بعدما أطلقت كارثة الزلزال المدمّر الكثير من التساؤلات بشأن موعد الانتخابات في تركيا، حسم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، القضية بخطاب له، الأربعاء، أعلن من خلاله تمسكه بوعد 14 من شهر مايو، في خطوة تستبق اجتماع ستة أحزاب من المعارضة، لحسم اسم “المنافس”، الذي يقولون إنه سيكون “الرئيس الثالث عشر للبلاد”.
وخلّف الزلزال الذي حصل، في السادس من شهر فبراير الماضي، وما تبعه من زلازل متفرقة وهزّات ارتدادية عشرات آلاف الضحايا في تركيا ومئات الآلاف من المنكوبين والمشردين، فضلا عن انهيار مدنٍ بأكملها، في مقدمتها أنطاكيا التي تعتبر واحدة من 11 منطقة أعلنها مؤخرا إردوغان على أنها “منكوبة”.
وكان ينظر للانتخابات ما قبل الزلزال على أنها “استثنائية” لسلسلة من الاعتبارات، ومع حلول “كارثة القرن” كما تصفها الأوساط التركية تضاعفت هذه الحالة على نحو كبير، في وقت تسود الكثير من التكهنات بشأن السياق الذي ستنظم فيه، سواء من الناحية الجغرافية أو التنظيمية.
كما تثور التكهنات عن فرص وحظوظ الحزب الحاكم في الفوز في ظل الكارثة الحاصلة، وكذلك الأمر بالنسبة لأحزاب المعارضة، التي تحالفت قبل أكثر من عام ضمن “طاولة سداسية”، واتفقت على كل شيء إلا اسم “المنافس”، الذي من المقرر أن يحسم يوم غد الخميس في الثاني من شهر مارس الحالي.
وذكر مسؤولون في المعارضة، في اليومين الماضيين، بينهم زعيم “حزب الشعب”، كمال كلشدار أوغلو، وآخرين في “حزب الجيد” أن اجتماع يوم الخميس سيناقش قضية الاتفاق على اسم المرشح الذي سيواجه إردوغان، ومع ذلك لن يتم الكشف عنه بشكل فوري، بل سيرتبط الأمر بالتقويم الانتخابي، أي عقب العاشر من الشهر الحالي.
وينظر إلى كلشدار أوغلو منذ فترة على أنه الاسم الأقوى لشغل منصب منافس إردوغان، لكن هذا الأمر لطالما شهد تباين وتحفظات من أحزاب أخرى ضمن “الطاولة السداسية”، أبرزها “حزب الجيد”، الذي تتزعمه، ميرال أكشنار.
وفي حين لم يطرأ أي جديد خلال الأشهر الماضية على هذه القضية مع استمرار التباين والتحفظات، فتح عمدة أنقرة، منصور يافاش، وهو الذي ينتمي إلى “حزب الشعب” بابا مثيرا للجدل، يوم الثلاثاء، بقوله على إحدى الشاشات إنه “سيقبل الترشح للانتخابات الرئاسية إذا أجمعت الطاولة السداسية على ذلك”.
لماذا 14 مايو؟
ووقعت الكارثة بينما كانت معدلات التأييد لإردوغان ترتفع، بعد تراجع قياسي خلال الأزمة الاقتصادية التي شهدتها البلاد العام الماضي.
وبُعيد وقوع الزلزال، أقر الرئيس التركي بوجود “أوجه قصور” في طريقة تعامل الحكومة، لكنه في مقابل ذلك أطلق الكثير من الوعود، أبرزها إعادة إعمار المناطق المدمّرة خلال عام واحد.
وكرر هذا الوعد في خطاب، الأربعاء، بقوله: “سنحل بسرعة قضية التحول الحضري، ونعد باستكمال المشاريع المرتبطة بها في جميع أنحاء البلاد في غضون عام”، كما أعلن عن سلسلة من الحوافز للمواطنين المنكوبين، في وقت كان يوجه فيه انتقادات لأحزاب المعارضة.
وأضاف موجها الكلام لمعارضيه: “من السهل على أي شخص أن يصرخ من مقعده ويقول ما يخطر بباله. سيذهبون إلى منطقة الزلزال ويقفون ويعودون فقط، ولن يستغلوا سوى الألم الذي يمرون به أمام الكاميرات”.
