لماذا نستمتع بالخوف؟

بقلم/ شيماء المرزوقي

في حياتنا اليومية، نحاول جاهدين تجنب ما يثير القلق، أو يشعرنا بالخطر، لكننا في المقابل نلجأ، وبكامل إرادتنا، إلى تجارب تثير فينا الرعب، مثل مشاهدة أفلام الرعب، أو دخول بيوت الأشباح، أو المشاركة في أنشطة مثل القفز المظلي، أو ركوب قطارات الملاهي المخيفة… إلخ. هذه التناقضات ليست عبثيـــــــة، بل ترتبط بتجربة إنسانية معقدة تعرف بـ «الخوف الترفيهي»، وهي حالة نبحث فيها عن الإحساس بالخوف، لكن في بيئة نعلم أنها آمنة ومسيطر عليها.

الخوف جزء طبيعي من التجربة الإنسانية، والتفاعل معه تحت ظروف نختارها بإرادتنا يمكن أن يكون وسيلة لاستكشاف حدودنا العاطفية، وتوسيع قدرتنا على التحمل.

ومع ذلك، من المهم التنويه بأن هذا النوع من الترفيه ليس مناسباً للجميع، فرغم كونه آمناً في الغالب، فإن استثارة نظام القتال أو الهروب في الجسم (Fight or Flight) قد لا يكون أمراً بسيطاً لدى البعض، خصوصاً من لديهم تاريخ مع اضطرابات القلق أو مشاكل صحية في القلب أو التنفس.

وعلى الرغم من أن الحديث هنا لا يتناول الأمر من زاوية طبية دقيقة، فإنه من المنطقي أن تختلف استجابة الناس لمثل هذه التجارب بناء على طبيعتهم الجسدية والنفسية. لذلك، فإن الاعتدال في البحث عن هذا النوع من الإثارة يبقى الخيار الأكثر أماناً، خاصة عندما نلاحظ أن التجربة بدأت تتحول من متعة مؤقتة إلى انزعاج جسدي أو نفسي دائم.

اللافت أيضاً أن مشاركة هذه التجارب المخيفة مع الآخرين تعزز الروابط الاجتماعية، فعندما نمر معاً بلحظات توتر وضحك وذعر مؤقت، تزداد مستويات الثقة والتواصل بين الأفراد، حتى لو كان الموقف مصطنعاً. لهذا نجد أن كثيراً من الناس يفضلون مشاهدة أفلام الرعب جماعياً، أو دخول غرف الهروب المخيفة كمجموعات.

في النهاية، يبدو أن الخوف ليس شعوراً سلبياً تماماً كما نتخيل، بل يحمل أوجهاً متعددة قد تكون محفزة ومفيدة إذا تم التعامل معها بوعي وتوازن. لكن كأي تجربة أخرى، يبقى السياق هو الفاصل بين كونها ممتعة أو مرهقة، وبين كونها محفزة أو مرهقة نفسياً. لذلك، فإن الانتباه للإشارات الداخلية التي يخبرنا بها جسدنا ومزاجنا أثناء هذه التجارب، هو ما يجعل الفرق بين المتعة الآمنة والتجربة المزعجة.

متابعات

إقرأ ايضا

اخترنا لك
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى