سلط الباحث المشارك في مركز دراسات الخليج بجامعة قطر والباحث غير المقيم ببرنامج معهد الشرق الأوسط للاقتصاد والطاقة، نيكولاي كوزانوف، الضوء على تطورات أسعارا لنفط التي لا تصب في صالح المملكة العربية السعودية، رغم قيادتها خفضا طوعيا للإنتاج ضمن تكتل منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها “أوبك+”.
وذكر كوزانوف، في تحليل نشره بموقع المعهد وترجمه “الخليج الجديد”، أن قرار التكتل، في أبريل/نيسان الماضي، بخفض الإنتاج بمقدار 1.66 مليون برميل يوميًا اعتبارًا من مايو/أيار 2023 لم يؤد إلى زيادة الأسعار.
ومع ذلك، لم يقر الاجتماع التالي للدول الأعضاء بالتكتل، في 4 يونيو/حزيران، تمديد تخفيضات الإنتاج الحالية حتى نهاية عام 2024 فحسب، بل أجرى أيضا تعديلات على حسابات حصص الإنتاج للعام المقبل، بما يؤدي إلى خفض الإنتاج بنحو 1.4 مليون برميل في اليوم.
فيما يصف مراقبو السوق قرار السعودية بتخفيض إنتاجها طوعيا، في يوليو/تموز، بمقدار مليون برميل في اليوم، بأنه “محفوف بالمخاطر” وغير منسجم مع تطورات السوق.
سيناريو سلبي
ويبدو الرهان الرئيسي لأوبك+ متمثلا في أن يظل الاقتصاد العالمي قادرًا على تجنب الركود، جنبًا إلى جنب مع النمو النشط للصين، بما يضمن نقص النفط بالسوق في النصف الثاني من عام 2023، ويدفع أسعار النفط للأعلى بحلول نهاية عام 2023.
لكن هذه التوقعات تتعارض مع الحقائق الحالية للسوق، ومنها علامات الانكماش الاقتصادي في أوروبا، ونمو اقتصاد الصين بمعدل أبطأ من المتوقع، ما “يجبر حتى المشاركين في أوبك+ على الاعتراف بأن توقعات العرض والطلب الخاصة بهم لن تتحقق بالضرورة” حسبما يرى كوزانوف.
وتلعب عوامل الطلب، التي تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط، دورًا حاسمًا في تحديد وضع السوق، في حين أن عوامل العرض ليست فعالة في رفع الأسعار.
وإذا لم ينجح رهان أوبك+ على عجز السوق بحلول عام 2024، قد تدفع السعودية وشركاؤها في التكتل ثمن هذا الخطأ بفقدان حصة معتبرة في السوق لصالح منتجين آخرين، بحسب كوزانوف، مشيرا إلى توقعات خبراء باحتمالية إحياء صناعة النفط الصخري وتدفقه مجددا من خارج أوبك+.
ولا تقتصر خسائر أعضاء أوبك+ على حصتهم في السوق، نظرًا للدور المركزي الذي يلعبه قطاع النفط في اقتصاداتهم، ولذا فإن تخفيضات الإنتاج المصطنعة تؤدي حتما إلى تفاقم مؤشرات نمو الاقتصاد الكلي وتخلق مشاكل متعلقة بالميزانية.
ولذا عدل صندوق النقد الدولي بالفعل توقعاته بشأن النمو الاقتصادي للسعودية في عام 2023 من 3.1% إلى 2.1% (مقابل 8.7% في عام 2022).
بل إن كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري، مونيكا مالك، تتبنى توقعات أكثر تشاؤما، بأن ينمو الاقتصاد السعودي بنسبة 0.7% فقط في عام 2023 بدلاً من 1%.
في المقابل، تتوقع أوبك+ والوكالة الدولية للطاقة (IEA) نمو الطلب في سوق النفط بأكثر من 2 مليون برميل في اليوم، ما يؤدي لاحقًا إلى حدوث عجز في عرض السوق خلال النصف الثاني من عام 2023، وبالتالي زيادة أسعار النفط، وهو السيناريو الإيجابي الذي تعول عليه السعودية.
لكن حتى إذا تحقق هذا التوقع، سيعاني أوبك+ من مشكلات “سياسية”، إذ ستتعرض الدول الأعضاء لضغط خطير من الولايات المتحدة الأمريكية.
فمشروع قانون “نوبك”، أو “لا أوبك”، لايزال محل مناقشة في الولايات المتحدة، وإذا تم اعتماده، فسيكون منتجي أوبك+ عرضة للملاحقة القضائية من قبل السلطات الأمريكية بدعوى التلاعب في أسعار النفط.
وناقشت لجنة القضاء في مجلس النواب الأمريكي مرة أخرى خيارات العمل ضد أوبك في مايو/أيار الماضي على الرغم من حقيقة أن محاولات أوبك+ لدعم أسعار النفط المرتفعة هذا العام، من خلال تخفيضات الإنتاج غير المسبوقة، باءت بالفشل إلى حد كبير.
وعلى المدى الطويل، قد تؤدي التخفيضات المصطنعة للإنتاج من قبل أوبك+، إلى جانب ارتفاع أسعار النفط العالمية، إلى تسريع انتقال العديد من البلدان الغربية الاستهلاكية نحو مصادر الطاقة الخضراء. ومع ذلك، يشير كوزانوف إلى أن السعودية وأوبك+ “لا يملكان الكثير من البدائل لاستراتيجيتهما الحالية”.
تحول الطاقة
علاوة على ذلك، اقترب مستوى سعر النفط الحالي من نقطة التعادل في ميزانية بعض دول أوبك+، بما فيها السعودية، أو انخفض إلى ما دونها، ما يدعو إلى التساؤل حول مستقبل برامج التحول الاقتصادي الطموحة، التي تم تبنيها تحسباً للحقائق التي أوجدها انتقال الطاقة المستمر بعيدًا عن الهيدروكربونات.
ومن أجل الاندماج بنجاح في النظام الاقتصادي الجديد “لما بعد النفط” مع ضمان زيادة الطلب على الموارد الهيدروكربونية، يحتاج منتجو النفط التقليديون إلى البدء في تنفيذ برامج اقتصادية طموحة ومعقدة تتضمن تدابير تهدف إلى إزالة الكربون من النفط والغاز وإنتاج البتروكيماويات، وتنويع اقتصاداتها، وتطوير مصادر الطاقة المستدامة، وإعادة بناء أنظمة الطاقة الخاصة بها.
وتتطلب كل هذه الأهداف أموالاً كبيرة، افترضت الحكومات أنها ستولدها مداخيل النفط، ومع ذلك، لا يمكن للوضع الحالي أن يضمن تحقق ذلك.
وتسمح القدرات الحالية لأوبك+ بمحاولة لعب دور المنتج المتأرجح، لكن من الواضح أن مركز صنع القرار داخل التكتل قد تحول نحو السعودية، وجزئيًا نحو الإمارات العربية المتحدة والكويت، فهي الدول التي تملك القدرة على تنظيم أحجام الإنتاج وتنفيذ القرارات الخاصة بخفض الإنتاج عن كثب.
وفي الوقت نفسه، تعاني باقي دول التكتل إما من عوامل سياسية تحد من مشاركتها في أنشطة أوبك+، مثل إيران وليبيا وفنزويلا، أو تواجه عواقب سنوات من نقص الاستثمار في قطاعاتها النفطية، وبالتالي لا يمكنها الحفاظ على حصص إنتاجها الحالية.
ورغم إعلان روسيا عن خفض طوعي للإنتاج بمقدار 500 ألف برميل يوميًا، إلا أن مستويات إنتاجها لاتزال غير واضحة، خاصة بعدما أوقفت السلطات الروسية، في أبريل/نيسان 2023، نشر البيانات الرسمية عن إنتاج النفط والغاز والمكثفات حتى أبريل/نيسان 2024، وتستطع بالكاد تنظيم معدلات إنتاجها بنفس سهولة السعودية.
ولذا يرى كوزانوف أن عصر المعسكرات المتنافسة والمختلفة داخل أوبك+ أصبح شيئًا من الماضي، وأن قرارات التكتل تتشكل إلى حد كبير من قبل قادته الثلاثة (السعودية وروسيا والإمارات) وهي الدول التي لعب دورا قياديا من خلال تحمل الجزء الأكبر من تخفيضات إنتاج النفط في السنوات الأخيرة.
وفي ظل هذه الظروف، يعكس سلوك أوبك+ بشكل متزايد مصالح المنتجين الخليجيين فقط، وبالتالي، إذا كانت أوبك+ في أوقات ما قبل الجائحة والوباء مهتمة أكثر بسوق مستقرة ذات أسعار مرتفعة بشكل معقول، بما يعكس الرأي الإجماعي بين غالبية المشاركين في التكتل، فإن قرار خفض أحجام الإنتاج اعتبارًا من مايو/أيار 2023 فصاعدًا مدفوعا بالرغبة التقليدية للسعودية وأقرب شركائها الخليجيين في رفع الأسعار إلى أعلى مستوى ممكن لتمويل برامجهم الاقتصادية الطموحة.
فعالية متناقصة
ومع ذلك، فإن التكتل ليس قوياً كما يود أن يكون، حسبما يرى كوزانوف، مشيرا إلى أنه مع اعتياد سوق النفط على الحقائق الجديدة، يبدو أن فعالية نفوذ أوبك+ تتناقص بينما ينمو عدد عوامل تشكيل السوق الخارجة عن سيطرته ويصبح أكثر تعقيدًا.
وبالتالي، ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA)، يبدو أن “الاعتبارات المستمرة حول إضعاف الظروف الاقتصادية العالمية، والمخاطر المتصورة حول القطاع المصرفي العالمي، والتضخم المستمر” من بين العوامل التي حالت دون ارتفاع أسعار النفط على الرغم من قرار أوبك+ بخفض الإنتاج في مايو/أيار.
ويرى كوزانوف أن أوبك+ ربما يكون قد استنفد وسائله للتأثير على الأسواق، فتخفيضات الإنتاج ليست أداة يمكن استخدامها كثيرًا، مع الأخذ في الاعتبار مخاطرها المحتملة وآثارها الجانبية، فليس كل أعضاء أوبك+ جاهزين أو حتى قادرين على تعديل أحجام الإنتاج على أساس شهري.
وإزاء ذلك، فإن أوبك+ ربما يكون قد وصلت بالفعل إلى حدوده القصوى في خفض الإنتاج، بحسب كوزانوف، مشيرا إلى أن هذه الظروف تقف وراء القرارات الأخرى التي اتخذها أوبك+ في يونيو/حزيران محاولة لاستغلال الخيارات المتبقية لزيادة تأثير التكتل على السوق وتهيئة أعضائه لمزيد من العواصف الاقتصادية.
غير أن الافتقار إلى الانضباط والوحدة بين المشاركين، إلى جانب التباين بين القدرات الإنتاجية الحقيقية والاسمية لبعض الأعضاء، مثلا إشكالية داخل أوبك+، ويمكن للسعوديين تحمل ذلك طالما استمرت تخفيضات الإنتاج في توفير النفوذ اللازم، لكن فشل الهدف من تخفيض الإنتاج في مايو/أيار مثل نقطة تحول.
فالسعوديون استغلوا اجتماع أوبك+ في يونيو/حزيران لدعم صفوفهم، وأجروا محادثة وقائية مع روسيا حول الحاجة إلى مزيد من الشفافية في خطط الأخيرة لإنتاج النفط.
وإضافة لذلك، اضطرت روسيا وأنجولا وأذربيجان وجمهورية الكونغو ونيجيريا وماليزيا إلى تعديل التزامات الإنتاج الخاصة بها في 2024 في ضوء قدراتها الحقيقية، وستراقب الوكالات الخارجية مثل IHS وWood McKenzie وRystad Energy امتثالها في المستقبل.
ماذا بعد؟
وخلص كوزانوف إلى أن السعودية أثبتت أنها الزعيم الرئيسي لتكتل أوبك+، وعلى استعداد لتحمل المسؤولية عن قراراته، وعلى الرغم من حقيقة أن محاولة مايو/أيار لرفع الأسعار لم تنجح، إلا أن الرياض لن تتراجع عن تكتيكات التأثير النشط في السوق من خلال تعديل أحجام الإنتاج، حتى لو تطلب ذلك من المملكة التصرف بمفردها.
ومع ذلك، فإن فرص فوز السعودية وأوبك+ لاتزال غير واضحة؛ لأن الكثير من العوامل التي تحدد أسعار النفط خارجة عن سيطرة التكتل.
ولذا فإن الشهرين أو الأشهر الثلاثة القادمة ستكون حاسمة، فإذا تحققت توقعات أوبك+ ووكالة الطاقة الدولية بشأن العجز عرض السوق فقد يبدأ التكتل في زيادة الإنتاج لتجنب الصراعات مع المستهلكين.
أما إذا لم يسر الأمر على هذا النحو، فسيتعين على أعضاء التكتل قبول الحقائق الجديدة وتحمل تكلفة خطواتهم السابقة.
وفي هذا السيناريو السلبي، لن يكون إجراء المزيد من خفض الإنتاج ممكنا بالنسبة لأوبك+، باستثناء السعودية.
متابعات