يتمحور فيلم “بطيخ الشيخ” للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، حول مفهوم السلطة والصراعات المتولدة من أجل الاستئثار بها، لكن من دون أن ينحو باتجاه درامي تقليدي مع خطابية مباشرة، بل سعت مخرجته لوضع أفكارها ضمن قالب كوميدي فيه الكثير من الطرافة.
عمق وجداني
الفيلم القصير، الذي عُرض ضمن تظاهرة شاشات الحمامات، يحكي قصة شيخ أحد المساجد في تونس، له احترامه وتقديره من جميع من حوله، لكنه يتعرض للخديعة من قبل مساعده الذي يسعى لإزاحته واحتلال مكانه، وخاصةً بعد أن أدائه لصلاة الجنازة على امرأة لا يعرفها، حينها يجد الشيخ المحترم نفسه في موقف لا يحسد عليه، وتتوالى عليه المتاعب والمفاجآت، بمواقف لا تخلو من روح النكتة الذكية.
الفكاهة والطرافة لم تكن مجانية البتة، إذ إن الكوميديا التي اعتمدتها بن هنية اتكأت على عمق وجداني وفكري كبير، لذلك سعت لتصوير آلية الاستئثار في السلطة من قبل أقرب المقربين للشيخ، والتأكيد على معرفته وإدراكه الواعي لمدى القوة التي سيمتلكها المساعد إذا وصل لتلك السلطة.
والملاحظ في فيلم “بطيخ الشيخ” أن مخرجته التونسية اتكأت في بناء شخصيتها الرئيسية على فيلم سابق لها هو “يد اللوح”، بحيث ظهرت شخصية الإمام الذي كان يدرس القرآن للأطفال، وكانت شخصية ثانوية آنذاك، لكنها طورتها في فيلمها الأحدث، وبنت عليها أحداثا جديدة.
روح الفكاهة تنطلق من العنوان الذي شكل العتبة الدلالية الأولى لفحوى الفيلم، وبات مثار جدل من قبل الجمهور، ليتضح أن الشيخ طاهر (جسده الفنان أحمد الحفيان) رغم كونه إماما تقيا ومحترما بين قومه، فإنه أسير محبته للبطيخ، وهو ما يستغله بشكل كبير مساعده الشاب الذي كان جهاديا في السابق (أدى الشخصية الفنان بلال سليم) ليورطه فيما لا يحمد عقباه، وذلك بعد صلاته على امرأة لا يعرفها.
الصورة السينمائية
الفيلم الذي شارك فيه أيضاً كل من حليمة بوخريس، نديم شيخ روحا، شيراز فرادي، كريم شارفي، رامي إبراهيم، خليل بن هانيا، محمد كوربي، معتز عرفاوي، جاء نقطة فارقة في مسيرة المخرجة بن هنية، إذ يمكن القول إنه جاء ترسيخا لأسلوبيتها وتعزيزاً لمقدرتها في اختراق أماكن حساسة وفق منظور مختلف.
ففي “بطيخ الشيخ” آثرت الحديث عن السلطة الدينية، وليس السلطة الذكورية في المجتمع، أو السلطة السياسية، فما يهمها هنا هي الدخول إلى عوالم تلك السلطة والنبش سينمائيا في تأثيراتها الكبيرة على من حولها، والأهم من ذلك تشريحها فكريا، والخروج من عباءة تنميطها المتغلغلة لدى كثيرين، وأخذها باتجاهات فكاهية في كثير من مفاصل الفيلم، وهو ما سمح للفيلم بانتقاد السلطة الدينية عبر روح خفيفة.
ومن المهم جدا هو ما حققته بن هنية على صعيد الصورة السينمائية وحركة الكاميرا وإدارة الممثلين، بحيث أن الثلاثة والعشرين دقيقة من عمر الفيلم لم تمر أي منها من دون تأكيد فكرتها، وضبط الكوادر بحيث لا تتسلل أي هفوة إلى عملها، وربما كان هذا الفيلم خطوة خطتها المخرجة التونسية، وعززت مكانتها قبل أن تصبح
متابعات