مصر تمهد لتقاسم الثروة بين الزوجين بعد الانفصال

المتشددون وجدوا فرصة للهجوم على الحكومة المصرية بسبب التغييرات التي أُجريت على مدونة الأسرة.

أحدثت المادة التاسعة عشرة من مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد في مصر جدلا أسريا واسعا، لكونها تمهد الطريق أمام الزوجة لاقتسام ثروة زوجها بعد الطلاق، وحصولها على حقوقها الشرعية والقانونية الأخرى، من النفقة الزوجية ومؤخر الصداق وحق السكن وغير ذلك.

وأثار مشروع القانون امتعاض الكثير من الرجال، لأنه يمنح السيدات حقوقا مالية جديدة، واستقبلت المنظمات النسوية المقترح بإشادة لأنه يوقف إذلال المطلقات ولا يجعلهن عرضة للتسول وسوء الأوضاع المعيشية بعد الانفصال، فيما وجد فيه المتشددون فرصة للهجوم على الحكومة المصرية بسبب التغييرات التي أُجريت على مدونة الأسرة.

ومن المتوقع موافقة مجلس النواب على القانون نهائيا، لأنه مدعوم من الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي شكّل لجنة قضائية لإعداد تشريع عصري يعيد التوازن للعلاقات الأسرية ويقضي على مشكلات ما بعد الطلاق.

أسماء عبدالعظيم: الفكرة في حد ذاتها إيجابية للمرأة التي ألقاها زوجها ورفض الإنفاق عليها أسماء عبدالعظيم: الفكرة في حد ذاتها إيجابية للمرأة التي ألقاها زوجها ورفض الإنفاق عليها

وينص المشروع على اقتسام ما يتم تكوينه من ثروات وممتلكات وأموال خلال فترة الزوجية، وفي حالة الطلاق يتم توزيعها مناصفة بين الشريكين، وهذا بجانب الحقوق الأخرى للزوجة المترتبة على الطلاق، ولا يدخل في الاتفاق الميراث أو الهبة التي تؤول إلى أحد الزوجين أو ما تم تكوينه قبل الزواج.

ويسعى معارضو الفكرة لنسفها من الجذور بدعوى أن التشريع يمثل لبعض السيدات فرصة لاستغلال أي خلاف مع الزوج لطلب الطلاق والحصول على نصف ثروته، وهذا قد يكون نوعا من الابتزاز المادي والمعنوي للزوج، لا أحد يستطيع إثباته.

ويسعى القانون لتخصيص جزء من ثروة الزوج للمطلقة حال قيامه بطلاق زوجته بعد فترة من زواج أثمر أطفالا، على أن يكون نصيب المطلقة محددا وفق معايير، منها فترة الزواج وعدد الأبناء ومسارهم التعليمي، لحماية المطلقة وأولادها من المجهول.

ويؤكد المناصرون أن تقاسم الثروة بين الشريكين، حال الانفصال، يحافظ على حقوق المرأة بعد طلاقها من زوجها بعلمها أو بدونه، ويحافظ على حقوق أي زوجة تجد نفسها فجأة بلا ضمانات وتزداد معاناتها مع تأخير حسم قضايا النفقة في المحاكم.

وتلجأ الكثير من المطلقات إلى عدم الزواج مرة أخرى كي يحتفظن بحضانة أولادهن، لكنهن يعشن مرارة سوء الأحوال المعيشية، رغم أنهن قد يكنّ ساهمن في تكوين ثروة أزواجهن، وهي الفلسفة التي على أساسها تم إدراج مادة المناصفة في مشروع القانون الجديد، كنوع من إنصاف الزوجة التي كافحت مع شريكها.

وترى الكثير من الأصوات الداعمة لتقاسم ثروة الرجل مع المرأة بعد الطلاق أن الأزمات التي تعيشها السيدات بعد انفصالهن تكفي لتكريس الفكرة، لأن الرجل لا يطلق الزوجة ومعها أولادها، والكثير من المطلقات لا يجدن الحد الأدنى من الموارد للإنفاق على أنفسهن وأبنائهن.

واعتادت الكثير من الأسر المصرية تحميل المرأة مسؤولية طلاقها دون اكتراث بالأسباب التي أوصلت علاقتها بشريكها إلى الانهيار، وبعض المطلقات يواجهن معاملة شديدة القسوة من أفراد أسرهن، فلا يمنحوهن الدعم المادي والمعنوي اللازمين، لتجد المطلقة نفسها تصارع وحدها لأجل الحصول على عائد من الزوج بعد الانفصال.

وسبق أن تم طرح الفكرة ذاتها التي يحملها مشروع القانون الجديد في مجلس النواب منذ عامين، غير أنه لم يُكتب لها النجاح أمام تصاعد الجدل الأسري في ذلك الوقت. لكن هذه المرة تدعم الحكومة المقترح بقوة، وتم إدراج هذا النص في قانون الأحوال الشخصية الجديد للحد من قهر المرأة بعد الطلاق.

وقال أعضاء اللجنة القضائية المشاركون في وضع القانون إنه من الطبيعي حصول المطلقة على جزء من ثروة زوجها بعد الانفصال، لأنها ساعدته في تجميعها بالدعم أو التفرغ لتربية أولادها وإنهاكها في شؤون المنزل، وعدم إرهاق الرجل في أيّ شيء ليركز جهده على تكوين هذه الثروة.

ويسعى المعارضون للمقترح إلى ترهيب البرلمان من منطلق أن الاستسهال في وضع نصوص تشريعية داعمة للمرأة قد تكون له انعكاسات سلبية على العلاقة الزوجية التي يفترض أن تقوم على المشاركة والتفاهم، لا الحسابات المادية والمكسب والخسارة.

ويدعم محمد سعيد، وهو شاب تزوج قبل ثلاث سنوات ونجح في إنشاء شركة تعمل في تجارة المواد الغذائية، أن تحصل الزوجة على نصف ثروة الرجل بعد الطلاق، لكن المهم ألا يتم استغلال ذلك لابتزاز الرجل عند أي مشكلة تقع بينهما حتى تحصل على عوائد مادية ثم تذهب وتتزوج من رجل آخر.

وأكد أن “أي رجل لم ينجح وحده بعد الزواج في تكوين ثروة، أيا كان نوعها، دون مساندة زوجته. لكن لا بد من وضع معايير تضمن عدم استغلال المرأة لحق اقتسام الثروة في أن تمارس الضغط والابتزاز على الرجل، فقد تكون هي السبب في وصول العلاقة إلى الانهيار كي تحصل على جزء من ثروته”.

وتبدو مبررات الزوج منطقية إلى حد بعيد، لكن بحكم الواقع المصري لا ترغب أي امرأة في حمل لقب مطلقة لمجرد الحصول على مكاسب مادية، لأنها في مقابل ذلك ستواجه وصمة أسرية لا تستطيع تحملها، ونظرة دونية تضاعف الأعباء النفسية عليها، ما ينفي فرضية الطلاق من أجل جزء من ثروة الرجل.

◙ مخاوف من أن يتسبب تمرير النص التشريعي الخاص بتقاسم ثروة الزوج مع المرأة في ارتفاع ظاهرة الهجر الزوجي◙ مخاوف من أن يتسبب تمرير النص التشريعي الخاص بتقاسم ثروة الزوج مع المرأة في ارتفاع ظاهرة الهجر الزوجي

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية أن مواجهة المشكلات التي تطرأ تتطلب حلولا أكبر من سن تشريعات قد تفتح بابا للاستغلال والانتهازية بين الزوجين؛ وذلك بنشر ثقافة المودة والتراحم واحترام العلاقة الزوجية، والتدخل لوقف الصراعات بين الشريكين التي تؤثر على الأبناء، بدلا من الاهتمام بالشق المادي فقط.

وذكرت أسماء عبدالعظيم، استشارية العلاقات الزوجية في القاهرة، أن حصول المطلقة على جزء من ممتلكات زوجها له مزاياه وعيوبه أيضا، فهو يقضي على تسول المرأة لنيل حقوقها المادية التي تعينها هي وأولادها بعد الانفصال، لكن ليست كل النساء لديهن صفات ملائكية فقد تستثمره بعضهن في الابتزاز.

وأوضحت أن “الفكرة في حد ذاتها إيجابية للمرأة التي ألقاها زوجها ورفض الإنفاق عليها بعدما ساعدته على نحت كيانه وتكوين ثروة مضاعفة بعد الزواج، وتحملت معه مسؤوليات جسيمة، وضحت بسعادتها وصحتها لتوفير الراحة له، لكنه لم يراع ذلك وعندما تحسنت ظروفه أنهى العلاقة معها ليتزوج بأخرى”.

وأمام الجدل الأسري، بين مؤيد ومعارض ومتحفظ، خرجت بعض الأصوات المطالبة بحصول الرجل على نصف ثروة شريكته عند الانفصال طالما جمعتها بعد الزواج، وهو من ساهم معها وساعدها على ذلك، وبعد كفاحه معها قد تقرر خلعه قضائيا.

ويأتي الخوف الأكبر من تمرير النص التشريعي الخاص بتقاسم ثروة الزوج مع المرأة من أن يتسبب في ارتفاع ظاهرة الهجر الزوجي، بحيث يترك الرجل شريكته دون طلاق رسمي كنوع من إجبارها على طلب الطلاق والتنازل عن حقوقها لتنال حريتها، أو تضطر إلى رفع دعوى خلع وتخسر كل شيء، وهي إشكالية تعمق الأزمات الأسرية.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى