هل تنعكس صحة الأم النفسية على أطفالها.. وما هي متلازمة الأم الباردة؟

“عادة ما يبدأ تكوين الصحة النفسية للأم مع كونها ابنة في بيت أبيها؛ فكلما كان أسلوب التربية سوياً؛ أصبحت قادرة على تنشئة أسرة سوية، وكذلك تصبح زوجة ناجحة في علاقتها بالزوج الأب، مروراً بمرحلة الحمل والإنجاب؛ تلك التجربة المليئة بالمخاوف والتغيرات الهرمونية التي تؤثر على المزاج والانفعالات بشكل خاص، وحياتها وعلاقتها بأبنائها بشكل عام، وكلما مرت مرحلة الحمل بأمان بعيدة عن أي ضغوطات؛ كانت مرحلة ما بعد الولادة أكثر أماناً.
حيث إن التغيرات الهرمونية في فترة الحمل تحفز بعض السيدات على اكتئاب الحمل، ومنها إلى اكتئاب ما بعد الولادة، وعلى من حولها تفهّم وإدراك تلك التغيرات، وتقديم الدعم المناسب والمساندة لتخطي المرحلة بأمان”.
بهذه المقدمة العلمية الوافية، تبدأ الدكتورة آية سيد، اختصاصية الصحة النفسية والإرشاد النفسي، حديثها لـ”سيدتي وطفلك”، مستكملة كلامها بتوضيح متلازمة “الأم الباردة”؛ الثلاجة!

قصة متلازمة الأم الباردة

دكتورة آية سيد اختصاصية الصحة النفسية والإرشاد النفسي

الأم محور الأسرة، ولها دور كبير في التأثير على حياة أبنائها، حيث إنها تتأثر بكل ما تمرّ به من مشاعر الخوف والإحباط والعجز، والذي يصل لدرجة إصابتها بالاضطراب العقلي و النفسي.
ولا شك أن الصحة النفسية للأم، بسلبياتها وإيجابياتها، تنعكس على أبنائها وعلى تكوين شخصياتهم وعلاقتهم بالآخرين ومدى ثقتهم بأنفسهم.
حدث في أربعينيات القرن الماضي، وعندما كان أحد الأطباء النفسانيين يحاول استكشاف اضطراب “التوحد” لدى الأطفال، قابل أمهات ممن تعاملن مع أطفالهن بتحفظ وبرود.
وعلى الرغم من الاعتقاد بأن مرض التوحد فطري لدى الطفل، فإن هذا الطبيب ربط بين الجمود العاطفي الذي ظهر من جانب أمهات مرضاه الصغار، قام بصياغة مصطلح “الأم الباردة”، وربط بينه وبين التوحد لدى الأطفال.
وذلك باعتبار أن “الأم الباردة” هي التي تُظهر مسافة عاطفية، ونقصاً في المودة، وقدرة محدودة على الاستجابة لاحتياجات طفلها العاطفية، ما يسهم في تفاقم مرض التوحد لدى طفلها.
ولكن بعد نحو 20 عاماً من هذا التشخيص، فكك الطبيب النفسي، مدير معهد أبحاث التوحد في الولايات المتحدة، النظرية السابقة، وغيّر جذور مرض التوحد، وتم تبرئة “الأم الباردة” من الضلوع في إصابة طفلها بالتوحد.
ومع ذلك، يظل رفض الأم لمختلف التصرفات والسلوكيات التي تنقل رسالة اللامبالاة تجاه الطفل، أو عدم التوفر العاطفي والإهمال والنقد القاسي؛ له تأثيره العميق على النمو النفسي للطفل.

أسباب جفاء الأم في علاقتها بطفلها

حزن الأم يؤثر على علاقتها بأطفالها

صدمة من الماضي: إذا تعرضت الأم للإساءة أو الإهمال عندما كانت طفلة؛ فقد يؤثر ذلك على قدرتها على منح أطفالها الدفء العاطفي والدعم.
مشاكل في الصحة العقلية: قد يكون من الصعب على الأمهات تطوير روابط عاطفية عميقة مع أطفالهن إذا كنّ يعانين من الاكتئاب أو القلق أو مشاكل الصحة العقلية الأخرى.
الحمل غير المتوقع: في بعض الأحيان قد لا تكون الأم قد خططت لإنجاب طفل، أو لم تكن مستعدة للأمومة، مما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على صحتها العقلية، مما ينعكس بدوره على العلاقة التي تربطها بطفلها.
الاختيار الخاطئ لأسلوب التربية: قد تختار بعض الأمهات أسلوباً أكثر تشدداً في التربية، والتركيز على الانضباط بدلاً من التواصل العاطفي، على اعتبار أن الشدة تصنع طفلاً قوياً مستقلاً ومعتمداً على ذاته.
الإرهاق المستمر: يمكن أن تؤدي الضغوطات وشعور الأم بالإرهاق والانفصال عن احتياجاتها إلى البرود العاطفي مع احتياجات طفلها.
الحزن: يمكن أن يتطور الحزن إلى متلازمة الأم الباردة، خاصة إذا كان الحزن طويلاً أو معقداً. في بعض الأحيان يمكن أن يؤدي الحزن إلى جمود الاستجابة العاطفية، مما يولّد شعوراً بالبرود وعدم الاهتمام والتواجد العاطفي.

سمات “الأم الباردة”

أم تلوم طفلتها

على الرغم من أن الأمهات اللواتي يعانين من متلازمة “الأم الباردة” لسن قوالب موحدة، فهناك عدد من السمات الرئيسية المشتركة بينهن:

النقد المستمر:

تشير تلك الأم باستمرار إلى النقص والصفات السلبية لدى الطفل.

توقعات غير واقعية:

تضع معايير غير معقولة للطفل وتطالبه ببلوغها، وتتوقع منه الكمال.

الغياب:

قد تكون غير حاضرة جسدياً أو عاطفياً، وتبدو دائماً مشغولة ومشتتة أثناء التفاعل مع الطفل.

الشك:

تشكك دائماً في نوايا الطفل وأفعاله.

التناقض:

قد يتأرجح سلوكها بين كونها متاحة بشدة ومحبة وداعمة في أوقات، وبعيدة ومنتقدة في أحيان أخرى.

التقويض:

السيطرة على خيارات الطفل وقراراته الحياتية أو السخرية منها.

التجنب العاطفي:

تجد الأم صعوبة في التعبير عن المشاعر الشديدة لطفلها أو تقبلها منه.

مدى تأثر الطفل بالغياب العاطفي للأم

تترك الأم آثاراً كبيرة على نمو عقل الطفل ونفسيته. من تلك التأثيرات:

  • انخفاض مستويات الثقة بالنفس واحترام الذات.

  • نقص الذكاء العاطفي.

  • عدم القدرة على الراحة أو التحكم في المشاعر.

  • عدم القدرة على تهدئة النفس.

  • مشاكل في العلاقات الإنسانية والعاطفية، وعدم القدرة على بناء علاقات صحية والحفاظ عليها.

  • لوم النفس والخجل.

  • التعلق غير الآمن بالأشخاص.

  • التنمر واستخدام العنف اللفظي أو الجسدي مع الآخرين.

علاج “الأم الباردة”.. الثلاجة

أم تشارك طفلتها الرسم والتلوين

يعد علاج متلازمة الأم الباردة أمراً ليس مستحيلاً، إذ يمكن لإدراك الأم لمشكلتها، ورغبتها في التغيير من تلقاء نفسها أن يكون الدافع الأول والأقوى للشفاء من تلك المتلازمة.
ومن الضروري الجمع بين الاستشارة الطبية الأساسية والعلاج الأسري وتعلم مهارات التنظيم العاطفي والتعامل مع الآخرين، وذلك من خلال عدة خطوات:

  • تخصيص وقت للنفس للقيام بأشياء تجلب السعادة وتساعد على الاسترخاء، مثل القراءة، أو التنزه في الطبيعة، أو ممارسة هواية ما.

  • إعطاء الأولوية لأنشطة الرعاية الذاتية؛ كالحصول على قسط كافٍ من النوم، وتناول وجبات مغذية، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام.

  • إحاطة النفس بالمؤثرات الإيجابية، كأصدقاء أو أفراد العائلة أو مجموعات دعم، ومشاركة الخبرات معهم.

  • التعاطف مع الذات، ممارسة أنشطة محببة مع الطفل؛ كاللعب أو القراءة أو السباحة أو الرسم.

  • تقسيم مهام رعاية الطفل والبيت مع الزوج وطلب المساعدة من أفراد العائلة.

  • الحصول على ذكريات لطيفة مع الطفل والتقاط الصور المشتركة معه، ومشاهدتها من حين لآخر.

  • العلاج والاستشارة، ويعني طلب المساعدة المهنية من المتخصصين؛ للمساعدة في التعامل مع المشاعر وتطوير إستراتيجيات التكيف الصحية، ومعالجة آثار صدمات الماضي.

  • ممارسة التأمل أو تمارين التنفس العميق لتهدئة العقل وتقليل القلق.

ملاحظة : قبل تطبيق هذه الوصفة أو هذا العلاج، عليك استشارة طبيب متخصص.

متابعات

إقرأ ايضا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى