لا تفرِّقُ سيدةُ الأعمال العنود الحوسني بين البروتوكولِ الذي ترغبُ في تعليمه للناس، وبين «السنع»، وهو أسلوبُ حياةٍ في المجتمع الإماراتي موجودٌ منذ زمنٍ بعيدٍ، فحينما يشارُ إلى فتاةٍ، أو شابٍّ بـ «سنع»، يعني هذا أنه على قدرٍ كبيرٍ من الأدبِ والتربية، وأن المعني شخصٌ فَطنٌ، وملمٌّ بأدقِّ تفاصيلِ التعاملِ مع الآخرين، ويمارسها بشكلٍ يومي. ونجدُ «السنع» مثلاً في احترامِ الأبناءِ آباءَهم، وتقديرِ كبارِ السن، وحُسنِ الجوار، وهذه طريقةُ العلاقاتِ الاجتماعيَّة السائدةِ منذ القِدم، والمُستمدَّةِ أساساً من الدينِ الإسلامي الحنيف. ولربطِ «السنع» بالإتيكيتِ الذي ترغبُ العنود في إعادةِ صياغته ونشره بين النساء، وبمناسبة يوم المرأة الإماراتية، استقبلتنا في أكاديميَّتها «أسنسي» في هذا الحوار.
إعداد:لينا الحوراني
تصوير: محمد فوزي
حصلت العنود هشام الحوسني على شهادةِ بكالوريوس العلومِ في تقنيَّة المعلوماتِ ومجالِ الأمنِ السيبراني، كما أنها رائدةُ أعمالٍ، تهتمُّ بتعزيزِ الأناقةِ والتقديرِ الثقافي، ومؤسِّسةُ ومديرةُ أكاديميَّة أسنسي، المتخصِّصة في تعليمِ الإتيكيت والبروتوكول.
نشأت في بيئةٍ إماراتيَّةٍ، تُعنَى بالقيمِ والأخلاقِ حيث تعلَّمت أهميَّة التعاملِ اللطيف، والاحترامِ المتبادل منذ الصغر. تقولُ عن ذلك: «والدتي من بولندا، ما أتاحَ لي تعلُّمَ ثقافتَين مختلفتَين في فنِّ الإتيكيت، وهو ما أسهمَ في تشكيلِ شخصيَّتي، وتوسيعِ آفاقي في هذا المجالِ منذ الصغر، إذ كانت علاقاتنا الأسريَّة مبنيَّةً على الاهتمامِ بخصوصيَّة كلِّ فردٍ في المنزل، خاصَّةً الأطفالَ الأصغر سناً، تجنُّباً لاقتحامِ الخصوصيَّة، ما يؤدي إلى عديدٍ من المشكلاتِ، والاضطراباتِ النفسيَّة».
تضيفُ: «تعليمَ هذا الفنِّ فكرةٌ جريئةٌ، لكنَّ الناس ستلجأ إلى أكاديميَّتي، وتتبنَّاها، كما تبنَّت عديداً من المفاهيمِ العصريَّة التي طرأت على مجتمعنا».
فهمٌ أعمقُ للإتيكيت
الإتيكيت، الذي تتحدَّثُ عنه العنود، سلوكٌ مرتبطٌ ارتباطاً وثيقاً بالمشاعر، ويتجلَّى بكلِّ حبٍّ وسلامٍ لتنظيمِ علاقتنا، وطريقةِ تعاملنا مع مَن حولنا، وتطلقُ عليه بوضوحٍ «إتيكيت الثقافة الإماراتيَّة»، ويستندُ إلى مجموعةٍ من السلوكياتِ والمبادئ التي تعكسُ القيمَ، والتقاليدَ، والتصرُّفاتِ المقبولة في المجتمعِ الإماراتي، وتتضمَّنُ باقةً من القواعدِ، والتوجيهاتِ في التعاملِ مع الآخرين، وأساسياتِ السلوكِ الاجتماعي، وتحضُّ على الحفاظِ على الاحترامِ والودِّ في العلاقات الشخصيَّة والمهنيَّة، إضافةً إلى الأدبِ، وتقديرِ الثقافاتِ المختلفة، إذ ترى العنود، أن الإتيكيت الإماراتي جزءٌ مهمٌّ من الهويَّة الوطنيَّة الإماراتية، وأساسُ التعاملِ السليمِ والمتين في المجتمع، وتعلِّقُ: «الثوابتُ الأخلاقيَّة ميثات، تبقى لأجيالٍ. كلُّ ما في الأمر، أنني أعيدُ صياغتها لأقدِّمها في قالبٍ مختلفٍ». مبينةً أن «أكاديميَّة أسنسي الأولى من نوعها في الإمارات، وجاء تأسيسها من حاجةٍ ملحَّةٍ، لاحظتُها في مجتمعنا لفهمٍ أعمقَ للإتيكيت والبروتوكول في مختلفِ جوانبِ الحياة»، مشيرةً إلى أن «اسم الأكاديميَّة، أسنسي، يعني الارتقاء، وهو ما يعكسُ رغبتنا في الارتقاءِ بالأفرادِ نحو أعلى مستوياتِ السلوكِ والأداء».
