استمرار الأزمة السياسية في العراق يثير مخاوف دول الخليج.. لماذا؟

بالرغم أن العملية السياسية في العراق تبدو عقيمة منذ فترة طويلة، إلا أن الانتخابات التشريعية في أكتوبر/تشرين الأول2021 كانت محورية، فقد حصد تحالف “الصدر” أغلبية المقاعد بواقع  73 مقعدًا، وأصبح “الصدر” مؤهلاً لتشكيل حكومة ائتلاف.

لكن منافسي “الصدر” (وهم من الأحزاب الشيعية المدعومة من إيران بالأساس ويشار إليهم باسم الإطار التنسيقي) رفضوا عملية الانتخابات بزعم أنها مزورة. وطلب الإطار التنسيقي من المحكمة العليا إلغاء نتائج الانتخابات، واستمرت الأزمة في ديسمبر/كانون الأول2021، بالرغم أن المحكمة صدقت على نتائج الانتخابات.

واستمرت محاولات الإطار التنسيقي لعرقلة تشكيل الحكومة على مدار أشهر. وفي يونيو/حزيران، استقال العديد من أعضاء تحالف “الصدر” من البرلمان بشكل جماعي، فيما بدا محاولة لمحاولة كسر الجمود السياسي والضغط على خصومه، لكن الواقع أن هذه المقامرة عززت موقف منافسي “الصدر”.

وخلال هذه الفترة، طالب “الصدر” أيضًا بحل البرلمان والانتخابات المبكرة، لكن خصومه استخدموا الثغرات الدستورية لخلق العوائق وعرقلة تشكيل حكومة بمواصفات “الصدر”، وفي نهاية المطاف جاء القرار الدراماتيكي لـ”الصدر” باعتزال السياسة لحل الجمود السياسي.

لكن الأزمة السياسية أخذت منعطفًا عنيفًا في 29 أغسطس/آب عندما قام مؤيدو “الصدر” بالنزول إلى الشوارع واختراق الحواجز الخرسانية حول المنطقة الخضراء في بغداد واقتحام مقر الحكومة. وأسفرت اشتباكاتهم مع قوات الأمن عن مقتل 25 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 350 آخرين، ثم انتهت الأعمال العدائية فجأة عندما أمر “الصدر” أنصاره بإنهاء العنف.

وحدث أمر غير متوقع في 28 أغسطس/آب، عندما تنحى الزعيم الروحي الشيعي “آية الله كاظم الحائري” عن منصبه كزعيم ديني، وحث أنصاره على دعم المرشد الأعلى الإيراني “علي خامنئي”، وكانت هذه الخطوة تقويضَا لشرعية “الصدر” بين أتباع “الحائري”. كما تلقى “الصدر” ضربة أخرى، عندما رفضت المحكمة الفيدرالية الدعوى التي تقدمت بها الكتلة الصدرية.

وفي الواقع كانت هذه الأمة نتيجة طبيعية للصراع المحتدم بين الأحزاب الشيعية المهيمنة على العراق، مما ألقى بالبلاد في دائرة مفرغة.

الخلاف الشيعي-الشيعي

لفهم ما يحدث في العراق، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار 3 جوانب: النظام السياسي في العراق، والانقسامات بين الفصائل الشيعية،.

لن يكون المأزق الحالي هو الأزمة الأخيرة في العراق، وطالما استمر النظام السياسي الفضفاض والهش، فقد تعود أزمات مماثلة إلى الظهور مرة أخرى في أي وقت في المستقبل.

بدأت الأزمة في العراق  في عام 2003. ولا يعني التسوية المؤقتة للأزمات أنها لن تعود في المستقبل. وسيؤدي غياب هوية وطنية متماسكة وأجهزة دولة قوية إلى استمرار حالة عدم الاستقرار مما يمثل تحديًا أمنيًا للدول المجاورة.

وخلال العقدين الماضيين، فشل النظام السياسي في العراق في تحقيق الاستقرار، وكان لدى معظم النخب الحاكمة ميل لموالاة إيران المجاورة، إلا أن كتلة “الصدر” كانت أول من يحجم عن الانحياز لإيران، بالرغم من كونها شيعية. وكانت أفعال “الصدر” ردود فعل على محاولة الإطار التنسيقي حصره في الزاوية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الأمور ازدادت تعقيدا بسبب المجموعات السياسية الكبرى الأخرى، مثل تحالف “متحدون” السني الذي يرأسه “أسامة النجيفي” (والتابع لكتلة البناء والإصلاح) بالإضافة إلى “الاتحاد الوطني الكردستاني” بقيادة “برهم صالح” و”كوسرت رسول”.

ويظل “الصدر” هو الخيار الأفضل للأكراد في السيناريو الحالي، بالنظر إلى التدابير المناهضة للأكراد التي اتخذتها “وحدات الحشد الشعبي” المدعومة من إيران و”الإطار التنسيقي”. ويعد المأزق الحالي أزمة داخلية بين الشيعة وبعضهم، فيما يعد السنة والأكراد غير صلة بالأزمة.

قلق في الخليج

عندما يواجه بلد كبير مثل العراق مثل هذه الأزمة السياسية الضخمة، فإنه يصبح تهديدًا أمنيًا متزايدا للشرق الأوسط. ومع ذلك، لا يوجد في منطقة الخليج رأي موحد فيما يتعلق بالعراق.

وهناك في الواقع 3 مواقف مختلفة في هذا الصدد. ويكمن الموقف الأول في تقبل السيناريو العراقي الحالي، وقد اتخذته دول مثل قطر وعُمان، حيث يبدو أن كليهما اعترف بوضع العراق الحالي وتبنى نهجًا براجماتيًا عبر نسج علاقات دبلوماسية مع الحكومة القائمة.

أما الموقف الثاني الذي تبنته الإمارات والكويت فهو إبداء بعض القلق الهادئ، فيما يمكن رصد الموقف الثالث من تصرفات السعودية والبحرين، اللتان أبدتا قلقًا صاخبًا بشأن الأزمة في العراق، فقد اتهمتا إيران بشكل مباشر بالتدخل في السياسة العراقية وإثارة الاضطرابات الإقليمية.

لكن هذه المواقف قابلة للتغير بناء على الطبيعة الديناميكية للعلاقات بين دول الخليج.

وهناك عاملان محوريان في مخاوف دول الخليج بشأن العراق. في المقام الأول، فإن تنامي الاضطرابات السياسية والأمنية في العراق يوفر مساحة أكبر للنفوذ الإيراني وحصر مصير العراق بين الفصائل الشيعية، وهو ما يمكن ترجمته إلى نفوذ شيعي أكبر في المشهد الخليجي، الأمر الذي تخشاه الرياض.

هناك مصدر قلق آخر يتمثل في هشاشة العراق والمنطقة الأوسع، مع الأخذ في الاعتبار إمكانية تكرار نزاعات العراق الداخلية في الدول المجاورة.

وبغض النظر عن الحلول المؤقتة للأزمة الحالية، سيقى العراق مصدرًا للتهديدات الأمنية من منظور دول الخليج، ولا يمكن أن تتجاهل هذه الدول تداعيات هشاشة العراق مع تصاعد النفوذ الإيراني.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى