صعدت روسيا خلال الأيام القليلة الماضية، من تلويحها باستخدام السلاح النووي بالتزامن مع مرور عام على ذكرى الغزو الروسي لأوكرانيا، بعد تعليقها المشاركة في اتفاقية “نيو ستارت”، وإعلانها عن خطط لنشر صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، بينما يتحدث خبراء لموقع “الحرة” عن مآلات وتداعيات تلك الإجراءات المتعاقبة.
“صواريخ الشيطان” تعود للواجهة
سارمات” قادر على حمل أكثر من عشرة رؤوس حربية نووية
الخميس، لوح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالترسانة النووية لبلاده، متحدثا عن خطط لنشر صواريخ باليستية جديدة متعددة الرؤوس عابرة للقارات من طراز “سارمات” هذا العام.
ويسمي الغرب ذلك الطراز من الصواريخ باسم “ساتان 2” أو(الشيطان2)، وهو سلاح قادر على حمل رؤوس حربية نووية متعددة.
وسبق أن أعلن بوتين، أن صاروخ “سارمات” سيدخل الخدمة في 2022، ووصفه في أبريل الماضي بأنه قادر على “إحباط كل الأنظمة المضادة للطائرات” و”سيدفع من يحاولون تهديد (روسيا) الى التفكير مرتين، وفقا لـ”فرانس برس”.
ويندرج “سارمات” في إطار الصواريخ التي اعتبر بوتين أنها “لا تقهر”، مؤكدا أن مداه شبه لا محدود.
وفي عام 2016، تم الكشف عن “سارمات” لأول مرة وقالت وسائل الإعلام الحكومية الروسية إن مداه يتجاوز 11 ألف كيلومتر، ويمكن أن يحمل الصاروخ رأسا حربيا يبلغ وزنه 100 طن، وفقا لشبكة “سي إن إن” الإخبارية.
و”سارمات”، قادر على حمل أكثر من عشرة رؤوس حربية نووية، والتي يمكن أن تدمر مدنا بأكملها، وهو قادر على الوصول بسهولة إلى معظم الأماكن على هذا الكوكب بسبب مداه، وفقا لموقع “بيزنس أنسايدر”.
وقال بوتين في التصريحات التي نشرها الكرملين، “سنولي اهتماما متزايدا لتعزيز الثالوث النووي”، في إشارة إلى إمكانية إطلاق الصواريخ النووية من البر والبحر والجو، حسب “رويترز”.
وأضاف “سنواصل الإنتاج الواسع لأنظمة كينجال الفرط صوتية، وسنبدأ في تجهيز إمدادات ضخمة من صواريخ زيركون الأسرع من الصوت التي تنطلق من البحر”.
وأكد أن روسيا ستواصل إيلاء اهتمام متزايد لتعزيز “قواتها النووية”، وستبدأ عمليات تسليم جماعية لصواريخ زيركون الفرط صوتية التي تطلق من البحر، وستواصل تجهيز قواتها المسلحة بـ”معدات متطورة”.
وجاءت تصريحات بوتين بعد يومين من إعلانه أن روسيا ستعلق مشاركتها في “معاهدة نيو ستارت”.
والثلاثاء، أعلن بوتين تعليق مشاركة بلاده في معاهدة “نيو ستارت” الروسية-الأميركية للحد من الأسلحة النووية، في قرار صادق عليه البرلمان الروسي، الأربعاء.
ما هي “نيو ستارت”؟
صورة لسلاح نووي روسي/ 1998/ أرشيف
في العام 2010، تم توقيع وقعت “نيو ستارت”، في العاصمة التشيكية براغ بين الرئيس الأميركي في حينه، باراك أوباما، والرئيس الروسي وقتها، دميتري مدفيديف.
وفي عام 2011، دخلت المعاهدة حيز التنفيذ، للحد من عدد الرؤوس الحربية النووية الاستراتيجية التي يمكن للبلدين نشرها.
وتملك روسيا والولايات المتحدة معا 90 بالمئة من الرؤوس الحربية النووية في العالم، حسب “رويترز”.
وتحد “نيو ستارت” كلا من الترسانتين النوويتين للقوتين إلى 1550 رأسا حربية على الأكثر يسمح بنشرها لكل منهما، أي أقل بـ 30 بالمئة من الحد الأقصى الذي تم تحديده في عام 2002، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتحد المعاهدة من عدد منصات الإطلاق والقاذفات الثقيلة إلى 800، وهو عدد ما زال يكفي لإلحاق دمار شامل بالأرض عدة مرات، حسب “فرانس برس”.
وبموجب معاهدة نيو ستارت، تلتزم موسكو وواشنطن بنشر ما لا يزيد على 1550 رأسا نووية و700 صاروخ وقاذفة قنابل، حسب “رويترز”.
ويعد هذا الاتفاق، آخر معاهدة ثنائية قائمة بين روسيا والولايات المتحدة تلزم القوتين العظميين بخفض ترسانتيهما من الرؤوس النووية.
ماذا يعني تعليق روسيا المشاركة؟
معاهدة نيو ستارت تعد آخر اتفاق ثنائي بين البلدين
رغم إعلان موسكو تعليق المشاركة في “نيو ستارت”، لكن وزارة الخارجية الروسية أشارت، إلى أنها روسيا ستواصل “احترام قيود ترسانتها النووية” حتى الانتهاء الفعلي للمعاهدة في الخامس من فبراير 2026.
وفي عام 2021، تم تمديد المعاهدة لمدة خمس سنوات بعد أن تولى الرئيس الأميركي، جو بايدن، مهام منصبه.
ويؤكد أستاذ القانون الدولي، أيمن سلامة، أن نص اتفاقية “نيو ستارت”، لا يسمح بـ”التعليق أو الانسحاب الانفرادي” لأي من طرفي المعاهدة.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يقول إن “تعليق الاشتراك في المعاهدات الدولية يختلف عن الانسحاب منها”.
ويشير إلى أن “الانسحاب يعني ترك الصك الدولي تماما والتحلل من كافة الالتزامات الواردة بالمعاهدة الدولية من حقوق أو واجبات”.
ولا يعني تعليق العضوية كما هو الحال بالقرار الروسي “التملص النهائي أو فسخ المعاهدة”، لكن ذلك يعكس “تعطيل” بعض الإجراءات التي تشملها “نيو ستارت”، وفقا لحديث سلامة.
ويتفق معه الخبير العسكري والاستراتيجي، ناجي ملاعب، الذي يؤكد أن مفعول الاتفاقية مازال ساريا، وأن تعليق المشاركة لا يعني “الانسحاب”.
وفي حديثه لموقع “الحرة”، يشير إلى أن التعليق الروسي يعني إلغاء حضور المراقبين الأميركيين لتجارب الإطلاق الروسية وكذلك عدم حضور المراقبين الروس لتجارب الإطلاق التي تجريها الولايات المتحدة.
وحسب الاتفاقية، تخضع كل من الولايات المتحدة وروسيا للتفتيش بهدف التأكد من عدم إمكانية استخدام صواريخهما النووية بطريق الخطأ وذلك بعد أن كاد التوتر لسنوات خلال الحرب الباردة أن يؤدي إلى “وقوع أخطاء”، وفقا لـ”فرانس برس”.
وتسمح “نيو ستارت”، لمفتشين أميركيين وروسا على حد سواء بالتأكد من امتثال الجانبين للمعاهدة، ويمكن لكل جانب إجراء ما يصل إلى 18 عملية تفتيش لمواقع الأسلحة النووية الاستراتيجية كل عام للتأكد من أن الطرف الآخر لم ينتهك حدود الاتفاقية.
من جانبه يقلل الخبير العسكري والاستراتيجي، سمير راغب، من أهمية “تعليق روسيا المشاركة في الاتفاقية”، مرجعا ذلك لكون الإجراءات الخاصة بالتفتيش “معطلة بالفعل” منذ عام 2020.
وفي مارس 2020، جرى تعليق عمليات التفتيش بموجب المعاهدة بسبب جائحة كوفيد-19.
وفي التاسع من أغسطس 2022، أعلنت روسيا تعليق عمليات التفتيش الأميركية المقررة لمواقعها العسكرية في إطار المعاهدة، مؤكدة أنها أقدمت على ذلك ردا على العراقيل الأميركية لعمليات التفتيش الروسية المماثلة في الولايات المتحدة.
وفي نوفمبر 2022، كان من المقرر إجراء محادثات بين موسكو وواشنطن لاستئناف عمليات التفتيش في مصر، لكن روسيا أجلتها ولم يحدد أي من الجانبين موعدا جديدا.
مستشهدا بالوقائع السابقة، يؤكد سمير راغب، أن قرار التعليق “سياسي”، لكن ما يتبعه من إجراءات هو “عسكري بامتياز”.
ماذا بعد تعليق المشاركة؟
صاروخ نووي روسي/ أرشيف
يرى أيمن سلامة في تصريحات بوتين الصادرة الخميس والتي أعقبت تعليق المشاركة في الاتفاقية، “مؤشرا خطيرا جدا”.
ويعني تصريح بوتين أن “روسيا جاهزة لتمزيق بنية الحد من الأسلحة النووية” بما يشمل الاتفاقات والمعاهدات المنظمة لذلك الشأن، حسب حديث سلامة.
ويقول سلامة إذا انهارت المعاهدة وانسحب أي طرف منها نستطيع الجزم بأن “البنية التحتية للتحكم في الأسلحة النووية” سوف تختفي تماما، محذرا من “تداعيات ذلك”.
من جانبه يشير سمير راغب إلى تطور خطير لما بعد تعليق روسيا المشاركة في “نيو ستارت”، ويتمثل في “إمكانية نشر روسيا أسلحة استراتيجية في دول خارج روسيا الاتحادية على غرار بيلاروس، وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا”.
ويري أن الإجراءات الروسية الأخيرة والمتعلقة بـ”نشر السلاح النووي، وتصاعد سباق التسلح، وإجراء التجارب النووية دون تنسيق”، تمثل أجواء حرب باردة جديدة.
والحرب الباردة هو مصطلح يُستخدم لوصف حالة الصراع والتوتر والتنافس التي كانت توجد بين الولايات المتحدة وحلفائها من جانب، وبين الاتحاد السوفيتي المنحل وحلفائها من جانب آخر، والتي امتدت من فترة منتصف الأربعينيات حتى أوائل التسعينيات.
رسائل روسية نووية؟
علم روسيا على الأرض بالقرب من دبابة روسية مدمرة بخاركيف في 14 سبتمبر 2022
يربط ناجي ملاعب بين الإجراءات الروسية المتعاقبة وبين “عدم تحقيق موسكو أي من أهداف بوتين المعلنة خلال الحرب في أوكرانيا”.
وعندما بدأ بوتين ما اسماه بـ”عملية عسكرية خاصة”، قال إنها من أجل “نزع سلاح” أوكرانيا، والقضاء على “النازيين” فيها، والدفاع عن “جمهوريتي” لوغانسك ودونيتسك الانفصاليتين في إقليم دونباس بشرق أوكرانيا، حسب “فرانس برس”.
ويؤكد ملاعب أن بوتين لم ينجح في تحقيق أي من “أهدافه الثلاثة”، ويشير إلى أن “القوات الروسية تتكبد خسائر بشرية هائلة وفي المقابل يدعم الغرب كييف بشكل غير مسبوق”.
وفي مواجهة ذلك استحضر بوتين الحديث عن “الجهوزية النووية”، لتحقيق هدفين رئيسيين، وفقا لحديث ملاعب.
ويري ملاعب أن رسالة بوتين الأولى موجهة نحو الداخل الروسي وتهدف لتطمين الشعب بأنه ملتزم بتحقيق النصر، ولو اضطر إلى استخدام كافة أنواع الأسلحة بما فيها النووي.
وفيما يتعلق بالرسالة الثانية فهو موجهة نحو دول الغرب، بهدف رسم “خطوط حمراء” بدءا من شبه جزيرة القرم التي ضمتها موسكو في عام 2014 وحتى أراضي الاتحاد الروسي، حسب ملاعب.
ويتفق مع الطرح السابق، سمير راغب الذي يقول إن روسيا تري أنها غير مستفيدة من الالتزام باتفاقية “نيو ستارت”، ولذلك فهي توجه عدة رسائل خلال الأيام الماضية.
ويري راغب أن روسيا تحاول استغلال واستثمار “تفوقها النووي” لحسم الحرب في أوكرانيا، ومواجهة توسع الناتو ودعم دول الغرب لكييف.
والعام الماضي، وصفت روسيا خطر نشوب صراع نووي بأنه حقيقي وقالت إنه ينبغي عدم الاستهانة به لكن يجب تجنبه بأي ثمن، حسب “رويترز”.
وزادت المخاوف من حدوث مواجهة نووية منذ غزو أوكرانيا، وذكّر بوتين العالم بحجم ترسانة موسكو وقوتها وقال إنه مستعد لاستخدام كل الوسائل الضرورية للدفاع عن “وحدة أراضي” روسيا.
وتمتلك روسيا أكبر مخزون من الأسلحة النووية في العالم بما لديها من نحو 6000 رأس حربي، وفقا لـ”رويترز”.
وتسمح العقيدة النووية الروسية بتوجيه ضربة نووية بعد “العدوان على روسيا الاتحادية بالأسلحة التقليدية عندما يكون وجود الدولة ذاته مهددا”.
ويشير سمير راغب إلى أن روسيا ستعمل على “ألا تسمح أبدا” بهزيمتها في أوكرانيا، حتى لو أدى ذلك لإشعال حرب نووية.
وخلال الحرب في أوكرانيا يضع الكرملين احتمالين لا ثالث لهما وهما “الانتصار أو استمرار الصراع”، ولذلك لن تقبل روسيا الهزيمة، وفقا لحديث راغب.
وحسب راغب فإن روسيا توجه رسالة لدول الغرب مفادها أن الهزيمة في أوكرانيا تعني “اشتعال الحرب العالمية الثالثة”.
لكن على الجانب الآخر، أكد حلف شمال الأطلسي الجمعة أنه “مصمم على مساعدة أوكرانيا” على التصدي للغزو الروسي، معتبرا أن موسكو “لم تتمكن من كسر عزيمة الشعب الأوكراني” مع مرور عام على بدء الهجوم.
من جانبه، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في كلمة ألقاها بمناسبة مرور عام على بدء الغزو الروسي، أن بلاده لن تتوقف “طالما لم يعاقَب القتلة الروس”.
وقال زيلينسكي في كلمته عبر الفيديو التي بثتها مواقع التواصل الاجتماعي “لن نغفر أبدا. لن نستكين طالما لم يعاقَب القتلة الروس. من قبل المحكمة الدولية أو بالعدالة الإلهية أو بأيدي جنودنا”.