ما سرّ إبقاء بوتين لبريغوجين حراً من دون معاقبة؟
نشرت شبكة “سي أن أن” الأمريكية تحليلاً لناثان هودج، تساءلَ فيه عن مكان زعيم شركة فاغنر للمرتزقة، يفغيني بريغوجين. إذ قال: “في الأسبوع الماضي، تلقّى زعيم المعارضة أليكسي نافالني حكماً قاسياً، فبعد أن ضربتْه محكمة بـ 19 عاماً أُرسِل مباشرة لزنزانة عقابية”، وهو مصير مختلف عن مصير بريغوجين، الذي قاد، في حزيران/ يونيو، عصياناً فاشلاً، مثَّلَ أكبر تحدٍ للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وفي الوقت الذي توقَّفَ فيه تقدم المقاتلين التابعين لفاغنر، قبل وصولهم إلى موسكو، أعلن بوتين الغاضب، عبر التلفاز، أن من يسيرون “على طريق الخيانة” سيعاقَبون، وبعد شهرين، لم يحدث هذا في حالة بريغوجين.
ومن الواضح أن ثمن تحدي بوتين ليس محدداً، ومن المثير للدهشة أن بريغوجين لم يبتعد عن الأضواء منذ عصيانه. فبعد أسابيع من العصيان، ظهر بريغوجين، على هامش قمة أفريقية- روسية في سانت بطرسبرغ، وهو يصافح مسؤولاً كبيراً في جمهورية أفريقيا الوسطى. وحتى نكون متأكدين، فإن زعيم المرتزقة لم يظهر بزي عسكري، وهو الزي الذي تعوّدَ عليه متابعوه على قناته بمنصة تيلغرام، بل كان يرتدي قميصَ بولو وبنطال جينز.
ولكن الدبلوماسيين الروس كان عليهم تفسير سبب بقاء رجل مسؤول عن إسقاط طائرة عسكرية، وقتل الجنود الروس عليها، حراً. هو ما حدث لكريستين آنبور من “سي أن أن”، التي واجهت السفير الروسي في بريطانيا، أندريه كلاين بشأن ظهور بريغوجين الغريب في مرحلة ما بعد العصيان.
واعترف كلاين أن عصيان فاغنر ربما كان “خيانة عظمى”، ولكن السفير قال إن الرئيس بوتين قرّرَ أن يترك الماضي في الماضي. وقال إن “الرئيس تعامل معها عندما بدأت وقد انتهى الأمر”، و”نحن نسافر إلى مكان، ولكننا نعترف ببعض الأعمال البطولية لجماعة فاغنر”، ملمحاً لدور المجموعة في السيطرة على مدينة باخموت.
لكن آنبور ضغطت على كلاين أكثر: “ما أودّ فهمه هو لماذا هناك أشخاص مثل (فلاديمير) كارا- ميرزا، المثقف، وغيره، نافالني في السجن للخلاف اللفظي مع الحكومة الروسية، لكن بريغوجين، الذي حاول القيام بانقلاب ضد الكرملين، وربما ضد الرئيس نفسه، انقلاب عسكري لا يزال يتجول حول روسيا؟ وقد التُقطت له صور مع قادة أفارقة، هذا الأسبوع، في قمة سانت بطرسبرغ، لماذا لم يسجن بتهمة الخيانة؟”.
وقد تجنَّبَ كلاين أولاً بالقول إنه لا يتذكر أن جنوداً قُتلوا في أثناء تمرد فاغنر، ولكن آنبور ضغطت عليه، واعترف ألّا تفسير لديه.
ولا يزال مراقبو الشأن الروسي يبحثون عن تفسير بشأن مستقبل بريغوجين. ويعتقد الخبراء أن زعيم فاغنر لا تزال له قيمة لبوتين، حتى مع تراجع موقع الرجلين، “تعرّضَ رصيد بريغوجين في الكرملين لضربة”، كما تقول كانديس روندو، مديرة “فيوتشر فرونتلاينز”، وهي مصدر للمعلومات الأمنية المفتوحة في مركز نيو أمريكا “ولأن بوتين خسرَ الكثير من رصيده بعد العصيان، فمن الواضح أنه يعتقد أن هناك فائدة لا تزال من الحفاظ على بريغوجين”.
فخبرة بريغوجين ومهاراته في إخفاء المكاسب التجارية، والشبكة الغامضة من الشركات الواجهات والعمليات الخارجية، هي رصيد لروسيا بوتين، والتي تعاني من عقوبات اقتصادية حاسمة فرضها الغرب، كما تقول روندو “عند هذه النقطة، فإن شبكة بريغوجين من الشركات الوهمية هي التأمين الأفضل لدى بوتين لكي يحافظ على حرب روسيا” و “ليس من المحتمل أن تحافظ عليها للأبد، وفي النهاية فإن عليه أن يتخلى عن شيء، وهناك فرصة عندما يحدث أن يحصل أمرٌ كبير، قريباً من الحدود البيلاروسية البولندية”.