هناك حاجة إلى التعمق أكثر في كيفية تقييم الكتب القديمة والجديدة، وتمييز الجيد منها عن الرديء، فهل نعتمد على الأسلوب والفنيات فقط، أم على الأفكار والعمق، أم بالمزج بينهما؟ وهل يمكن أن تكون الكتب الرديئة التي تسللت عبر الزمن جزءاً من التراث، أو النوادر لمجرد عدم توافرها، أو لأنها قديمة، أم أن القيمة الحقيقية، لا تأتي إلا مع الجودة؟.
هذه التساؤلات حول مصير الكتب القديمة تركز على إمكانية اعتبار الكتب بمحتواها الرديء ذات قيمة، لمجرد قدمها وندرتها، ولكونها جزء من التراث؟، لكن، هل تقييم الكتب يهتم باللغة والحبكة أكثر، أم بالأفكار بوصفها الروح الحقيقية للكتاب، أم هو مزيج بين الاثنين؟، هل علينا تحديد الكتب التراثية ذات القيمة ووضع معايير صارمة لها؟.
يؤكد المؤيدون أن القيمة ليست دائماً مسألة جودة، فالكتاب الرديء قد يكون رديئاً لغوياً وفنياً، لكنه شاهد على حقبة تاريخية، ما يمنحه قيمة ثقافية تجعله يفرض نفسه بين الكتب، بينما يرى المعترضون أنه لا يمكن المساواة بين قيمة هذه الكتب وبين روائع الأدب، فمجرد رفع مستوى الرداءة وجعلها في مقام النوادر لمجرد قدمها، هو تزييف للتاريخ، وتشويه لقيمة الأدب والفكر.
المحايدون يؤمنون بأنه ليس من السهل رفض الكتب القديمة، لمجرد أنها رديئة أو اعتبرت رديئة في وقتها، فهي تعتبر مفاتيح لفهم تطور المجتمعات، ورغم ضعف بعضها فهي تحمل إشارات غير مباشرة إلى طبيعة العقول التي كتبتها، وتضع بين أيدينا انشغالات فكرية مؤثرة في زمنها، والتراث ليس دائما مرآة للجمال، بل هو صورة أشمل وأكثر تعقيداً لما كان.
ولكن، كيف يمكننا التفريق بين ما يستحق أن يصنف جزءا من التراث، وما يبقى مجرد محاولة فاشلة وسقطة في زمنه؟ وهل مسألة التصنيف خاضعة للجودة الفنية، أم ترتبط بكيفية قراءتنا لهذه الكتب؟ وماذا لو قرأنا الكتب الرديئة بعين النقد لاستخلاص العبر، فهل تساعدنا على استكشاف أسباب الرداءة نفسها؟. وماذا عن القارئ غير الناقد الذي يبحث عن كتب تخاطب قلبه، ولا يهتم بالجودة النقدية للكتاب، أسئلة كثيرة تطرح أهمية التمييز بين جودة المحتوى وتأثيره، فالكتاب الجيد ليس بالضرورة الأكثر مبيعاً أو المحبوب لدى الجميع، لكنه ذلك الذي يترك أثراً فكرياً وعاطفياً عميقاً، والمعايير تشمل الحبكة والأسلوب والأصالة والعمق، أما الرداءة فهي غياب هذه العناصر أو تقديمها بشكل مشوه وغير متقن. ورغم صعوبة الإجابة عن مثل هذه التساؤلات، فالقيمة ليست دائماً مسألة جمالية، والتراث ليس مرادفاً للجودة، لكنه مرادف للشهادة على الماضي بكل ما فيه، وتبقى الكتب، سواء كانت رديئة أم لا، أشبه بالآثار القديمة، فبعضها يحمل جمالاً خالداً، والآخر، وإن كان مجرد أحجار متناثرة، لكنها قد تروي قصة.
الكتب النادرة ليست بالضرورة من الروائع، لكنها يجب أن تتمتع بالأصالة، وتحمل قيمة تاريخية، أو رمزية، وتعكس على الأقل قدراً من الإتقان الأدبي، أو تحاكي التاريخ من زاوية محددة شاهدة على عصرها، ويعتمد تحديد ما إذا كانت جزءاً من التراث على مدى ارتباطها بتلك الحقبة، وتأثيرها فيها.