بقلم/ شيماء المرزوقي
في نقاش يومي عادي بين شخصين حول أبسط الأمور، مثل فيلم سينمائي أو قضية اجتماعية، يتحول الحوار أحياناً إلى جدال حاد، يتمسك فيه كل طرف برأيه بعناد وإصرار، ويخرج الطرفان من النقاش من دون الوصول إلى نتيجة واضحة.
قد نتساءل هنا: لماذا نميل إلى الدفاع عن آرائنا بهذا القدر من العناد، حتى عندما تظهر الأدلة أننا قد نكون مخطئين؟ هذا السلوك في علم النفس يعرف ب «الانحياز التأكيدي»، وهو الميل للبحث عن المعلومات التي تؤكد آراءنا ومعتقداتنا المسبقة وتجاهل أو تقليل قيمة المعلومات التي تتعارض معها. يحدث هذا من دون وعي منا، فنحن نفضل أن نكون على صواب بدلاً من أن نصل إلى الحقيقة، حتى لو عنى ذلك البقاء في منطقة الراحة الفكرية، من دون مواجهة احتمال أننا قد نكون مخطئين.
في تجربة شهيرة أجريت في جامعة ستانفورد في السبعينات، قام الباحثون بعرض مجموعتين من الأشخاص على نفس الأدلة العلمية، وكانت هذه الأدلة تدعم وجهتي نظر متناقضتين حول قضية اجتماعية معينة. وجد الباحثون أن كل مجموعة ركزت فقط على الأدلة التي تدعم وجهة نظرها، وتجاهلت الأدلة المضادة، على الرغم من أن كل الأدلة كانت متاحة وواضحة تماماً لكلا الفريقين. هذه التجربة أكدت كيف يمكن للانحياز التأكيدي أن يؤثر بشكل كبير في حكمنا وتقييمنا للأمور.
لكن ما الحل لهذه المشكلة؟ وكيف نتخلص من هذا الانحياز الذي يشوه فهمنا للعالم ويزيد من الخلافات في العلاقات الشخصية والاجتماعية؟ الخطوة الأولى هي الاعتراف بأننا جميعاً معرضون لهذا النوع من الانحياز. هذا الإدراك الذاتي يجعلنا أكثر حذراً عند تقييم المعلومات الجديدة. كما ينبغي أن ندرب أنفسنا على الاستماع بوعي للآراء المختلفة عنا، والبحث عن أدلة تدعم الرأي الآخر، لا لكي نغير قناعاتنا بالضرورة، لكن لنتأكد من أن أفكارنا قائمة على منطق حقيقي وليس مجرد عواطف أو تحيزات غير واعية.
حين ندرك أن هدف الحوار الحقيقي ليس الانتصار، بل التعلم والوصول إلى فهم أفضل للعالم من حولنا، سنصبح أكثر انفتاحاً وأقل عناداً في الدفاع عن آرائنا.
ولعل إدراكنا لمفهوم «الانحياز التأكيدي» يساعدنا على أن نتقبل فكرة أن نكون مخطئين أحياناً، وأن نسعى للوصول إلى الحقيقة، بدلاً من السعي إلى إثبات أننا دائماً على حق.
متابعات