تستعين السعودية بتقنية صينية متقدمة لمراقبة سكان مدينة نيوم الذكية المستقبلية، مما يثير مخاوف من انتهاك الخصوصة بما “يتماشى مع الغزائز الاستبدادية لدى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”، بحسب تقرير لتوم بورتر نشره موقع “بيزنس إنسايدر” (Business Insider).
بورتر تابع أن السعودية تبني مدينة نيوم في تبوك شمال غربي المملكة بتكلفة 500 مليار دولار، مع وعود بأن يحصل سكانها على تجربة وكأنها من “فيلم خيال علمي”، بينها شواطئ متوهجة في الظلام ومنحدرات تزلج وقمر اصطناعي وخدم من الروبوتات وسيارات أجرة طائرة.
واستدرك: لكن وراء هذه الخطة الغريبة، التي وضعها ولي العهد السعودي “حقيقة أكثر قتامة بكثير، حيث عزز علاقاته مع الزعيم الصيني شي جين بينغ الذي وافق على توفير تكنولوجيا مراقبة قوية”.
وقالت جيلي بوليلاني، الزميلة بجامعة هارفارد، إن شي يسعى إلى “إضفاء الشرعية على رؤيته لفضاء سيبراني تقوده الدولة ويخضع فيه الشعب للمراقبة”.
ووفقا لتقرير صادر عن معهد واشنطن للأبحاث فإن الصين قدمت بالفعل تقنية مراقبة لإنشاء ما يسمى بـ”المدن الآمنة”، التي تعمل على بيانات المستخدمين في مصر وصربيا. ويبدو أن ولي العهد السعودي حريص على تكرار تلك المشاريع على نطاق أوسع، بحسب بورتر.
بيانات السكان
و”نيوم، أو ما تُسمى بمدينة المستقبل الخالية من الكربون، هي حجر الزاوية في محاولة الحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان تحديث البلاد وتقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري (النفط والغاز والفحم)”، وفقا لبورتر.
وقالت مروة فتافطة، مديرة السياسات في منظمة الحقوق الرقمية “أكسيس ناو” ومقرها برلين، إن هذه المدينة بمثابة “تذكرة بالنسبة له كي يكرس نفسه كقائد قام بتحديث البلاد وأدخلها عصر تكنولوجي جديد”.
فيما قال المدير التنفيذي لنيوم جايلز بندرتون، لصحيفة “ذا ناشيونال” التي تتخذ من الإمارات مقرا لها، إن بناء المدينة يسير بسرعة وستستوعب تسعة ملايين نسمة بحلول عام 2045.
ويقول مخططو المدن إن المدن الذكية الحالية تستخدم حوالي 10٪ من بيانات المستخدم المحتملة. لكن وفقا لخططهم، ستستخدم نيوم، بواسطة الذكاء الاصطناعي، 90٪ من البيانات، بحسب بورتر.
وقال جيمس شيريس، الباحث في مركز أبحاث “تشاتام هاوس” بلندن، إن ولي العهد لديه طموحات لمدينة حيث الخدمات، التي تتراوح من جمع النفايات إلى الصحة إلى أوقات القطارات، تنظمها بيانات من مصادر مثل الهواتف الذكية وتكنولوجيا المراقبة.
وأردف: “تم تصميم نيوم لتخطي تلك (المدن الذكية الأخرى)، لتبدأ من الألف إلى الياء بطريقة مصممة بالكامل لجمع البيانات واستخدامها لأغراض المدينة”.
وقال بورتر إن “بعض الأصوات، وبينها فتافطة المدافعة عن الحقوق الرقمية، تحذر من أن الرؤية المستقبلية والفاخرة في كتيبات نيوم تخفي مشروعا أكثر قتامة يتماشى مع غرائز ولي العهد الاستبدادية، وتخشى أن قدرات المدينة الذكية ليست مجرد عامل جذب مستقبلي، ولكن يمكن نشرها كأداة للمراقبة من جانب الدولة”.
تقنية صينية
وقال خبراء، وفقا لبورتر، إن زيارة الرئيس شي للسعودية في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كانت بداية شراكة مثمرة، حيث وجد محمد بن سلمان في شي “زعيما يشاركه اقتناعه بأن التكنولوجيا يمكن أن تمكنهم من توسيع اقتصاداتهم مع عدم التخلي عن سيطرتهما الاستبدادية”.
وأوضج جيمس أن “أحد الأشكال التي اتخذتها هذه التقنية هو كاميرات المراقبة المرتبطة بتقنية التعرف على الوجه التي يمكن استخدامها لتتبع حركات الشخص في الماضي والوقت الراهن، بما يمثل خطرا حقيقيا على خصوصية الناس”.
وأضاف أن “التكنولوجيا الصينية توفر لقدرة على ربط لقطات كاميرات المراقبة بمجموعات بيانات أخرى حول الشخص، بينها المعلومات البيومترية”، في إشارة إلى الصفات الفيزيولوجية والسلوكية كبصمة الأصبع وطريقة المشي.
قضية خاشقجي
بوتر قال إن “السعودية تحركت مؤخرا لتعزيز قوانين خصوصية البيانات، لكن المنظمات وبينها هيومن رايتس ووتش حذرت من أن القوانين ضعيفة للغاية”.
وأردف: “أثناء تصويره لنفسه على أنه مصلح، تعامل ولي العهد السعودي بوحشية مع منتقدي ومعارضي الحكومة السعودية، بما في ذلك قتل (الكاتب الصحفي) السعودي المعارض جمال خاشقجي (داخل قنصلية بلاده في إسطنبول) في 2018 وتقطيع أوصاله”. ومرارا نفت الرياض صحة اتهامات بأن ولي العهد السعودي هو مَن أصدر الأمر بقتل خاشقجي.
واعتبر جيمس أن “خطط المدينة أثارت أسئلة أساسية حول كيف نريد أن نعيش حياتنا: ما نوع الحياة التي تريد أن تعيشها في مدينة ذكية بشكل أساسي؟”.
ورأى أنه “إذا كنت تريد أن تعيش في مدينة تتوفر فيها حرية التعبير والفكر المستقل، فقد لا يكون هذا هو المكان (نيوم) الذي تريد الذهاب إليه”.
متابعات