المفقود من حياته الظاهر في حياة غيره هو سر السعادة، بل هو كل السعادة!

“أتمنى لكم سعادة بقدر ما تدَّعونه من سعادة على صفحاتكم”.

جملة قرأتها على صفحة الفيسبوك الخاصة بصديق أجنبي، البعض فعلاً يدعي السعادة ادعاءً ويسعده “إغاظة” غيره بما يملك وما فعل وأين أمضى إجازته، والبعض أيضاً يستجدي مشاعر الناس وشفقتهم بكوارث مبهمة حقيقتها أحداث تافهة لا تستحق الذكر، والبعض يحجم عن مشاركة أحزانه ومشاكله حتى لا يثقل على من حوله، الله وحده أعلم بالنوايا.

لكن المؤكد أن حياة الناس ليست محدودة بما نراه على صفحاتهم أو حتى ما نراه منهم في الواقع في تعاملنا اليومي، لكل نفس حظها من السعادة والأحزان، ولا أحد مُستثنى من ذلك.

المقارنة بالآخرين من أكبر العوائق التي تحول بين الإنسان وقبوله لنفسه وحبه لها، المقارنة دائماً ناقصة ولا منطقية؛ لأننا لا نعرف إلا القليل عن الآخرين، لا نعرف إلا ما اختاروا أن يعرفونا عليه، وعادةً ما يجنح الناس لمشاركة أفضل ما عندهم، وعادةً ما نقارن ما ينقصنا بما منحهم “الله” منه، وننسى أن من قسم هو الله، لا نحن ولا هم!

ومن سوء الأدب أن يفخر من امتلك ناسياً أن الفضل لله، أو أن يتذمر من لم يملك ناسياً أنها قسمة العادل، وله سبحانه حكمة في المنح والمنع، وإن لم نفهمها.

أن تحب نفسك.. ليس بأن تحدثنا عن مآثرها، وروائعها، وتستجدي إعجاب الناس بها؛ لتؤكد لنفسك أنها جديرة بالإعجاب والمحبة، لكن بأن تتقبلها فعلاً كما هي، أن تتقبلها في قرارة نفسك، أن تكون راضياً عنها، عن شكلها، عن طباعها، عن قصورها.

أن تحب نفسك.. أن تكون راضياً عنها في المجمل، رغم عدم مثاليتها، ورغم أنها خذلتك في مواقف، أو أساءت التصرف أحياناً، أو وضعتك في مواقف محرجة، أن تحب نفسك، أن تغفر لها أخطاءها ليس بالإنكار والتحايل؛ بل بوعيك أنها أخطأت واتخاذ ما يلزم حتى لا يتكرر هذا الخطأ، فتهتم بتصحيح مسارها وتهذيبها وترقيقها، وأن تفعل كل ذلك بصبر ومحبة كما تفعله لغيرك إن لجأ إليك طالباً المساعدة.

مؤلم أن تعترف بأنك لست كاملاً، لست “مضيئاً”، لكن هذا الوعي هو الحافز لأن تتحسن، وحده الألم سيرشدك لأن تفعل ما يلزم لتعود تضيء العالم بنورك وتتألق، لا يسكن الظلام إلا الأشباح والخفافيش، فلا تقبل أن يكون لك جانب مظلم تخفيه عن الناس وتعلمه جيداً، تحرر من أوهام تكبلك، تحرر من خدع وأكاذيب تلفقها أو تشارك فيها هرباً من الحقيقة ومسؤولية أن تغير في نفسك شيء صعب، تنكر وجوده ولا تحب نفسك بسببه!

الماضي مضى، وكل مُرٍّ يَمُر، فلا تكن أسيراً لحادث سيئ أياً كان، أكمل حياتك وتناسَه، رواية حياتك ككل الروايات بها أدوار بطولة وأدوار شر، أدوار تستمر بطول الرواية، وأدوار ثانوية غير مؤثرة “كومبارس”.

كثيرون سيأتون ويذهبون، قد تتداخل القصص فنخط معهم صفحات مشتركة، أو ينفرط العقد، ويذهب كل في طريقه حاملاً روايته معه؛ لنكون فصلاً فيها يكتبه على هواه، والبطل الملاك في روايته وبسطور قلمه هو الجبان الشيطان في رواية آخر.

وما نقوله نحن أو هم للناس لا يهم كثيراً، فعند الله كتاب معلوم لا يُظلم فيه أحد، اهتم بهذا الكتاب وحده وما يكتب فيه عنك.

لا تتشبث بأن يلعب الكومبارس دور بطولة، وتقبل أن من رحل رحل؛ لأن دوره انتهى، ومن بقي باقٍ؛ لأن له شأناً في حياتك، ولك شأن في حياته.

اضبط بوصلة قلبك على الصلاح، وأنزل الناس فيه على قدر ما تعيه وتراه فيهم من صلاح القول والعمل، ولا تتبع الهوى فتضل وتشقى.

تمسك بمن يعرفك وتعرفه جيداً، من صمد معك في كل أحوالك، تقترب، تبتعد، تسافر، تعود.. لك فيه وطن، وعنده متسع لك بكل ما فيك من مزايا وعيوب.

ليس لكلنا بيوت وأوطان تؤوينا وتحتوينا كما نحب ونحتاج، ربما حان وقت أن نكفّ عن المقارنة ونقف وقفة مع أنفسنا، وقفة نعرف فيها معنى البيت مثلاً.

البيت حيث نغمض عيوننا آمنين وننام ملء جفوننا حتى الصباح، البيت حيث نكون على سجيتنا بلا تكلف، البيت حيث نفصح عما بداخلنا ونفرغه في آذان تفهمنا وفي صدور تحبنا، البيت حيثما وجدنا من يفهم كلماتنا، يشاركنا أحلامنا، يفرح معنا ويتألم لنا، ربما بهذا التعريف تنتهي معاناة من يشقيهم أن البيت ليس بيتاً؟! وربما وجدوا له بديلاً في قرابة أو صداقة تعوضه؟!

إن كنا صادقين مع أنفسنا، ستصدق معنا قلوبنا، فهي دائماً تعرف، وإن لم نصرح بتلك المعرفة، ألا نذهب لمن نحبهم بنجاحاتنا ساعين لإبهارهم ونيل إعجابهم، ألا نذهب لمن يحبوننا بانكساراتنا ساعين لأن يضمدوا جراحنا ويداووا ما يؤلمنا ويمنحونا بعض الراحة، أليس في ذلك اعتراف ضمني بكيف نظلم أنفسنا وأقرب الناس لنا؟!

البيت هنا مجرد مثال قصدت به أن أشير إلى كل ما تقف أمامه عاجزاً ويقف بينك وبين أن تحب نفسك؛ لأنك تضع له حجماً أكبر من حجمه، ربما كل ما تحتاجه أن تعرف من جديد كل ما يحول بينك وبينك من جديد؟

أن توجه نفسك لأن تسعى وراء ما تحتاجه لا ما تريده، وقد يكون البون شاسعاً بين الاثنين!

أن تدرك ما حولك وتعرف قدر مسؤوليتك عنه، وأن تتحمل تلك المسؤولية دون إفراط أو تفريط، أن تعي أن هناك أموراً يمكنك تغييرها، فتغيرها، وهناك ما يستعصي تغييره بالكامل، فتصبر عليه وتبذل جهداً فيه دون استسلام، إذا تعذر عليك فعل ما تريد، فتمسك بحريتك في ألا تفعل ما لا تريد، إذا تعذر عليك امتلاك ما تريد، فأحب ما تملك، واشكر الله مرتين؛ مرة لأنه وهبك ما تملكه، ومرة لأنه وهبك أن تطمح لأكثر منه، إذا اضطررت لكتمان مشاعرك، فتدرب أن تشعر بما تقوله فيحميك ذلك من أن تكون منافقاً بوجهين!

أحب نفسك.. لأنك إذا كنت كارهاً لها ولا تقبلها، فكيف بالله عليك ستحب غيرك؟ كيف ستغفر للناس وأنت غير قادر على أن تغفر لنفسك؟ كيف ستمنع أذاك عنهم؟ كيف سترحم عثراتهم؟ كيف ستمنحهم محبة تضن بها على نفسك؟ الإناء لا ينضح إلا بما فيه، ولا يمكنك أن تعطي ما لا تملك.

ولن تتفجر ينابيع الحب والرحمة والتسامح والحنان فيك صدقاً لا ادعاءً حتى تمنحها لنفسك أولاً وتشبع وتكتفي منها.

أحب نفسك.. ففيك جزء نوراني جميل، قبس من روح الله تعالى، قد تظنه غير موجود؛ لأنك أهملته وفقدت اتصالك به من مدة طويلة، لكنه موجود يحتاج محبتك ورعايتك لينتصر على ما لوثته فيك الحياة والظروف وصراعات الدنيا، أحب نفسك فهي جديرة بمحبتك وعطفك ورعايتك.

كتابة سهى جاد خبيرة في الإدارة ومهارات التواصل

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى