أزمة محاصيل زراعية في العالم.. و”الفاو” تكشف مصير دول عربية “مهددة”
فتحت أزمة المواسم الحاصلة في دول عدة، والتي انعكست على متاجر بريطانيا، بسبب الأحوال الجوية السيئة التي تضر بالمحاصيل في إسبانيا والمغرب، إضافة إلى الخلل في موسم البصل بدول الإنتاج الأساسية مثل الفلبين وباكستان، وامتدت إلى دول أخرى مثل لبنان وسوريا وليبيا، الباب أمام البحث عن خلفيات الأزمة الحاصلة، وما إذا كانت الزراعة بخطر، وذلك بناء على دراسات منظمات معنية بالأمر مثل منظمة الأغذية والزراعة.
وبعد أن نقلت مواقع محلية عدة تحليلات عن أزمات زراعية، مثل موقع إيست فروت، الذي لفت إلى حدثين في السوق الأوكرانية سيكون لهما تأثير مباشر على أسعار البصل لنهاية الموسم الحالي وبداية الموسم المقبل، وهي تعليق مبيعات البصل منذ بداية فبراير، وتسجيل زيادة حادة في الطلب على بذور البصل في أوكرانيا. والحديث عن أزمة حتى أبريل ومايو 2023 بشكل كبير، توجب الرجوع إلى مرجع للوقوف عند مصير الأمن الغذائي العالمي.
فما علاقة التغير المناخي بما يحصل؟ وهل العالم سيكون أمام أزمات محاصيل لاحقة؟ ماذا عن الخطر في العالم العربي؟ وما تقييم منظمة (الفاو) للأمنين الغذائي والزراعي في دول المنطقة؟
في بداية مارس، أفاد وزير الزراعة الإسباني لويس بلاناس أن سوء تخطيط من بريطانيا ومشكلات تسبب بها اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) بالإضافة إلى برودة الطقس هي الأسباب الرئيسية وراء شح في بعض الخضروات في بريطانيا.
وفرضت سلاسل متاجر بريطانية من بينها تيسكو حدودا على مشتريات المستهلكين من الطماطم والخيار والفلفل بعدما تأثرت الإمدادات على مستوى قطاع متاجر الأغذية سلبا بسبب مشكلات في موسم الحصاد في جنوب أوروبا وشمال أفريقيا بسبب أحوال طقس غير مواتية للزراعة.
وقال بلاناس إن محاصيل الصوب لم تكن الوحيدة التي تأثرت سلبا بل تأثرت أيضا محاصيل تزرع في الهواء الطلق مثل الخرشوف والبروكلي. وإسبانيا أحد أكبر مزودي بريطانيا بالفواكه والخضروات، حسب رويترز.
وأشار بلاناس إلى أن نقص المنتجات أظهر ضعفا في سلاسل إمداد الأغذية في بريطانيا ومشكلات تتعلق بالعمال في القطاع الخاص نتيجة خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقال إن هذا النقص في بريطانيا “موقف مؤقت”.
بوادر أزمة زراعية عالمية واسعة النطاق؟
صرح المدير العام المساعد والممثل الإقليمي للشرق الأدنى وشمال أفريقيا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو)، عبد الحكيم الواعر، في حديث لموقع “الحرة” أنه “بالفعل حدث تهديد للأمن الغذائي في عام 2022، وكان من مؤشراته تسجيل ارتفاع لمؤشر أسعار الغذاء الذي تصدره الفاو، وهو الأعلى منذ بداية تدشينه، كما ارتفع عدد الذين يعانون عدم الحصول على غذاء صحي، والذي كان يُقدر بنحو 800 مليون في عام 2020”.
ولفت إلى أنه “لا يعتقد أن الوضع سيتحسن خلال العام 2023، بل إنه مرشح ليصبح أكثر سوءا، بسبب استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية، وتأثيرها على سلاسة منظومة التجارة العالمية، فضلا عن تأثيرها على الطاقة، وانعكاس هذا على أسعار الغذاء، والتغيرات المناخية”.
وأمام هذا الواقع يؤكد أنه “يلزم اتخاذ مزيد من الإجراءات العاجلة من أجل إنقاذ بؤر الجوع، وتسهيل التجارة، وتحسين أداء الأسواق، وتعزيز دور القطاع الخاص، وإصلاح وإعادة توجيه الدعم مع الاستهداف الدقيق والكفاءة للوصول إلى المستحقين”.
وأهاب باسم المنظمة “بالحكومات والجهات المانحة أن تساند الجهود المبذولة لتلبية الاحتياجات في بؤر الجوع، وتبادل المعلومات، وتدعيم التأهب لمواجهة الأزمات. وتحتاج منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها مثل برنامج الغذاء العالمي والمنظمات الدولية إلى أموال على وجه السرعة لخدمة الفئات الأكثر ضعفا واحتياجا على الفور”.
ويقول إنه يجب مساعدة المزارعين في الحصول على الأسمدة والمستلزمات المهمة الأخرى، ومساعدة الشركات الخاصة على القيام باستثمارات أطول أجلا، والتركيز على تحسين بناء قدرة أنظمة الأغذية الزراعية على الصمود في مواجهة الصدمات وتحسين كفاءة استخدام الأسمدة. وينبغي للبلدان أن تتبع مدونة السلوك الدولية الصادرة عن الفاو بشأن استدامة استخدام الأسمدة والمغذيات وإدارتها لتحقيق الأمن الغذائي على نحو مستدام.
سبب تراجع المحاصيل
وعن سبب تراجع بعض المحاصيل في دول عدة يوضح الواعر أن “العالم يشهد مجموعة من الأزمات والتحديات غير المسبوقة في العصر الحديث، بدأت مع الأزمة المالية العالمية في 2008، ثم جائحة كورونا، وأخيرا الحرب الروسية – الأوكرانية”.
وقال: “كلها عوامل كان لها تأثيراتها السلبية للغاية على القطاع الزراعي والغذائي على مستوى العالم، حيث تعطلت العديد من سلاسل الإمدادات الغذائية، إلى جانب ارتفاع تكاليف المدخلات الزراعية كافة وتاليا ارتفاع تكاليف إنتاج الغذاء، مع العديد من الصعوبات الأخرى”.
وتابع الواعر حديثه موضحا أن “ذلك تزامن مع أزمة التغيرات المناخية، فقد تسببت تغيرات مواسم الأمطار وحدوث الفيضانات والجفاف في عدد من مناطق العالم في أزمات زراعية وانتشار الآفات الزراعية وتأخر مواسم الحصاد عن مواعيدها المعتادة”.
وأكد أن “كل هذه العوامل وغيرها، كانت سببا في تراجع الحصاد على مستوى المنطقة والعالم، ما تسبب بأزمة في بريطانيا والكثير من دول العالم”.
الدول العربية وخطر الجوع
أما بشأن تأثر دول عربية بالأزمة الزراعية العالمية وتقييم “الفاو” للمواسم في دول المنطقة، يجيب الواعر أن “المنطقة العربية ليست بمعزل عن العالم، فالنزاعات في الدول العربية تعد من العوامل الرئيسية المسببة بمضاعفة مشكلة الجوع، ولكن بطء التقدم نحو تحقيق مقاصد أهداف التنمية المستدامة بشأن التغذية والزارعة يرجع أيضا إلى ضعف النظم الغذائية في جميع أنحاء المنطقة”.
ويؤكد ممثل “الفاو” أن النظم الغذائية في المنطقة تتأثر أيضا بصدمات أخرى مثل التغيرات المناخية، وأزمة أسعار الغذاء، وتقلب أسعار النفط، وتراجع عائدات السياحة، فضلاً عن الصدمات الصحية مثلما هو الحال مع كورونا، بالإضافة إلى الحرب الروسية المستمرة منذ أكثر من عام”.
ويضيف الواعر أن”هناك أيضا عدد من الضغوط، (في البلدان العربية)، مثل:
-
ندرة المياه
-
الاعتماد على الواردات الغذائية
-
النمو السكاني السريع والهجرة
-
التحول الحاصل في النظم الغذائية والمرتبط بالانتقال من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية – التي تلقي بثقلها السلبي على النظم الغذائية وتزيد من ضعفها.
ورأى الواعر، من وجهة نظره، أن “الخطر الأكبر الذي يهدد الزراعة والنظم الغذائية في منطقتنا يتمثل في التغير المناخي، وتحديدا نقص المياه. ونظرا لكون المنطقة تمتلك بالفعل أدنى نسبة لحصة الفرد السنوية من مياه الشرب، فإن الاحتباس الحراري وتصحر الأراضي الصالحة للزراعة سيؤديان إلى تفاقم هذا الخطر”.
ولفت إلى أنه من “المخاطر الأخرى التي تهدد النظم الغذائية الزراعية في المنطقة، زيادة عدد السكان والطلب على الغذاء (كما ونوعا)، بالإضافة إلى التوسع الحضري السريع في منطقتنا، فقد لا نكون قادرين على تلبية هذه الطلبات من الموارد الموجودة”.
وعلى صعيد توصيف “الفاو” للأمنين الغذائي والزراعي في الدول العربية إنها قضية معقدة ومرتبطة بعوامل عدة، فالعالم مر بأزمات كثيرة خلال السنوات الأخيرة، بدأت بالأزمة المالية العالمية في 2007، ولم نكد نفيق في منطقتنا من تداعياتها، حتى كانت المنطقة على موعد مع ما يُعرف بـثورات الربيع العربي، التي أسفرت عن عدم استقرار سياسي واقتصادي، لا تزال تداعياته مستمرة حتى الآن”.
ويكمل الواعر حديثه قائلا: “ثم جاءت جائحة كورونا، بالتزامن مع تلك التداعيات، والتي تعطلت معها سلاسل الإمداد، وتسببت بنقص في المعروض وزيادة على الطلب، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الغذاء”.
ويقول إنه “ومع الدخول في محاولة التعافي من الجائحة، لأنه لم يحدث تعافٍ كامل حتى الآن، ظهر متغيران آخران، وهما بداية ظهور آثار التغيرات المناخية بشكل دقيق وواضح، وتجسد ذلك في مظاهر عدة، منها عدم هطول الأمطار في مواسمها، مما تسبب في تأخير موسم الزراعة، وكان المتغير الآخر هو الحرب الروسية الأوكرانية، التي كان لها تأثير على كل العالم، وعلى منطقة الشرق الأوسط خصوصا”.
وبذلك يمكن تلخيص مكونات وركائز الأمن الغذائي، حسب الواعر، في هذه المكونات:
-
وفرة الغذاء الصحي بكميات مناسبة للجميع
-
إمكانية الوصول للغذاء
-
إمكانية التحكم في الأسعار وتوفير الدعم للسلع الغذائية الرئيسية حتى يستطيع محدودو الدخل الحصول عليها بأسعار مقبولة.
والتحديات أمام تحقيق الأمن الغذائي تتمثل في 4 أمور:
-
النزاعات وخصوصا طويلة الأمد، وهناك الكثير منها في المنطقة العربية، وفق الواعر:
-
التغيرات المناخية
-
الأزمات ومن أمثلتها كورونا، والحرب الروسية على أوكرانيا التي أثرت بشكل كبير في سلاسل الإمداد الغذائية حيث يحصل العالم على 30 في المئة من احتياجاته من الحبوب، أما الوضع الإقليمي، فسنجد أن 70 في المئة من احتياجات المنطقة العربية من الحبوب تأتي من روسيا وأوكرانيا.
-
المستهلك: فبالرغم من وجود أكثر من 800 مليون شخص تحت تهديد الجوع، نجد أن مستوى فقدان وإهدار الغذاء المنتج يصل إلى 30 في المئة في العديد من المناطق ويزيد إلى 40-45 في المئة في عدد من الدول.
وبشأن الحلول، يشرح الواعر أن أهم الحلول لهذه القضايا تتلخص في الآتي:
-
الاستثمار في التكنولوجيا والابتكارات الرقمية، وخصوصا في مجالات الزراعة وتطبيق تقنيات الري الحديث مثل الري بالتنقيط والري بالحقن.
-
التجارة، وخصوصا تجارة السلع الغذائية الرئيسية، أو الاستثمار خارجيا لاستزراع أرضي لدى دول أخرى لديها إمكانيات الأراضي والمياه مع تطبيق المواثيق والتعهدات اللازمة.
-
زيادة الإنتاجية الداخلية، فهناك العديد من الدول ارتأت الاعتماد على استيراد الغذاء وتقليل الإنتاج الداخلي.
-
سلوكيات استهلاك الغذاء التي تركز على تقليل إهدار الغذاء وتشجيع أنماط الغذاء الصحي.