فيما يتعلق بالتمسك بوعد 14 من مايو تاريخ تنظيم الانتخابات يرى الباحث السياسي في الشأن التركي، محمود علوش، أن هذه القضية “تكتسب أهمية كبيرة على صعيد الحسابات الانتخابية لإردوغان”.
ويقول لموقع “الحرة”: “هو يرى بأن هذا الموعد هو الأفضل الذي يُمكن أن يُحقق فيه نتائج جيدة، مقارنة بالموعد الأصلي (18 يونيو)، أو احتمال التأجيل الذي أثير بعد الزلزال”.
وهناك دوافع عدة أملت على إردوغان المضي في هذا الخيار، رغم بعض المخاطر التي ينطوي عليها، خصوصا فيما يتعلق بتداعيات الزلزال المدمر على المشهد الانتخابي التركي.
ويوضح علوش أن أولها، ترتبط بنية الرئيس التركي ضمان مشاركة أوسع من القاعدة الشعبية المؤيدة له، لا سيما أن التاريخ الأصلي يتزامن مع موسم العطلة الصيفية وسفر الكثير من الحجاج الأتراك إلى السعودية، لأداء فريضة الحج وعددهم كبير ومهم.
في غضون ذلك يراهن إردوغان على أن الوعود التي قدّمها بإعادة إعمار المناطق المنكوبة خلال عام والدعم الكبير الذي قدمه للعائلات المتضررة يُمكن أن يُساعد في احتواء تداعيات الزلزال على العملية الانتخابية في حال إجرائها في 14 مايو، بدلا من تأجيلها، خصوصا أن الضغوط الاقتصادية على البلاد ستتزايد في الفترة المقبلة.
ويشير الباحث إلى “دافع أهم”، إذ يراهن إردوغان أيضا على “إحراج أحزاب المعارضة، في وقت لا يزال التحالف السداسي عاجزا في التوافق على مرشح رئاسي مشترك للمنافسة في الانتخابات الرئاسية”.
ماذا عن المعارضة؟
وكان من المقرر أن تعلن أحزاب المعارضة ضمن “الطاولة السداسية” اسم منافسها في الثالث عشر من شهر فبراير، إلا أن كارثة الزلزال أرجأت القضية لموعد لاحق، هو الثاني من شهر مارس الحالي.
وضمن أوساط “حزب الشعب الجمهوري”، أكبر أحزاب المعارضة، تشير المعطيات إلى أن زعيمه، كلشدار أوغلو، لا يزال “مصمما على الترشح”، وهو موقف يلقى تأييدا من “حزب السعادة” و”المستقبل” و”الحزب الديمقراطي”، إضافة إلى “حزب الديمقراطية والتقدم”، الذي يرأسه، علي باباجان.
لكن هناك معارضة من جانب “حزب الجيد” ذو الجذور القومية، والذي تتزعمه، ميرال أكشنار، وذكرت وسائل إعلام محسوبة على المعارضة مرارا أن هذه المرأة تفضّل عمدة أنقرة، منصور يافاش، كمرشح رئاسي.
وكان، كلشدار أوغلو، وصل إلى رئاسة “حزب الشعب” عام 2010، بعد استقالة سلفه الراحل، دينيز بايكال، وسبق أن شارك مع “حزب الحركة القومية” المعارض في ترشيح، أكمل الدين إحسان أوغلو، في أغسطس 2014، بطريقة التصويت المباشر، لكنه خسر أمام مرشح “العدالة والتنمية” حينها إردوغان.
ويتزعم هذا السياسي المعارضة التركية باعتباره رئيس أكبر أحزابها، ويعرف داخليا بمواقفه المناهضة بشدة لحزب العدالة والتنمية وحكوماته المتعاقبة، كما يعارض بقوة سياسات الحزب الخارجية.
ولا يعرف بالتحديد ما إذا كان سيحظى بحظوظ كبيرة للفوز أمام إردوغان، ولاسيما مع تضارب نتائج استطلاعات الرأي، والتي ازداد انحراف بوصلتها، بفعل الكارثة التي حلّت قبل أسابيع.
أما، منصور يافاش، الذي حظي بكرسي رئاسة بلدية أنقرة في الانتخابات، ورغم أنه كان يسير باستراتيجية قائمة على الهدوء فيما يخص الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلا أنه كسر جمود هذه الحالة، باستعداده للمنافسه “في حال أجمعت الطاولة السداسية” على ذلك.
وكان السياسي قد انضم إلى “حزب الشعب الجمهوري” في عام 2014، قادما من حزب “الحركة القومية”، حليف الحزب الحاكم “العدالة والتنمية”، ولطالما أظهرت استطلاعات رأي حظوظا أكبر بالنسبة له قياسيا، لكلشدار أوغلو.
ولد يافاش عام 1955 بحي “باي بازاري” في العاصمة أنقرة، وتخرج من كلية القانون من جامعة إسطنبول في عام 1983، ثم تخرج وعمل محاميا في “باي بازاري” لمدة 13 عاما.
وقد بدأ العمل السياسي في سن مبكر، حيث كان عضوا في مجلس البلدية من 1989 إلى 1994، ثم انتخب عمدة لحي “باي بازاري” في عام 1994.
وكان وصوله إلى كرسي رئاسة بلدية العاصمة أنقرة قد جاء بعد محاولتين فاشلتين، الأولى بعدما رشح نفسه لأول مرة للمنصب عن “الحركة القومية” في عام 2009، والثانية في 2014 عن “حزب الشعب الجمهوري”، الذي ينتمي إليه الآن.
“شهر تركي حافل”
وبإعلان إردوغان عن الرابع عشر من مايو على أنه سيكون موعد الانتخابات المقبلة باتت البلاد أمام “شهر حافل” (مارس)، ستغطي فيه التحركات والاستعدادات الانتخابية على التصريحات والإعلانات التي تسود على نحو كبير، إزاء الكارثة الحاصلة.
من جانب المعارضة تشير وسائل إعلام، الأربعاء، إلى أنه “إذا تم تحديد المرشح في اجتماع 2 مارس، فسيتم الإعلان عنه عقب الكشف عن تقويم الانتخابات في البلاد”.
ومن المقرر الإعلان عن الترشيح مع برنامج كبير يتم إجراؤه في منتصف الشهر الحالي.
وإذا ما اتخذ إردوغان قرارا رسميا في 10 مارس بإجراء الانتخابات في 14 مايو، فسيتم الإعلان عن المرشح الخاص بـ”طاولة المعارضة السداسية”، فورا وخلال أسبوع بعد هذا التاريخ.
ويقول الكاتب والصحفي التركي، علي كمال إرديم، إن “كمال كلشدار أوغلو سيخرج من اجتماع يوم الخميس كمرشح رئاسي”.
ويضيف: “أنا لا أقول ذلك بناءً على أي معلومات أو وراء الكواليس. كل الدلائل تشير إلى هذا الاتجاه”.
وبينما كتبت الكاتبة والصحفية في موقع “خبر تورك”، كوبرا بار، الأربعاء، أن الناس المنكوبين إثر الزلزال المدمّر “غاضبين من الحكومة”، إلا أنهم وفي المقابل “ينتظرون حلا من المعارضة”.
وتقول الكاتبة: “مع ذلك فإن الفارق بين الحكومة والمعارضة أن الأولى تعمل بشكل استباقي. هي على علم بالغضب الناجم عن التقصير في الأيام الأولى، لكنها أعدت على الفور خطة عمل مضادة”.
“اجتمع الفريق الاستراتيجي الذي تم تشكيله للدراسات الانتخابية عدة مرات وقام بمراجعة الحملة، وكما في فترة الوباء، قررت الحكومة تشكيل مجلس علمي للزلازل والقيام بالتخطيط للكوارث لتغطية جميع أنحاء تركيا”.
وتضيف الكاتبة: “اتخذوا إجراءات على الفور. منازل جديدة، إغاثة من الزلزال، تحول حضري (..) إنهم يستعدون لخطاب عملي المنحى”، ولذلك يجب على المعارضة “التكيف بسرعة مع الوضع بعد الزلزال والإعلان عن خطة عمل جديدة، تتماشى مع توقعات الناخبين”.
واعتبرت بار: “إذا لم يكن هناك إجماع اليوم وأصر، كلشدار أوغلو، على أن يكون مرشحا بغض النظر عن اعتراضات حزب الجيد والواقع في استطلاعات الرأي، فقد يواجهون الزلزال الثاني في صناديق الاقتراع”، في إشارة منها لأحزاب المعارضة.
من جانب آخر، ومع أن إجراء الانتخابات في 14 مايو يفرض تحديات كبيرة على إردوغان، كونه يُكافح منذ الزلزال المدمر لاحتواء الكارثة والحد من تداعياتها على وضعه السياسي، فإنه “يفرض تحدي أكبر على تحالف المعارضة للتوافق على مرشح رئاسي مشترك في الفترة المتبقية للانتخابات”.
ويتابع الباحث في الشأن السياسي التركي، علوش، أن “هذه المسألة تزداد صعوبة في ظل عامل الوقت القليل الذي يضغط بشدة على تحالف المعارضة”.
“ضفة ثالثة”
وستكون انتخابات 2023 واحدة من أكثر الانتخابات التاريخية في تركيا، التي سيشتد فيها السباق وتصل التوترات السياسية إلى ذروتها، وكثيرا ما وصفها إردوغان بـ”الحاسمة والمصيرية”، وفي مقابله أحزاب المعارضة.
ويتوقع مراقبون أن تحسم من الجولة الأولى، بينما يرى آخرون أن هذا الأمر مستبعد، إذ ستشهد “جولتين” (أولى وثانية)، وخاصة إذا ما ترشحت عدة أسماء لمنصب “الرئيس”.
ويجب أن يحصل المرشحون على نسبة “50+1” من الأصوات على الأقل ليتم انتخابهم، لكن وفي حال لم يحصل أي مرشح على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تُجرى جولة ثانية بعد 15 يوما، بين المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات أولا. وبعد ذلك سينتخب المرشح الذي يحصل على أغلبية الأصوات الصحيحة رئيسا.
وبينما يتصدّر إردوغان كمنافس عن تحالف حزبه مع “الحركة القومية” و”حزب الاتحاد الكبير”، وتستعد المعارضة للكشف عن اسمها، تتجه الأنظار إلى الضفة التي سيمضي باتجاهها “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد.
ويرى مراقبون أن “المرشح” الذي ستحدده الطاولة السداسية في الأيام المقبلة سيؤثر على تحديد “حزب الشعوب” لمرشحه.
وسبق أن ألمحت تصريحات مسؤولين كبار فيه إلى أنه يستعد للمنافسة في الانتخابات، بمرشح خاص، وبموجب التحالف الذي أسسه مؤخرا مع خمسة أحزاب أخرى.
وأطلق على التحالف اسم “تحالف العمل والحرية”، ويضم أحزاب: “العمال التركي TİP”، “العمل EMEP”، “الحرية الاجتماعية TOP”، “الحركة العمالية EHP”، “اتحاد المجالس الاشتراكية”.
ولطالما وصف مسؤولون في “الشعوب الديمقراطي” الحزب بأنه “صانع الملوك” في البلاد، قاصدين الدور الذي يلعبه في كل انتخابات، من زاوية ترجيح الضفة التي ينضم إليها، بناء على القاعدة الشعبية الخاصة به.
وفي أول انتخابات خاضها في يونيو 2015 كان “الشعوب الديمقراطي” قد حصل على 13.1 في المئة من الأصوات و80 مقعدا في البرلمان المكوّن من 550 مقعدا.
وفي انتخابات 2018 حصل على نسبة 11.7 في المئة من الأصوات و67 مقعدا في البرلمان (من أصل 600 مقعد بعد التعديل الدستوري) ليكون ثالث أكبر حزب في “مجلس الأمة الكبير” (البرلمان) بعد “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”.
أما في عام 2019، فقد أسفر الدعم الذي قدمه في الجولة الثانية من انتخابات البلدية إلى رجحان كفة المعارضة وبالتحديد “حزب الشعب الجمهوري” في الفوز برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول.
بدوره يقول العضو البرلماني في الحزب الموالي للأكراد، عمر فاروق جيرجيلي أوغلو، لموقع “الحرة” إن “هناك عدة سيناريوهات للشعوب الديمقراطي، لكن لم يعلن عنها بعد”.
ويضيف جيرجيلي أوغلو: “من الواضح أنه لن يدعم تحالف الحزب الحاكم، بينما سيدعم تحالف المعارضة إذا أظهرت أحزابه موقفا ديمقراطيا”. ومع ذلك اعتبر العضو البرلماني أن “العامل الحاسم هو أن تحالفي الحزب الحاكم والمعارضة في نفس الموقف، وأن المسألة الكردية هي المشكلة الرئيسية”.