تشكل المضائق المائية، قنوات ضيقة على طول الطرق البحرية العالمية المستخدمة على نطاق واسع، لذلك، تعتبر بالغة الأهمية لأمن الطاقة العالمي وتدفق التجارة الدولية.
ومن بين أبرز المضائق، التي تكتسي أهمية قصوى في استمرار التجارة العالمية، باب المندب، الذي يمكن أن يتسبب إغلاقه في منع الناقلات القادمة من الخليج العربي من العبور باتجاه البحر الأحمر ثم قناة السويس أو الوصول إلى خط أنابيب سوميد، مما يجبرها على الدوران حول الطرف الجنوبي لأفريقيا، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من وقت العبور وتكاليف الشحن.
“حصار بحري”
وهددت جماعة الحوثي، السبت، باستهداف جميع السفن المتجهة نحو إسرائيل عبر باب المندب قبالة اليمن، ما يؤشر على الأهمية القصوى التي يكتسيها هذا المضيق المائي.
ويأتي هذا التهديد في سياق الحرب المستمرة منذ أكثر من شهرين بين إسرائيل وحماس.
ورغم أن اليمن ليس موقعا استراتيجيا لمهاجمة إسرائيل، إلا أنه مثالي لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، إذ تمتلك جماعة الحوثي مخزونا من الصواريخ المضادة للسفن، ما يجعلهم قادرين على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يمر عبر الساحل اليمني، بحسب تحليل نشرته “الإيكونوميست”.
وفي الآونة الأخيرة، استهدف الحوثيون سفنا يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل، إلا أن تهديدهم، السبت، يوسّع نطاق عملياتهم لتشمل كل السفن المتّجهة إلى إسرائيل.
وكانت الجماعة استولت، في نوفمبر الماضي، على سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” في جنوب البحر الأحمر، وقالت إنها مملوكة لإسرائيل وهو ما نفته الأخيرة.
ومؤخرا، أسقطت البحرية الأميركية مسيرات أُطلقت من اليمن، إضافة إلى صواريخ خلال الأسابيع الستة الماضية، خلال تقديمها الدعم لسفن تجارية في البحر الأحمر. بينما أسقط الحوثيون مسيرة أميركية، الشهر الماضي.
وردا على التهديد الجديد للحوثيين، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، السبت، إن بلاده لن ترضى بـ”الحصار البحري”، مشيرا الى أن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو طلب من الرئيس الأميركي جو بايدن والقادة الاوروبيين اتخاذ إجراءات لمواجهة هذا الوضع.
وحذر هنغبي عبر القناة الإسرائيلية الثانية عشرة “إذا لم يهتم العالم بالأمر، سنتحرك لإزالة الحصار البحري”.
باب المندب
يتمتع اليمن بموقع استراتيجي على مضيق باب المندب، وكان منذ فترة طويلة في مركز الجغرافيا السياسية الإقليمية.
ويفصل المضيق اليمن عن جيبوتي، وآسيا عن أفريقيا، ويربط البحر الأحمر بخليج عدن والمحيط الهندي.
يبلغ عرض المضيق نحو 30 كيلومترا تقسمه جزيرة “بريم” إلى قناتين؛ ويبلغ عرض القناة الغربية 26 كيلومترا وعمقها 30 مترا، أما الشرقية فيبلغ عرضها 3 كيلومترات وعمقها 310 أمتار.
وقد شهدت هذه البوابة الشهيرة حروبا وصراعات مختلفة عبر تاريخها، مثل احتجاز ناقلات النفط الإيرانية المتجهة إلى إسرائيل عام 1973 خلال حرب أكتوبر.
وتزايدت أهمية باب المندب بشكل كبير عند افتتاح قناة السويس عام 1869، مما أدى إلى نمو حجم التجارة البحرية الدولية.
وتزايدت أهمية أكثر، بعد اكتشاف النفط في شبه الجزيرة العربية وارتفاع التجارة من شرق آسيا.
وأصبح هذا الممر المائي الحيوي الآن شريانا رئيسيا للعولمة لأنه يربط أوروبا بالمحيط الهندي وشرق إفريقيا.