علاقة الإتيكيت بالحضور
عندما طرحت العنود فكرةَ الأكاديميَّة، واجهت ردودَ فعلٍ، وآراءً متباينةً، فقد أبدى بعضهم حماساً كبيراً، وعدَّها خطوةً إيجابيَّةً ومهمَّةً، بينما شكَّك آخرون في ضرورتها وفائدتها.
تستدركُ قائلةً: «مع الوقتِ، بدأت الأصداءُ الإيجابيَّة تتزايدُ مع تزايدِ الوعي بأهميَّة الإتيكيت في الحياةِ اليوميَّة والمهنيَّة. الإتيكيت يبدأ من التربيةِ المنزليَّة، ويتأصَّل في النفسِ البشريَّة من خلال التكرارِ، والاهتمامِ بالتفاصيلِ الصغيرةِ في التعامل. نعم، له علاقةٌ بالحضورِ، والشخصيَّة، لأنه يعكسُ احترامَ الإنسانِ لنفسه والآخرين، والداعمون لي يتفهَّمون أهميَّة قواعدِ الإتيكيت، التي بالمناسبة لا أفرضها طوالَ الوقت، بل أحرصُ على أن تكون جزءاً من الثقافةِ اليوميَّة بأسلوبٍ سلسٍ ولطيفٍ، كما أؤمن بأن بعض العاداتِ تحتاجُ إلى تحديثٍ لتواكبَ العصر، لكنْ دون فقدانِ جوهرها».
الإتيكيت والأمور الشخصية
تلخِّصُ العنود قواعدَ التعاملِ مع الآخرين في فنِّ الإتيكيت بخطواتٍ أربع، أولاها الاستماعُ الجيِّدُ، وعدمُ المقاطعة، واحترامُ المساحاتِ الشخصيَّة، واستخدامُ الكلمات السحريَّة مثل من فضلك، وشكراً، إلى جانبِ الحفاظِ على مظهرٍ لائقٍ ونظيفٍ. في المقابل، تحدِّدُ أربعَ قواعدَ، يخطئ بها بعضهم، لا سيما النساء، في التعاملِ مع أنفسهم، إذ تقولُ: «قد لا تهتمُّ المرأة بمظهرها الخارجي، ولا تملكُ القدرةَ على قولِ لا في المواقفِ التي تستدعي ذلك، وتتجاهلُ أهميَّة التوقيتِ في المواعيد، وتتحدَّثُ بصوت عالٍ في الأماكنِ العامَّة، وكلّها أمورٌ منافيةٌ للإتيكيت، لذا أدعوها إلى أن تبني تعاملها مع الجنسِ الآخر على الاحترامِ المتبادل، مع الحفاظِ على حدودٍ واضحةٍ في التعامل، والتصرُّفِ بلطفٍ ودون تكلُّفٍ، إضافةً إلى تجنُّب الحديثِ عن الأمورِ الشخصيَّة في اللقاءاتِ الأولى».
جذورٌ تسكن في داخلنا
تعملُ العنود في أكاديميَّة أسنسي على تقنياتِ بناءِ الثقةِ في النفس بما يضمنُ لطلابها التفوُّقَ في مجالاتهم المختارة، والاتِّجاه إلى التنوُّع والشموليَّة، ما يُكسبهم الثقةَ، والمعرفةَ، والكفاءةَ الثقافيَّة اللازمة للنجاحِ الشخصي والمهني بغضِّ النظر عن خلفياتهم، أو جنسياتهم.
تتابعُ في هذا السياق: «بصفتي مدرِّبةً معتمدةً في الأدبِ والذوقِ العصري، أرغبُ من خلال رؤيةٍ عميقةٍ في إعادةِ تعريفِ القيمِ الاجتماعيَّة، ورفعِ مستوى السلوكِ الفردي في العصرِ الحديث في امتدادٍ للتراثِ الغني للإمارات، وعليه أقدِّمُ دوراتٍ متخصِّصةً للشاباتِ من أجل تمكينهن مجتمعياً، وتعزيزِ ثقتهن في أنفسهن لتجاوزِ تحدِّيات المجتمعِ المعاصر ضمنَ القيمِ والتقاليدِ والاحترام والمظاهر التراثية الإماراتية، وعبر دروسٍ في البروتوكولِ الإماراتي، تغطي كلَّ المجالاتِ المطلوبة مثل فنِّ إدارةِ الاجتماعات، وبروتوكولِ العلاقاتِ الدوليَّة.
وتضيفُ: «لإيماني بأهميَّة التبادلِ الثقافي، والاندماج، صمَّمتُ دوراتٍ للأجانب، ليتعرَّفوا على غنى الثقافةِ المحليَّة، وجماليَّة وتنوُّع العاداتِ والتقاليدِ الإماراتيَّة، فالسنعُ جذورٌ أصيلةٌ، ما زالت تسكنُ دواخلنا النقيَّة».
لا تتوقفي عن تعلّم فنون الإتيكيت
تكشفُ العنود عن مشكلةِ التعاملِ مع شخصٍ، لا يعرفُ الإتيكيت، وتفضِّلُ نصحه بلطفٍ إذا كان الموقفُ يسمح بذلك، لكنَّها تستدرك: «في بعض الأحيان، يكون تجاهله، والانصرافُ عنه الحلَّ الأمثل لتجنُّب التصادمِ معه. من جهتي، وفي كلِّ الأحوال، ومهما كانت الظروف، أطلبُ من كلِّ امرأةٍ أن تحرصَ على احترامِ الآخرين دائماً، وأن تتعلَّم كيفيَّة التصرُّف بلباقةٍ في جميع المواقف، وأن تكون قدوةً في التعاملِ الحسن، وألَّا تتوقَّف عن التعلُّم والتطوُّر في قواعد الإتيكيت، إذ يكشفُ الخبراءُ دائماً عن الجديدِ فيها».
3 مهارات إتيكيت أساسيَّة يجب إتقانها
إتيكيت «التحيَّة والتقديم»
لتحقيقِ تواصلٍ فاعلٍ، والمحافظةِ على صورةٍ مهنيَّةٍ وشخصيَّةٍ محترمةٍ، تؤكدُ العنود على أبرزِ قواعد الإتيكيت، وهي «التحيَّة والتقديم»، وتتطلَّبُ معرفةَ كيفيَّة تقديمِ نفسكَ للآخرين بأدبٍ واحترامٍ. تذكرُ: «يجبُ الاهتمامُ بلغةِ الجسد من خلال استخدامِ لغةِ جسدٍ إيجابيَّةٍ ومنفتحةٍ كالنظرِ المباشرِ في العيون، والابتسامِ، والوقوفِ بطريقةٍ مناسبةٍ، فضلاً عن اللباقةِ في الحديث باختيارِ الكلماتِ بعنايةٍ، وتجنُّب اللغةِ الجارحة، أو المتهكِّمة، ومراعاةِ الخصوصيَّة والمساحاتِ الشخصيَّة، وعدمِ التدخُّل فيما لا يعنيك». وتستطردُ: «إذا كنتِ لا ترغبين في المصافحةِ، فيفضَّل أن تضعي يدكِ اليسرى على كتفكِ اليمنى فهذه إشارةُ تحيَّةٍ، تجعلُ الشخصَ لا يمدُّ يده بالخطأ لو شاهدكِ قد رفعتِ يدكِ اليمنى مثلاً».
إتيكيت السفر
لا تعدُّ العنود قواعدَ الإتيكيت المتعلِّقة بالسفرِ شكلاً من أشكالِ الرفاهية، وتشملُ حُسنَ التصرُّف، واللباقةَ، وآدابَ الحديث، والعاداتِ التي يجبُ احترامها خلال التنقُّلِ، أو أثناء الإقامةِ في بلدٍ آخر. وهذه القواعدُ، تختلفُ باختلافِ السلوكياتِ الاجتماعيَّة في كلِّ بلدٍ، فهناك ما يمكن تطبيقه في كلِّ مكانٍ، ومنها ما لا يناسبُ الجميع. وباتِّباع بعض هذه القواعد، يمكنك الاستمتاعُ بسفرٍ مريحٍ، يعكسُ صورةً إيجابيَّةً عنكَ وعن ثقافتك، ويعزِّزُ تجربتك الشخصيَّة، ويتركُ انطباعاً جيِّداً لدى الآخرين.
«أسنسي» امتدادٌ للتراث الغني من التقاليد الإماراتية الجميلة”
إتيكيت احترام الثقافات
من أهمِّ النقاط التي تجبُ مراعاتها احتراماً للثقافاتِ المحليَّة اتِّباعُ قواعدِ الإتيكيت السائدةِ في هذا البلد، والحفاظُ على الهدوءِ في كلِّ الظروف، فهو أمرٌ، يقدِّره الجميع في كلِّ البلدان. وتستدرك قائلةً: «من المهمِّ أن نطلبَ الإذنَ قبل تصويرِ مكانٍ خاصٍّ، أو شخصٍ ما، وألَّا نستخدمَ الفلاش أثناء التقاطنا الصورَ داخل المتاحف، وخلال حضورنا عملاً مسرحياً، أو مباراةً رياضيَّةً. كذلك، يجبُ التفاعلُ مع السكان المحليين، وتعلُّم بعض الكلماتِ الخاصَّة بلغةِ البلدِ المضيف، واحترامُ التقاليدِ والعاداتِ المحليَّة، وتجنُّبُ التصرُّفات التي قد تعدُّ مهينةً، أو غير مناسبةٍ».