بقلم/ باسمة يونس
كن إنكار أهمية منصات التواصل الاجتماعي في نشر المعرفة لسهولة التعامل معها وسرعتها الفائقة في نقل الأخبار والمعلومات، ما يجعلها مغرية للكثيرين ممن يسعون إلى الاطلاع على المستجدات فور حدوثها. إلا أن هذه السرعة قد تأتي على حساب الدقة والمصداقية لافتقار غالبية المعلومات المتداولة إلى التدقيق الصحفي والمراجعة الأكاديمية والصحة، فالمستخدم العادي يمكنه نشر أي محتوى أو نقله من دون التأكد من صحته، مما يفتح الباب أمام انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة، وهذا يجعلنا نعيد النظر في كونها بديلا عن المصادر الصحفية والعلمية الموثوقة.
وخطورة المعلومات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي لا تقتصر على الأفراد بل تمس مجتمعات بأكملها، وقد تصعب إزالة أضرارها على المدى البعيد كتأثيرها على الوعي العام وتوجيه الرأي العام بطرق غير دقيقة قد تهدد الاستقرار الاجتماعي والأمني، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالصحة العامة والاقتصاد وتهديدات الخصوصية وتراجع الثقة في وسائل الإعلام وتعزيز التحيز وغير ذلك من المخاطر.
وبين سهولة الوصول إلى المعلومات والمخاوف من مخاطر التضليل، يثار دائما تساؤل مهم حول مدى موثوقية معلومات مواقع التواصل الاجتماعي، التي تحولت من مجرد أدوات للترفيه والتسلية بين الأفراد إلى مصادر رئيسية للحصول على الأخبار والمعلومات، فهل يمكن اعتبارها أداة لنشر الوعي أم التضليل، وما هي المعلومات التي يمكن الوثوق بها والأخرى التي يجب تجنبها من هذه المواقع؟ وهل حقا يمكننا الاعتماد عليها كمصدر رئيسي للمعرفة أم أنها يجب أن تستثنى من ذلك لحجم المعلومات المضللة فيها وتأثيرها السلبي الذي هو أعظم مما يمكن تخيله؟
لقد أكدت العديد من الدراسات أن المحتوى المثير للجدل والمعلومات المضللة تنتشر بسرعة أكبر من الحقائق الدقيقة والصحيحة، ويعود ذلك إلى خوارزميات مواقع التواصل التي تروج للمحتوى الأكثر جاذبية بغض النظر عن دقته، مما يعزز انتشار الإشاعات بسهولة.
ومع ذلك ورغم تنوع مصادر المعلومات الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي يزداد حضور المصادر غير الموثوقة والتي تشمل الأفراد غير المختصين وصناع المحتوى الهادفين إلى تحقيق الشهرة أو الأرباح على حساب الحقيقة.
لذا، من الضروري أن يطور المستخدم مهارات التحقق من صحة المعلومات قبل تصديقها أو مشاركتها، وأن تسعى المؤسسات المجتمعية لتدريب وتثقيف الأفراد حول أهمية وضرورة التحقق من المصادر والبحث عن الأدلة التي يمكنها تأكيد أو دحض صحة الصور والأفلام المسجلة التي يسهل التلاعب بها، والتأكد من جهة إصدار المعلومة ومقارنتها من خلال مراجعة الأخبار من عدة مصادر مستقلة للكشف عن التلاعب أو التحيز والانتباه بدقة للأسلوب المستخدم في تقديم الخبر، فغالبا ما تكون الأخبار المزيفة مكتوبة بلغة انفعالية أو تحتوي على ادعاءات غير مدعمة بالأدلة.
ورغم المخاطر، يمكن لمواقع التواصل الاجتماعي أن تكون وسيلة فعالة لنشر الوعي والمعرفة إذا استخدمت بحذر، والعديد من المؤسسات الإعلامية والصحفية تستغل هذه المنصات لنشر محتوى دقيق ومدقق كما أن الحملات التوعوية التي تنظمها الحكومات والمنظمات غير الربحية تلعب دورا مهما في مكافحة المعلومات المضللة.
ولكن يبقى الفعل الأساسي أن المستخدم العادي يتحمل مسؤولية التحقق من صحة ما يقرؤه فهو ليس مجرد متلقٍّ للمعلومات، بل يسهم في نشرها أيضا. لذا، من الضروري أن يكون هناك وعي جماعي بأهمية التفكير النقدي وعدم الانسياق وراء العناوين الجذابة من دون التأكد من صحتها، فالثقة بمعلومات مواقع التواصل الاجتماعي يجب أن تكون مشروطة بالتحقق والتدقيق قبل كل شيء.
متابعات