تاريخه
يؤكد مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية على أن باب المندب اكتسب أهمية منذ العصور القديمة، إذ أنّ المضيق -نقطة العبور البحري الوحيدة نحو المحيط الهندي- ويستخدم من قبل دول الخليج والشمال الشرقي لأفريقيا من أجل التجارة مع ما كان يعرف تاريخيا ببلاد فارس وعمان والهند ومدغشقر.
وجاء في دراسة تخص باب المندب نشرها المركز أنه منذ بداية الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر، لم تتوقّف التجارة العالمية على النموّ، ومرّت التجارة مع آسيا خاصّة بين المملكة المتّحدة وإمبراطوريتها الاستعمارية عبر رأس الرجاء الصالح وشملت رحلات طويلة ومكلفة، وبالتالي اندرج حفر قناة السويس بداية من عام 1859 ضمن منطق خفض التكاليف وتبسيط الإبحار باعتبار أنها تسمح بالوصول إلى المحيط الهندي أسرع مرّتين تقريبًا.
بداية من السنوات الـ1930 واكتشاف آبار النفط الأولى في شبه الجزيرة العربية، اكتسبت قناة السويس ومضيق باب المندب أهمية بالغة؛ حيث أصبحا نقطتا عبور السلع نحو آسيا أصبحتا وشريانين حياتيين لتزويد الدول الغربية بالطاقة.
وإذ يرتبط باب المندب مباشرة باليمن وجيبوتي، -يؤكد المركز ذاته، فإنّ منافذه تهمّ جميع الدول المطلّة على الواجهة البحرية للبحر الأحمر وهي إريتريا والسودان ومصر وإسرائيل والأردن والمملكة العربية السعودية الّتي عليها عبوره من أجل الوصول إلى خليج عدن والمحيط الهندي.
أهميته التجارية
في عام 2018، تدفق ما يقدر بنحو 6.2 مليون برميل يوميًا من النفط الخام والمكثفات والمنتجات البترولية المكررة عبر مضيق باب المندب باتجاه أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بزيادة من 5.1 مليون برميل يوميًا.
وقبل ذلك، شكل إجمالي التدفقات النفطية عبر مضيق باب المندب حوالي 9% من إجمالي النفط المتداول بحرًا (النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة) في عام 2017.
وقبل عام 2015، كانت كميات الغاز الطبيعي المسال التي تمر عبر مضيق باب المندب تطابق تلك التي تمر عبر قناة السويس لأن البحر الأحمر لم يكن لديه أي بنية تحتية للغاز الطبيعي المسال.
وفي عام 2015، بدأ كل من الأردن ومصر في استيراد كميات صغيرة من الغاز الطبيعي المسال إلى موانئ البحر الأحمر، وبلغت واردات هذين البلدين من الغاز الطبيعي المسال ذروتها في عام 2016 عند 1.4 مليار قدم مكعب يوميا، تم تسليم 80٪ منها عبر مضيق باب المندب.
وفي الآونة الأخيرة، مع بدء تشغيل حقول الغاز الطبيعي الجديدة في مصر، انخفضت حاجة مصر لاستيراد الغاز الطبيعي المسال، وفق إدارة معلومات الطاقة الأميركية .
إجمالي النفط والغاز المسال الذي عبر باب المندب بين 2014 و2018
وكما هو الحال مع التدفقات إلى مصر، انخفض أيضًا إجمالي تدفقات الغاز الطبيعي المسال المتجهة شمالًا عبر باب المندب منذ عام 2016، حيث ظلت التدفقات المتجهة شمالًا إلى وجهات أخرى ثابتة إلى حد ما.
وإدارة معلومات الطاقة الأميركية، هي وكالة رئيسية تابعة للنظام الإحصائي الفيدرالي الأميريي المسؤول عن جمع وتحليل ونشر معلومات الطاقة.
وبحسب هذه الإدارة، انتقل حوالي 3.6 مليون برميل يوميًا شمالًا نحو أوروبا؛ وتدفق 2.6 مليون برميل يوميا أخرى في الاتجاه المعاكس بشكل رئيسي إلى الأسواق الآسيوية مثل سنغافورة والصين والهند.